كتاب 11 تعيين السبهان سفيراً في إيران
طراد بن سعيد العمري
تغريدات السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان حول ما يجري في العراق، من ناحية، وإعتبار الحكومة العراقية أن ذلك تدخل في الشؤون الداخلية وطلبها إستبداله، من ناحية أخرى، يعتبر دليل واضح على هشاشة العلاقات بين دولتين جارتين هي السعودية والعراق. وصورة صادقة لما آلِ إليه المشهد الجيوسياسي والدبلوماسي في المنطقة. تأزم العلاقات بين السعودية وإيران ظهر بكل جلاء مؤخراً بشكل محتدم في العراق التي باتت ساحة لتصفية الحسابات على عدة جبهات بين السعودية وإيران. العلاقات الدبلوماسية التي تتأزم بسبب تغريدة هي علاقات هشة ومريضة، ونتمنى أن تدرك السعودية أن علاقاتها الدبلوماسية مع العراق وسوريا ولبنان، وحتى إيران هي أكبر من أي تجاوزات دبلوماسية مهما كان السبب الذي يقف خلف كل تلك التجاوزات.
يشعر المراقب السياسي المحايد والمستقل أن السياسة السعودية لم تنجح في لبنان أو سوريا أو اليمن، بسبب تعامل السعودية مع تلك الدول من خلال: (1) إستعداء وشيطنة إيران؛ (2) إظهار حرص قومي عروبي على تلك الدول. الرسالة السعودية لإيران التي أطلقها السفير السبهان، وصلت وجلجل صداها في كل أنحاء العالم، ويمكن للسعودية اليوم رأب الصدع حتى لو تم إستبدال السفير، فالموقف السعودي لن يتغير بتغير السفير. الحرص السعودي على عروبة العراق، أو أي بلد عربي، لا يكون بإظهار مقدار سوء النوايا الإيرانية، بل بإثبات حسن النوايا السعودية. تعرف إيران حق المعرفة أن الشعور القومي العربي في دول مثل لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن أعمق بكثير من إمكانية تذويبه، لكنها تستخدم أساليب تعرف أنها ستستفز السعودية مما يؤدي إلى إتخاذ السعودية مواقف محرجة.
إذا كانت السعودية تتهم إيران بمحاولة الهيمنة على دول عربية في اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان فإن الإنسحاب الدبلوماسي السعودي من تلك الدول هو بمثابة الإستسلام لتلك المحاولات والهيمنة. وجود سفارات فاعلة في تلك الدول، وسفراء يتسلحون بالحكمة والقدرة على قراءة الموقف الإستراتيجي بكل دقة، هو أمر مطلوب وبالغ الأهمية. إذا كانت إيران تمكنت في غفلة من العرب أن تقترب أكثر من المكونات الشعبية والسياسية في الدول العربية الآنفة الذكر، فإن الملامة تقع على الدول العربية الفاعلة ومنها السعودية. أما التحجج بالقومية العربية فلا يكفي مطلقاً لإقناع أو إجبار حكومات بعض الدول العربية للتخلص من إيران أو التقرب من السعودية. كما أن الإنتماء الطائفي الذي ظهر على السطح مؤخراً لن يزيد الأمر إلا فتنة وسوءاً وكراهية على المدى البعيد.
لعبت إيران على وتر القومية العربية لإستفزاز السعودية ونخشى أنها نجحت، حتى أمسى التحوّل إلى حضن إيران تهديداً يمارسه بعض الساسة لإبتزاز أو إستفزاز السعودية. هذا علي عبدالله صالح في خطابه الأخير يمد يده للشقيقة “الكبرى” السعودية، بينما يلوح بيده الأخرى لإيران في رسالة تهديد للسعودية، خصوصاً بعد ما نجح في التحالف مع الحوثيين للعودة للسلطة عبر تخويف السعودية من “البعبع” الإيراني. لا أحد ينكر رغبة إيران في مد نفوذها وتوسيع مجالها الحيوي في الفضاء العربي مثلها مثل تركيا وروسيا والولايات المتحدة. كما أن لا أحد ينكر على السعودية أن تقوم بمثل ما تقوم به إيران وأكثر في أي مكان في العالم، وخصوصا مع الدول العربية الشقيقة التي تملك السعودية معها ميزة تنافسية نسبة لإيران. ونجزم بأن ذلك ميسور لولا محاولات بعض القوى العظمى لتأجيج الصراع السعودي الإيراني بحجج قومية وطائفية.
لا يمكن إقناع الدول والحكومات والشعوب العربية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان بإستعداء وإستبعاد إيران لأنها دولة أجنبية وغير عربية في ظل ثلاثة عوامل: (1) فشل القومية العربية والعرب جميعاً في الوحدة والتعامل مع القضايا المشتركة والنهوض بشعوبهم من التخلف على مدى أكثر من نصف قرن؛ (2) التواجد الأجنبي المباشر للقوى العظمى: الولايات المتحدة، وروسيا الإتحادية، ويريطانيا، وفرنسا، في الدول العربية، وحتى النفوذ التركي من بوابة الإسلام السني؛ (3) ثورة الشعوب العربية على أنظمتها وحكوماتها في “الربيع العربي” نتيجة الإحباط مما جعل الشعوب في موقع الحصان بدلاً من العربة. ولذا قرأت إيران الموقف على الساحة العربية جيداً وتعاملت على أساس المعطيات والعوامل الواقعية على أرض الوطن العربي. في المقابل، يأتي الدور السعودي متأخراً ووحيداً لكي يقف في وجه الطوفان.
يمر العراق بمحنة سياسية وديموغرافية وثقافية بعد الإحتلال الأمريكي في العام 2003 وبعد خروج الولايات المتحدة وترك العراق فريسة للتقسيم والإرهاب والفتن الطائفية. ولذا فإن وقفة السعودية مع شقيقتها العراق أكبر وأقوى من حجج: قاسم سليماني، وداعش، والحشد الشعبي، وتدخلات إيران. فالسعودية تحاول إحراج وإخراج إيران من منظومة الخليج والشرق الأوسط عبر مجلس التعاون، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وبالتالي شيطنتها وعزلها. كما تحاول إيران إحراج وإخراج السعودية من محيطها الخليجي والإقليمي والتغلغل في عواصم القومية العربية وتهميش الدور السعودي. لكن تبقى الحقيقة المرة، أنه لن تستطيع السعودية عزل إيران، كما لن تستطيع إيران تهميش السعودية.
أخيراً، “لابد مما ليس منه بد”، كما يقول المثل. ستضطر السعودية وإيران أن يجلسا على طاولة واحدة مهما طال الزمن. الفرق بين العاجل والآجل في الجلوس سوياً هو: (1) مقدار الخراب والدمار الذي يلحق بالأطراف الأخرى في لبنان وسوريا والعراق واليمن؛ (2) الإستنزاف الكبير لجهد وموارد الدولتين؛ (3) درجة الحقد والكراهية التي ستورثها هذه الخلافات في شعوب الدول ذات العلاقة. ختاماً، كان حري بالحكومة العراقية إذا كانت حريصة على العلاقات مع السعودية، أن تكتفي بإستدعاء السفير السعودي الى الخارجية العراقية وتسليمه مذكرة إحتجاج، إن تطلب الأمر، كما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية. أما السعودية فحري بها أن لا تفقد العراق، وأن تعمل على عودة العلاقات بأي ثمن حتى لو أدى بها الأمر إلى إستبدال السبهان وتعيينه في إيران. حفظ الله الوطن.