الانهيار الخليجي الكبير.. من هنا يبدأ إنفراط الحبة الأولى للعقد!
عبدالكريم المدي
أتذكر أنني سمعتُ قبل عدة سنوات حديثاً مهمّا للمفكر الإسلامي الكويتي/ الدكتور/عبدالله النفيسي،تحدث فيه عن إمكانية كبيرة في حدوث عملية إنهيارشامل للدول والكيانات العربية في الجزيرة والخليج والشام وإختفائها من الخارطة بالوضعية التي نعرفها، ولن يبقى هناك إلا اليمن وعمان ونجد والحجاز، والعراق وسوريا اللذان ربما يُقسمان.
كان النفيسي حينها يُحذرالمنظومة الخليجية على وجه التحديد من العواقب الوخيمة للتراخي وعدم مواجهة التحديات الوجودية المحدقة بدوله ،والتي تستدعي سرعة إقامة تكتل عربي خليجي حقيقي يضم معه اليمن.
مرت السنوات وهاهي بالفعل ،المنطقة من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن وليبيا تعيش حروبا وحالات تفكك غير مسبوقة، وليس ذلك فحسب ، بل أن الدول التي كانت معنية أكثر من غيرها بالدفاع عن مشروع الدول والكيانات العربية ( السعودية وبعض دول الخليج ) متورطة بدرجة رئيسة في إذكاء الصراعات والمساهمة بقوة في تفتيت المفتت الذي لا يستبعد أبدا تعرضها لنفس المصير،ولعل القانون الأميركي ( senate) الخاص بمقاضاة الدول الراعية والممولة للإرهاب،أوضح دليل على ذلك وعلى حقيقة إكتمال حلقات مسلسل السقوط العربي الخليجي الكبير.
ولكم هنا أن تعودوا إلى الوراء لمدة أسبوعين أو أكثر بقليل وتتأملوا فقط في خفايا وأبعاد تصريح النائب السابق لرئيس وحدة الخليج فيالاستخبارات الأميركية (بروس ريدر) الذي حذّر صراحة من إمكانية سقوط النظام السعودي وتفكك الدولة في أي لحظة..
لا أتشفى مطلقا بما يحدث أوأبتهج بما سيحدث مستقبلا ، ولا أريد أي مصير وسيناريو من هذا أن يحدث ،سواء كان للسعودية أو لغيرها،لكني كمواطن عربي بقدرما أعاتب المعنيين بحدوث كل هذه الكوارث ،بقدرما يؤسفني كثيرا أن يتشظّى المشظّى ويتفكك المفكك على أيدي أبنائه بصورة أشد وأسوأ ، قد تأخذ هذه المرة شكلا آخرا من أشكال التفكك الذي يُعدُّ الأخطر،إنه التفكك الاجتماعي، الطائفي.
ومع كل هذه الجنائزية التي تعنون المشهد وواقع المنطقة نجد أنظمة لدول كبيرة ومهمة كالنظام السعودي تُمعن في مواجهة ما يجري والتعامل معه بمزيد من الحروب هنا وهناك وبمزيد من التعالي والمكابرة واختلاق الإنتصارات العدمية المدوية على مذابح الفقراء والغلابى في مختلف الجبهات ومن يريد أن يقف على شيء من ذلك ما عليه إلا أن يتابع الإعلام الخليجي ، وفي تقديري الشخصي أن هذه السياسة تقودنا للرجوع بالذاكرة إلى الخلف لمحطتين معينتين ومن ثم عقد مقارنة سريعة وواقعية، وتحديدا إلى العامين (1945)،و(2003) ففي الوقت الذي كانت فيه قوات الحلفاء في العام (1945) تطرق أبواب برلين وتقترب من مخبأ الزعيم النازي ( أدولف هتلر) كانت آلة الدعاية الإعلامية بقيادة (جوبلز ) تخترع الإنتصارات الأسطورية الساحقة لقوات النازية في أوروبا وأفريقيا والأطلسي وما هي إلا أيام وأصبحت ألمانيا هتلر في خبر (كان ) .
أما في العام (2003) فقد كان أستاذ الدعاية والخطابة الأول محمد سعيد الصحاف يحاول اقناع العراقيين والعرب والعالم أجمع إن القوات العراقية هي المنتصرة في كل الجبهات وقد ربما تزحف بإتجاه واشنطن العاصمة،بينما الواقع كان يقول مع آخر خطاب ناري له، أن قوات المارينز ومشاة البحرية الأميركية والقوات الملكية البريطانية تسيطر عمليا على مطار بغداد وأحياء المنصور والكرادة والداودي وبوابات قصور صدام.
والحال نفسه اليوم مع الأشقاء في الخليج الذين سلموا جنوب اليمن للفوضى والإرهاب ويقولون إنهم استعادوه لأحضان العرب والدولة ، يمعنون في تمزيق البلد ، ويخسرون كل معاركهم في مأرب والجوف وتعز ونجران وجيزان وعسير، وغير بعيد سوريا القصة والمخرج نفسه.
وبتعبير آخر يقدمون خدمات جليلة للإستراتيجية الأميركية/ الغربية حيال الدول العربية والخليجية في مقدمتها، ويستعجلون الأحداث وييهيأون كل الشروط والمناخات من أجل تحقيق سقوط كلي لن يستثني أحدا.
وبدلا من أن يعمل المتسببون بجلب كل هذه الكوارث بقوله تعالى ( خذوا حذركم ) أو بمبدأ ( رحم الله أمرء مسلم عرف قدر نفسه ) نجدهم يميلون كل الميل للمكابرة.
بمعنى ، حبال المشنقة تلتف حول أعناقهم ، وهم ينكرون الواقع ،ولا يريدون أن يعترفوا أن أميركا تضحك عليهم مثلما ضحكت من قبل على الشهيد صدام حسين واقحمته في ثمان سنوات حرب مجنونة مع إيران وكانت خلالها تدعم الطرفين ومن بعدها ادخلته في كارثة جديدة ( غزو الكويت).
مشكلتنا الرئيسة في هذه المنطقة إننا لا نحاول قراءة التاريخ بوعي ولا نحاول أيضا، أن نستفيد من التجارب.
ولنا أن نأخذ أمثلة على ذلك: هل يعلم الإخوة في السعودية والخليج أن الأميركان والغرب مثلما ينصبون لنا الأفخاخ ويوقعون بنا بلدا تلو الآخر، فإنهم في نفس الوقت يميزن جيدا بين من يستحق إحترامهم ومن لا يستحقه،وكم هي عدد المرات التي سمعنا فيها مسؤلين وكتاب غربين يؤكدون إحترامهم لزعماء عرب قتلوا بعضهم وتآمروا على بعضهم الآخر أمثال صدام حسين وجمال عبدالناصر وعلي عبدالله صالح ، وهواري بو مدين وياسر عرفات والحبيب بورقيبه وأحمد بن بلّه والقذافي وغيرهم ؟
وهل يعلم الأشقاء إن الأميركان اليوم يحترمون علي عبدالله صالح ربما أكثر من أي وقت مضى ،ويمكن أن يبنوا معه ومع عبدالملك الحوثي إتفاقات معينة وقد لا يعملون ذلك أو يتعاونون مع السعودية أبدا ،وهل يتذكر عرب الخليج- أيضا- المقولة الشهيرة لخصم اليوم/ صديق الأمس/ الرئيس/ علي عبدالله صالح :( نحلق رؤسنا قبل أن يحلق لنا الآخرون )؟
لانذيع سرا حينما نقول إن التاريخ يا قوم لا يرحم أحدا .. توقعوا وربما في القريب أنه مثلما أنتم اليوم تشرفون على تمزيق اليمن والقيام بعمليات وجرائم تطهير عرقي بحق اليمنيين المتواجدين في محافظات وطنهم الجنوبية ، قد نشاهد هذا يحدث – لا سمح الله – بحق السعودين من أبناء نجد الذين يتواجدون مثلا في الحجازوالعكس، وبحق السعودين من أبناء القطيف والشرقية المتواجدين في الرياض والقصيم ،وبحق الإماراتين من أبناء الشارقة الذين يتواجدون في أبوظبي ودبي وهكذ.
صدقوني إن التاريخ يعيد نفسه في أكثرمن مكان وعلى حين غرة، وكل المعنيين يتفرجون ولا يحسون بواطانهم وثوابتهم وأمنهم تنهار وتتآكل وتتسرب من بين أصابعهم،ولشدة غرور البعض وركونهم الزائف على الأوهام تجدهم يشاركون في مهرجانات حتفهم ونفيهم والتآمر عليهم .
الخلاصة :هل بالإمكان أن السعوديين والإيرانيين والإماراتين وغيرهم يعترفون بإن الأوهام والإعتراضات الجاهزة ومعها كل الفتاوى والخطابات والأطروحات والغيبيات التي لا شأن لها بواقعنا ومصالحنا ، ليست أكثر من رهانات اثبتت الأيام أنها خاسرة ومضرة بالجميع.
حقيقة:
(أي صراعات مباشرة وبالوكالة من أجل النفوذ وبغطاء أيديولوجي متخفّي لا يمكن لها أن تبني الأوطان أو تكتسب أبعادا ومعاني أخلاقية شريفة).