لِمَ النفاق للمتشددين؟
أحمد الحناكي يشعر بعض الإعلاميين أو السياسيين أو غيرهم من فئات المجتمع بالحرج والخوف من نقد ظاهرة التشدد التي تغمر مجتمعنا منذ نحو أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد. المتشدد فهم لعبة التحايل على هذا المجتمع الإسلامي، وأوهم الكثيرين أن النقد موجه للإسلام ذاته، وهو ما أكسبهم نوعاً من التعاطف، خصوصاً لمن لا يجهد نفسه بالبحث والتقصي والرجوع للمعلومات من مصادرها الحقيقية. وبين الحين والآخر، تبرز أصوات هنا أو هناك مدافعة عن حقوق للإسلاميين تم إهدارها، أو مطالبة بأن تنال تمثيلاً كاملاً في أي انتخابات. والواقع أن مزاعم الإسلاميين (استخدام كلمة إسلاميين المقصود به من يطالب بدور سياسي كمسلم وليس لكونه مواطناً) مفهومة، إذ سيرغب بالمثل أقباط مصر ومسيحيو لبنان على سبيل المثال، غير أن الملامة تقع بنظري على مطالبة العلمانيين والليبراليين بذلك بدعوى العدالة، والواقع أن منحهم الحق هو تقويض للعدالة برمتها. لنقلها بكل صراحة أن كل شيء تغير بعد عام 40 من الهجرة، عندما تم اغتيال الخليفة علي بن أبي طالب، فما قبل ذلك كان حكماً مبنياً على صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونزاهتهم وإخلاصهم وإيمانهم المطلق، آخذين في الحسبان قلة السكان، فضلاً عن أن جيلهم كان بعد الجاهلية مباشرة. العصر الحالي مختلف جذرياً ولا تجب مقارنته بالعصور الأولى بأية حال من الأحوال، وعليه فلا بديل عن حكم المؤسسات المدنية التي لا تقبل قطعاً بمشاركة آيديولوجيات وبالذات الديني منها، ومن يقلق من ممارسة حريته الدينية فعليه ألا يفعل، فحرية الأديان في البلاد العلمانية الديموقراطية أكثر منها في نظيرتها الإسلامية. الفصل بين الدين والدولة من شأنه ألا يوقع فوضى من المحرمات التي تعطل المسيرة التنموية لأي بلد ينشد تقدماً وازدهاراً وعمراناً لأنها لا تستطيع أن تنشئ مصرفاً وأنت تمنع الفوائد، ولا تستطيع أن تقدم تأميناً صحياً وأنت تحرم التأمين، ولا تستطيع أن تقيم مستشفيات وأنت تمنع الاختلاط، ولا تستطيع أن تستقدم عمالة وأنت ترفض ديانتهم، ولا تستطيع أن تنمي فكر أطفالك على الاختراع والابتكار وأنت تكبلهم بجيش من الممنوعات، ولا تستطيع أن تحمي أختك أو ابنتك من تحامل زوجها بينما هو يتشدق بمفهوم خاطئ للدين عن القوامة، في المقابل يجب ألا نظلم المسلمين ومن ينساق وراء ادعاءات الإسلاميين، فهم يعتقدون أن فصل الدين عن الدولة يعني محاربة الدين، وهو جهل فاضح بالعلمانية. انظروا إلى رئيس الوزراء الكندي وهو يبكي متأثراً من اللحظة العاطفية التي كانت عليها العائلة السورية وهم من اللاجئين الذين استضافتهم وقبلتهم الدولة الكندية من دون أن تسألهم عن ديانتهم، فالكنديون يعرفون أنهم دولة مؤسسات دستورية وقانون، ومن أتى مهما كانت توجهاته لن يستطيع أن يخدش كل هذه الأنظمة. المواطن، أي مواطن في أية دولة، لن يشعر بالرضا وهو يعتقد أن الحزب الذي يحكم لن يمنحه حقوقاً لسبب ديني. والمرأة، أي امرأة، لن تشعر بالرضا ومن يحكمها يرى أنها لا تستطيع أن تدير نفسها من دون قرار منه، ناهيك عن أن المرأة بحد ذاتها وبحقوقها ومطالبها وكيفية التعامل معها أحد أكبر المصاعب التي تواجه الإسلاميين عند تذمرهم من عدم منحهم الحق بالانتخابات. المؤكد أن نظرة عابرة لكل الدول التي تنتهج سلطة دينية تتناقض مع نفسها في التطبيق الكامل كونها لا تستطيع ذلك، فالتطبيق الحرفي سيقود إلى القطيعة مع العالم الآخر، ولا أحد يريد ذلك، وأقولها صراحة لننقدهم ولا نبالي فالوطن أهم من أوهامهم.