الفوقية السعودية واستضعاف لبنان
شارل أيوب
شاهدت على التلفزيون مراحل زيارة الوفد اللبناني برئاسة فخامة الرئيس العماد ميشال عون الى المملكة العربية السعودية، وشعرت اني كلبناني اصبت بجرح كبير لا بل بجروح نتيجة الفوقية السعودية باستقبال الوفد اللبناني واستضعافه، فقبل كل شيء ان رئيس الدولة اللبنانية هو رئيس دولة عربية قوية لها تاريخ في العروبة ولها تاريخ سابق لكل الدول العربية في الحفاظ على اللغة العربية من التتريك وغيره، ولا تحتاج الى تعليم لدروس عربية، وكان الاجدر بالملك سلمان، ان يستقبل الرئيس عون على المطار بدل ان يستقبله امير الرياض لان رئيس جمهورية لبنان يستحق ان يستقبله ملك السعودية شخصيا، واذا كان العماد عون رجل دولة من الطراز الأول ويريد مصلحة لبنان وسكن قصر الضيافة، فكان على الملك سلمان ان يزوره في قصر الضيافة ويعقد اول اجتماع معه، لا ان يذهب العماد عون في اليوم الثاني الى الديوان الملكي لعقد اجتماع مع الملك سلمان فالعماد عون هو فخامة الرئيس وهو رئيس جمهوريتنا، وليس ضيفا عاديا وليس موظفا في الدولة اللبنانية بل هو رأس البلاد ورمز كبير للبنان وللشعب اللبناني ويمثل كرامة لبنان وشرفه وعزة نفسه. ولذلك فان رجل الدولة الرئيس ميشال عون قبِل ووافق على هذا البرنامج لكن هنالك خطأ بروتوكولياً كبيراً. واستضعاف لبنان من قبل المملكة، هو أن ينتظر عون في قصر الضيافة ثم يزور الديوان الملكي ليجتمع بالملك سلمان.
يوم كان لبنان يدرب الطيارين السعوديين على طائرات الميراج في قاعدة رياق الجوية وكان الأمير سلطان بن عبد العزيز وغيرهم يحضرون مناورات سلاح الجو اللبناني، واذا نظرت الى الصور، صور الوزراء اللبنانيين مع زملائهم السعوديين، فكأنك ترى في الوجوه استضعافاً وضعفاً لدى الوزراء حتى في طريقة كلامهم وفي طريقة جلوسهم، كأنهم في حضرة الجلالة العليا، بدل ان يكونوا مثل الأسود والنمور والرجال الرافعي الرأس، فلبنان ليس بلداً ضعيفاً الى هذا الحد لا بل هو اقوى البلدان وغيره غارق في المشاكل ونحن استطعنا ضرب الإرهاب وحطمنا الإرهاب في لبنان، وحطمناه حتى في قلب سوريا، حتى ما عجز عنه الجيش العربي السوري استطاع اللبنانيون القيام به، وحققوا انتصارات كبيرة في سوريا وحققوا انتصارا اكبر يوم هزموا إسرائيل دفاعا عن عزة العرب كلهم ودفاعا عن السعودية ودفاعا عن الخليج ودفاعا عن المغرب العربي ودفاعا عن مصر ودفاعا عن شرف العرب يوم هزم حزب الله إسرائيل واحرق دباباتهم واسقط طوافاتهم وضرب بوارجهم وألحق القتلى والأسرى في صفوفهم.
نحن بلد ليس مفلساً، ونحن بلد ليس عاجزاً، لكي يستقبلنا امير الرياض، يستقبل رئيس الدولة اللبنانية، بدلا من مجيء الملك سلمان شخصيا الى المطار. ثم ان الهبة المالية العسكرية تارة يعلنون انهم قرروا تقديمها للبنان، ثم يقررون معاقبة لبنان بمنعها عن لبنان، ثم يقول مصدر لبناني لوكالة الانباء الفرنسية ان السعودية أعادت الهبة العسكرية الى لبنان، ثم يصدر بيان في السعودية على التلفزيون السعودي يقول ان الملك سلمان اعطى التعليمات للمختصين بدراسة مسألة الهبة العسكرية، ونحن في لبنان لسنا بحاجة الى هبة عسكرية تارة يلغونها وتارة يعطونها وتارة يدرسونها، فنحن اللبنانيين قاتلنا باللحم الحي قاتلنا عن شرف العرب كله وعن شرف السعودية في جنوب لبنان وحررنا ارضنا والحقنا الهزيمة في حرب تموز باسرائيل، ونحن في وحدة وطنية كاملة، لكن المشكلة هي في طبقة سياسية فاسدة، فاذا كنا نطلب بضعة مليارات من السعودية كمساعدات وفتح باب الصادرات فالاولى بالسياسيين وهذه الطبقة الفاسدة ان توقف الفساد في لبنان فتوفر عجزاً عن الموازنة بقيمة 4 مليارات دولار كذلك انه منذ سنة 90 وحتى اليوم تم صرف اكثر من 20 مليار دولار على الكهرباء وما زال تقنين الكهرباء 12 ساعة خارج بيروت ولا ينال المواطن حصة من الكهرباء مثل بلدان افريقيا المتأخرة.
ثم ان الانترنت، يجب ان تكون سرعته 50 مرة اسرع والمشروع كله لا يكلف 100 مليون دولار، ومع ذلك لا ينفذون هذا المشروع لاحياء لبنان وجعله مثل الدول الأوروبية بـ 100 مليون دولار، فاين نحن من الصفقات في كل المشاريع التي تقام في لبنان والفضائح والتفتيش المركزي معطل ويعطله السياسيون، والمجلس الدستوري الاعلى معطل ويعطله الدستوريون وديوان المحاسبة والوزراء لا يردون عليه والتفتيش القضائي معطل وكله بسبب الطبقة السياسية الفاسدة، واذا كانوا اليوم «يشحدون» مثل «الشحادين» من السعودية باستثناء الرئيس عون الذي تصرف كرجل دولة واحترم نفسه الى اقصى الحدود فلانهم يريدون مزيدا من المال ليهدروه وليزيدوا ثرواتهم على حساب الشعب اللبناني الفقير المسكين الذي هاجر الى الخارج بسببهم بالملايين.
نحن نريد افضل علاقة مع السعودية، لكن السعودية لا تعلمنا العروبة، فنحن علمناها العروبة، والفصحى العربية نحن علمناهم إياها، وهم يتكلمون بلغة بدوية، وليست باللغة العربية الفصحى، وبالكاد نفهم عليهم اللغة العربية، وللعروبة في لبنان تراث قديم، ومئات الكتب والاف الكتب باللغة العربية أصدرها كبار رجالات النهضة العربية في ظل السلطنة العثمانية، وفي ظل حملة التتريك وحافظوا على اللغة العربية وحافظوا على عروبة لبنان وكان لبنان من مؤسسي الجامعة العربية.
ولعب لبنان دورا رائدا بين الدول العربية، واذا كانت طبقة سياسية فاسدة لم تبن الجيش ولا القدرة على مواجهة إسرائيل فما ذنب الشعب اللبناني ان يدفع ثمن اذلال الطبقة السياسية لانها لا تريد ان تقاوم إسرائيل بل تقبل ان تأتي إسرائيل الى العاصمة بيروت وتحرق عاصمتنا ويقوم البعض بارشاد الجيش الإسرائيلي الى بيوت المقاومين في بيروت ليعتقلوهم ويقتلوهم ويأسروهم.
ومع ذلك الطبقة السياسية راضية، والطبقة السياسية لا تستقوي الا بالطوائف والمذاهب، وكلهم دون استثناء ولا يعتقد احد انه يوجد سلطة اعلى من السلطة التشريعية الى رئاسة مجلس الوزراء الى الوزراء فكلهم اشتركوا في الحرب وكلهم دمروا لبنان وكلهم اداروا مذاهبهم وطوائفهم على حساب الشعب اللبناني وكلهم استوردوا السلاح وقتلوا اللبنانيين واظهروا وحشية بربرية، مثل التكفيريين، هكذا فعلوا في لبنان ثم خضعوا للوصاية السورية خضوع العبيد والازلام، وانا أقول من منطلق اني كنت دائما مع سوريا، لكن اعرف تماما ان سوريا والاقطاعيين في لبنان اسقطوني في الانتخابات 3 مرات ومنعوا عني كل شيء وعهد اميل لحود كان مليئاً بالتقارير منذ كان قائدا للجيش الى رئاسة الجمهورية 9 سنوات وطوال 18 سنة كتب تقارير عني هو وازلامه الى سوريا كلها واقفل على لبنان الباب الخارجي على عكس ما يفعل اليوم الرئيس العماد ميشال عون الادمي صاحب الاخلاق الكبيرة ورجل الدولة من الطراز الأول، ذلك انه مخلص للبنان، وله تاريخ مشرّف. ورجل المؤسسات، لكنه يعطي كثيرا لجبران باسيل وهذه نقطة ضعفه، وجبران باسيل يساير السعودية مع نادر الحريري وغيره، كأنما سعد الحريري جاء الى ميشال عون ليرشحه لرئاسة الجمهورية وهو لم يرشحه، بل اعلن دعم الترشيح لعون ولم يقل كلمة انني ارشح عون للرئاسة، كأنما السعودية جاءت بالعماد عون رئيسا، فاذا بنا نركض نحو السعودية لنشكرها على هذا الجميل الكبير. وحقيقة الامر ان العماد ميشال عون جاء بقوته وبالامر الواقع، ولأنه زعيم الأكثرية المسيحية، ولان الدكتور سمير جعجع تحالف معه، ولان حزب الله لم يرجع عن وعده وقوله بأنه يدعم عون حتى النهاية للوصول الى رئاسة الجمهورية فليس علينا ان نشكر احد، او نستعطف احد، التكفيريون والارهابيون تعرف السعودية تماما مصدرهم، وتعرف كيف نشأوا، وتعرف كيف انتشروا، وتعرف كيف تسلحوا، وصحيح ان الرئيس بشار الأسد ارتكب اخطاء كثيرة في سوريا اثناء حكمه طوال 14 سنة، الا ان المؤامرة على سوريا جاءت على الشعب اللبناني، واذا كان البعض يريد تصحيح أخطاء الأسد فليس بضرب سوريا وارسال التكفيريين اليها، وإقامة محور تركي - سعودي - قطري، نحن نذهب اليه وهو ارسل لنا التكفيريين وأول إرهابي قطري تم اعتقاله كان في فندق الحبتور واعتقله الامن العام ثم كرّمه رؤساء الحكومات بنقله الى طرابلس وإقامة المآدب له فيما هو إرهابي «شادي المولوي». والان هو فار في مخيم عين الحلوة يدير خلايا إرهابية لتفجير السيارات في لبنان، لكن الأجهزة اللبنانية قمعته واعتقلت المجموعة ومديرية المخابرات في الجيش فعلت ذلك وكان اول من اكتشفه هو اللواء عباس إبراهيم مدير عام الامن العام، ومع ذلك استطاع اللواء عباس إبراهيم إقامة علاقة مع قطر من الند للند وقالوا الحقيقة في وجههم ولذلك احترموه واقاموا معه افضل العلاقات من الند الى الند.
زيارة السعودية ناجحة، وشكرا للعماد ميشال عون، لكن فيها ثغرات ونواقص وفيها ضعف من وزرائنا ومن وفدنا، فنحن لا نذهب الى السعودية لنستعطي يكفي وقف الفساد في لبنان لكي تكون موازنة لبنان متوازنة، وغير عاجزة، والسلام عليكم.
شارل أيوب