عن مقابر السعودية و صفاء الأحمد لنتحدث قليلا
أحمد الحباسى
المتابع للشأن السعودي يدرك أن النظام قد فعل كل شيء ليقمع حرية التعبير ،ففي حين تحاول كل شعوب المنطقة العربية التحرر من كبت الاستبداد و قيود الديكتاتوريات العميلة للصهيونية و تبحث عن الطرق الكفيلة بتحقيق إصلاحات و حكم أفضل نجد أن النظام السعودي يزيد من إحكام سيطرته الدموية التسلطية متخذا من القمع الممنهج و التعذيب المتواصل طريقا لوئد الطموحات الشعبية الخجولة التي ينادى بها بعض المتظاهرين ، و لا شك أن النظام قد أحكم الطوق حول المطالب الشعبية و عتم عليها مستعملا كهنوته المتمثل في المؤسسة الدينية الفاسدة و بعض الأقلام التي جاء ذكرها في كشف الكتاب العرب الأكثر خدمة للمشروع الصهيوني مثل طارق الحميد أو عبد الوهاب بدرخان أو صالح القلاب ، طبعا ، حين تخرج المؤسسة الدينية السعودية بما لها من نفوذ أدبي و معنوي لتنتقد المتظاهرين و تعلن أن من يقوم بها هو آثم معارض للملك شخصيا فلا شك أن قضاء الملك الفاسد سيكون مجبرا على تنزيل أقسى العقوبات حتى يرتدع الشعب و يتضاءل منسوب الغضب الشعبي بمفعول عامل الترهيب و الخوف .
لعل عنوان فيلم المخرجة السعودية ” لا منطقة وسطى للمعارضة السلمية ” يعطى كثيرا من الأجوبة و يلقى الضوء على كثير من الأمور الملتبسة حول علاقة النظام الدموي السعودي بالمعارضة السلمية ، فالنظام لم يترك منطقة وسطى للحوار البناء بين القصر و الشعب بل على العكس حرك دائما آلته القمعية التعسفية لتكون واجهته الوحيدة التي يتحدث من خلالها للشعب ، و لعل الذين تحدثوا عن وجود عناصر من المخابرات الصهيونية داخل أقبية التعذيب قد تفطنوا أخيرا إلى أن العلاقة الآثمة بين النظام و الصهيونية ليست مسألة عفوية بل أن هناك عملية تشابك مصالح زادت ثورات الشعوب العربية فيما يسمى ببلدان الربيع العربي أهمية لان النظام قد أدرك بالنتيجة أن رياح التغيير قد وصلت إلى ربوع الحجاز و بقية دول الخليج العميلة للأمريكان بحيث لا مناص من البحث عن قواسم مشتركة بين الأنظمة الخليجية و بين الصهيونية العالمية الممثلة في الكيان الصهيوني ، على الأقل هذا ما كشفته التسريبات الإعلامية الأخيرة المتعلقة بالمبعوثين السعوديين إلى إسرائيل و ما عبرت عنه عديد القيادات الصهيونية من تناغم بين السياسة السعودية و المشروع الصهيوني الرامي إلى تفتيت المنطقة العربية و من بين هذه القيادات بنيامين نتانياهو.
يتحدث فيلم المخرجة صفاء الأحمد عن حالة الغضب الشعبي في السعودية ، عن مظاهرات سنة 2011 التي دامت ثلاثة سنوات كاملة ، عن مطالب الشعب السعودي التي قابلها النظام بفوهة البنادق و بالقمع و بالتعذيب و بالأحكام القاسية ، طبعا تعرض الفيلم لكل الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الحرية و الديمقراطية المسلوبة ، عن الشعارات المرفوعة و عن الرصاص و عن المعاناة لينتهي الفيلم بمشهد المقابر الذي دفنت فيه جثث الشهداء ، ليتساءل المتابعون هل دفنت آمال الشعب السعودي من دون رجعة في هذه المقابر و هل كان هؤلاء الشهداء الأبرار هم آخر الرجال المحترمين الذين واجهوا غطرسة السلطة السعودية الفاسدة ، هل انتهت ملحمة الشعب السعودي و نجح النظام في إنهاء المطالب الشعبية المحقة ، هل تحقق الانتصار للمخابرات الصهيونية السعودية بإخماد هذه الثورة المباركة في المهد ، ما هي عناوين المرحلة القادمة ، كيف يمكن القضاء على هذا النظام العميل و كيف يمكن ضخ جرعات الأمل لصدور هذا الشعب المنهك المغلوب على أمره المنقسم حول مواجهة النظام أو محاورته ، هذه بعض الأسئلة التي طفت على الساحة السعودية و جلبت انتباه المتابعين .
لعل ما يثير الصدمة هو موقف الصمت الدولي المنافق الذي تتخذه كثير من الدول الغربية و المنظمات الدولية مع أنها تقيم الدنيا و لا تقعدها للحديث عما يحدث في بقية الدول العربية ، و إذا لم يترك النظام بصيص أمل للمعارضة لتطرح مطالبها بصورة سلمية فان المجتمع الدول قد قتل صمته المريب هذه المعارضة و زاد من مشاكلها مع النظام ، طبعا ، هناك ما “يبرر” هذا الصمت الدولي القذر و هي لغة المصالح الدولية و السعودية هي ركن من الأركان المهمة الحيوية في الإستراتيجية الاقتصادية الدولية و من أجل ذلك يتم التعتيم على المظاهرات الشعبية و يتم حماية النظام بكل الطرق حتى لا ينهار و تنهار معه المصالح الغربية ، هذا الموقف الغربي له سوابق في عدة دول تخلى فيها المجتمع الدولي عن قيمه و مواقفه المبدئية ، فقد صمت العالم عن المذابح في عدة دول افريقية مثل الزايير و تشاد و الكونغو و جنوب إفريقيا من اجل ضمان مصالحه ، و لعل الذين ينتظرون من العالم الحر أن يقف إلى جانبهم يحلمون بدون مبرر لان مطالب الشعوب لا تتحقق بالأحلام بل بالصمود و الإرادة حتى لا تبقى المقابر مجرد شاهد على لحظة لن تتكرر .
بانوراما الشرق الأوسط