وقال الرسول: لا أخاف على أمّتي من اليهود…

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3445
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أحمد الشرقاوي
خلال انطلاق ما يسمى بـ”الربيع العربي”، تداول بعض الشباب على موقع “فيسبوك” كاريكاتير يُجسّد المشهد المُضحك – المُبكي التالي: (سأل إعلامي أمريكي أحد المسؤولين الخليجيين خلال زيارته لواشنطن: ماذا تعني لك كلمة “فلسطيــن”؟.. فأجابه: هي كلمة شعبية مشهورة في “إسرائيل”).
منذ عقود والمواطن العربي يتساءل بغباء، كيف انتصرت شرذمة من اليهود المجرمين في فلسطين المحتلة، لا يتجاوز عديدها 5 مليون صهيوني من شداد الآفاق على أمة محمد التي يقدر عديدها بأكثر من مليار وربع من المسلمين؟.. وكيف نجح هذا الكيان المصطنع الجبان في هزيمة الجيوش العربية مجتمعة في حرب أكتوبر 67 التي تحولت إلى نكسة تنضاف إلى نكبة 48؟..
لا أحد كان يملك الجواب من المثقفين العرب الذين انقسموا إلى فسطاطين بتعبير شيخ الإرهاب الدولي بن لادن.. فسطاط العلمانيين، وفسطاط الإسلامويين.. لكن المفارقة أن لا أحد من الفريقين اللذان كانا يحرّضان الجموع طالبهم برفع شعار تحرير فلسطين.. فغابت قدس الأقداس وقبلة المسلمين لأول مرة عن اهتمام الشارع العربي، لأن العلماني كما الإسلاموي كانا يراهنان على دعم الغرب له في تولي السلطة لقيادة القطيع..
ولأن الشعوب الجائعة كانت تطالب بالكرامة التي تعني بمنطق البطالة وانسداد الأفق: الوظيفة من أجل أكل العيش، والزواج لممارسة الجنس، والسيارة للانتقال من الطبقة السفلى إلى الطبقة الوسطى ولو بالمظهر.. وهو ما جعل باحثا أمريكيا يرفع تقريرا لبلاده يقول: إن العرب أغبياء بلا رؤية، تسألهم عن الحلم فيحدثونك عن الحقوق، إنهم حقا كالدواب يعيشون ليأكلون ويتناكحون، ومن السهولة ركوبهم وتوجيههم الوجهة التي تعيدهم إلى الحضيرة من جديد.. وهذا ما حدث بالنتيجة.
الإسلامويون كما العلمانيون يقاربون الحالة العربية من مدخل الإديولوجيا، الدينية بالنسبة للفريق الأول، والقومية بالنسبة للفريق الثاني.. لأن الإديولوجيا هي الإسمنت الذي يمكن بواسطته بناء قاعدة شعبية عريضة مناصرة لأطروحاتهم الديماغوجية، وتحويلها إلى قنطرة للعبور نحو السلطة.. وبقدر ما كان تأثير هذا الفريق أو ذاك على الرأي العام بقدر ما زاد من حظوظه في الوصول إلى الحكم من بوابة الديمقراطية، ومن ثم الانقلاب عليها بحجة أن الشعوب جاهلة وقاصرة لا تستطيع حكم نفسها بنفسها ولنفسها، ما يستوجب فرض الوصاية عليها للتصرف بإرادتها والتحكم بمصيرها ومستقبل عيالها، ولنا في ما حدث في مصر المثال الواضح على ذلك.
*** / ***
ثقافة الاستبداد هذه عرفها العرب قبل أن يكتشف مكيافيلي نظريته الشهيرة التي تقول بأن “الغاية تبرر الوسيلة”، ومارسها كل السلاطين والزعماء قديما وحديثا، فطارت رؤوس وسالت الدماء أنهارا لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما قال الخليفة الثالث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
واستمرت هذه النظرية حتى في العصر الحديث برغم انفتاح العرب على ثقافة الأنوار في المدارس وثقافة العولمة في الفضاء السيبراني، وذلك من خلال مقولة “الزعيم” بالنسبة للعلماني الذي لا يجد ما يستحضره في مواجهة الإسلامي غير نموذج جمال عبد الناصر الذي كان تجربة فريدة لكنها خاصة جدا وشخصية جدا، أو مقولة الأمير العادل والقائد المحرر بالنسبة للإسلاموي الذي لا يجد ما يستحضره من ثقافة القبور غير تجربة عمر في العدل وتجربة صلاح الدين في تحرير فلسطين، والتجربتان معا اكتسيتا الطابع الشخصاني أيضا، لا الطابع المؤسساتي المنظم الذي يمكن أن يستمر كتجربة جماعية تقيم على أساسها الأمة نهضتها بغض النظر عن الأشخاص الذاتيين الذين هم بالنهاية فاعلون عابرون، في ما المؤسسات تستمر وتتطور بالممارسة الديموقراطية الحقيقية لا ديموقراطية الواجهة، ولهذا، كل من يقول أن القرآن أو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ترك للأمة نموذجا إسلاميا راقيا في الحكم لا يفقه لا في الدين ولا في السياسة.
بدليل أن العلماني كما الإسلاموي لم يقدموا للأمة نموذجا مؤسساتيا صالحا، وها هم العرب لا يزالون يعيشون حاضرهم مسحورين في حالة انتظار لا تنتهي، ولا يعرفون كيف السبيل للخروج من هذا الوضع الجامد من دون أن يرحمهم الله فيبعث لهم منقذا من قبره، تماما كما كان الهنود قديما ينتظرون في محطة القطار عودة غودو.. لكن غودو لم يعد، فانصرف الناس لتدبير حالهم، فبنوا أعظم ديمقراطية في آسيا برغم الفقر ورغم اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد وتعدد الطوائف والمذاهب والملل والنحل واللغات (في الهند هناك أكثر من 8 ألف لهجة)، فتحولت الهند إلى قوة نووية وتكنولوجية ونمر اقتصادي صاعد بخطى بطيئة لكنها ثابتة، بعد أن أدركت أن لا طائل من انتظار غودو لأن التغيير قرار يُتخذ من قبل الناس في الحاضر وعليه يُبنى المستقبل.
ولنا في الثورة الإيرانية أيضا المثال الحي الناصع، لكنه أنموذج حرصت الصهيونية العربية على تشويهه لطمسه وتخويف الناس منه باسم الإديولوجيا القومية حينا والدينية أحيانا، فتحولت إيران المسلمة بقرة قادر إلى عدو و”إسرائيل” المجرمة إلى حليف وصديق.
ومهما يكن رأينا في الربيع العربي، فقد ترك لنا كنزا من المعلومات القيمة التي لا يبدو أننا استفدنا منها بقدر ما تفرغت لها مراكز الدراسات الدولية التي أصبحت تعرف العرب وتفهم عقليتهم وطريقة تفكيرهم أكثر من العرب أنفسهم.. لذلك، لم يكن صعبا على الولايات المتحدة ركوب ثورات الشعوب وتسويق النموذج الإسلاموي الإخونجي كنموذج سياسي بديل للأنظمة السلطوية الفاسدة والمستبدة التي كانت ولا تزال جاثمة على صدر الأمة كالقدر الذي لا راد له، خصوصا بعد أن أدركت أن العربي والمسلم يعيش في الحاضر أسير الماضي، ويفكر بطريقة مقلوبة ليعيد إنتاج تجربة طوباوية من الأزمنة الغابرة رسخت في ذهنه فحجبت عنه رؤية المستقبل..
وقد رأينا كيف صوّت الناس للإسلامويين المنافقين الذي رفعوا شعار “الإسلام هو الحل” من دون أن تدرك الشعوب أن هذا الشعار بقدر ما يعني كل شيئ فإنه لا يعني أي شيئ على الإطلاق، لأن العبرة في قابلية الشعار للتطبيق لا في القدرة على التسويق.
ومرة أخرى تبين أن الشعوب تجهل تاريخها لأنها لم تقرأه، ومن قرأه قرأه في نسخته المزورة التي حوّلت الجرائم إلى بطولات والغزوات من أجل الغنائم إلى فتوحات، والذين وعدوا الناس بنظام إسلامي على هدي النبوة هم صنيعة الاستعمار عملوا على الترويج للإسلام الأمريكي على الطريقة التركية، ورأيناهم كيف كانوا يأتمرون بأوامر واشنطن، وكيف أنهم ذبحوا الشعوب وخربوا الأوطان ومزقوا لحمة الأمة في سبيل السلطة خدمة لأمريكا و”إسرائيل”.
*** / ***
يقول التاريخ أن الأندلس سقطت بسبب الفساد والاستبداد فبكاها من لم يستطع الدفاع عنها كالرجال، وسقطت آخر “خلافة” عثمانية لنفس الأسباب فتكالب العربان مع الاستعمار لهدم الهيكل، ثم سقطت فلسطين أيضا بحكم نفس القانون الإلهي الذي لا يرحم وليس بسبب قوة بريطانيا أو شجاعة اليهود، ورأينا كيف أن من وهب فلسطين لليهود المساكين هو من لا يزال يعبث في جسد الأمة خرابا من موقع الحرص على العروبة والإسلام..
وها هو ‘شبتاي شبيط’ رئيس الموساد السابق يحذر هذا الأسبوع الإسرائيليين من أن الكارثة ستأتي من الرياض، لأنه منذ 100 سنة و”السعودية” تقوم بخيانة الفلسطينيين، وأن ‘آل سعود’ يتصرفون اليوم مع محمود عباس بنفس الطريقة المهينة التي كان يتصرف بها مبارك مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، فيستحضر اتفاق القاهرة سنة 1994 وكيف أن عرفات تردّد في التوقيع فنهره مبارك بالقول “وقـع يا كلب”.. ويصل إلى خلاصة مفادها، أن سر صمود “النتن ياهو” في الحكم يكمن في أنه لا يواجه شيئ اسمه “المشكلة الفلسطينية” التي لم تعد قائمة إلا ككلمة شعبية مشهورة في “إسرائيل” كما قال المسؤول الخليجي للإعلامي الأمريكي، ما دامت “السعودية” والأنظمة العربية الصديقة لـ”إسرائيل” تقوم بالواجب وأكثر لتصفية القضية، لذلك فـ’نتنياهو’ لا يحتاج لوضع أي خطة لمواجهة الفلسطينيين، لا في الداخل ولا في الشتات، وبذلك وجد متسعا من الوقت ليتفرغ لإيران وسورية وحزب الله.
وقد رأينا كيف بدأت “السعودية” تخرج علاقتها مع الكيان الصهيوني المجرم من السرّ إلى العلن وتتسابق الأنظمة العربية العميلة إلى التطبيع لنيل رضى واشنطن مخافة أن تقتلعها أمريكا من عروشها بربيع ملون تحوّله سريعا إلى حرب أهلية كما حدث في ليبيا وسورية ويحدث في اليمن بفضل طابور الإخونج والتكفيريين الوهابيين الذي تتحكم فيهم ككراكيز خشبية في مسرح الظل.
حتى حماس الجناح السياسي انخرط في المؤامرة وتنكر لمن يدعم المقاومة وتحالف مع من يشعل الفتن ويدبر الدسائس والمؤامرات لتصفية القضية، ورأينا كيف انقلب العميل خالد مشعل على سورية التي آوته ودعمته لسنين طويلة، وكيف غير بعض المرتزقة من الفلسطينيين البوصلة فاستبدلوا الجهاد ضد اليهود في فلسطين بالجهاد ضد إخوانهم السوريين، وسمعنا كيف تخلى زعيم حماس اللقيط عن فلسطين التاريخية وأعلن استعداده الاعتراف بـ”إسرائيل” شريطة الانسحاب إلى حدود 67، ورأينا كيف أن حماس برّأت النظام الوهابي من زيارة الجنرال أنور عشقي إلى الأراضي المحتلة..
ولا نريد الحديث عن دور محمود عباس الذي تحول إلى مجرد شرطي وضيع في خدمة “إسرائيل”، كل همه ينحصر في حرصه على أمن اليهود ورضى ‘آل سعود’، يمارس الفساد والعهر السياسي كما يشاء شريطة أن يمنع قيام أية انتفاضة أو مقاومة في الضفة الغربية ضد اليهود، وأن يجهض أية محاولة جدية لجمع الفصائل الفلسطينية على كلمة سواء، ولا بأس من أن يلتقي بالمنافقة رجوي من منظمة خلق في باريس للتآمر على إيران التي تهدد “إسرائيل” بالزوال لأن ذلك يعتبر دعما للمقاومة الشعبية ضد إيران الرافضية، ما دامت فلسطين لم تعد هي القضية بعد أن أصبحت يهودية.
وبعد ذلك، لا بأس في أن يستنكر محمود عباس تهويد القدس وبناء المستوطنات ويهدد بمقاضاة الكيان على جرائمه في محكمة العدل ما دام هذا النوع من الكلام ينطلي على المغفلين ويدعم شعبيته في البقاء، وما دام في الجوهر يعتبر ما تقوم به الفصائل الجهادية في غزة ضد الاحتلال إرهابا مدانا، لأن الشعب اليهودي شعب مسالم يحب الحياة ويكره العنف كما أصبحنا نسمع اليوم من بعض “المثقفين” العرب، ووصل الأمر ببعضهم أن أدانوا العمليات الفدائية في فلسطين وقدموا لشعب الله المختار التعازي على ما لحق به من شر إرهاب المقاومة، ورأينا كيف سارعت “السعودية” لشراء قرار في الجامعة العربية ومؤتمر التعاون الإسلامي يصنف حزب الله في خانة “الإرهاب”، وهو ما لم تنجح في تمريره أمريكا والدول الغربية ولم تكن لتحلم به “إسرائيل” حتى في أجمل لياليها الصيف الجميلة.
ومع ذلك، ورغم كل ذلك، لا زال العرب يرفضون الاعتراف بمسؤوليتهم عن كل المصائب التي حلت بهم ويصرون في أدبياتهم السياسية والثقافية على تحميل المسؤولية للآخر، ويقدمون أنفسهم على أنهم “الضحية”.
*** / ***
ونذكر جميعا أنه ومنذ ضياع فلسطين ولأكثر من ستين سنة والمسلمون لا شغل لهم سوى الدعاء على اليهود كل يوم جمعة عسى أن يستجيب الله لوهمهم.. كان الإمام يقول من على المنبر وهو يجهش بالبكاء: اللهم اهزم اليهود الذين طغوا وأفسدوا في الأرض وأسرفوا واعتدوا على المستضعفين من إخواننا الفلسطينيين يا قوي يا عزيز، والجموع تردد خلفه في خشوع: آميــــن… اللهم زلزل الأرض من تحت أقدام الصهاينة المعتدين، وألق الرعب في قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين وعبرة للمعتبرين يا رب العالمين.. آميـــــن.. اللهم اقطع نسلهم واحرق زرعهم وفرق شملهم واجعل بأسهم بينهم شديدا وخالف بين قلوبهم وأنزل عليهم غضبك وبأسك الذي لا يرد يا كريم يا منان.. آميـــــن… (إلى آخر الدعاء المعروف الذي حفظناه عن ظهر قلب منذ أن كنا أطفالا).
لكن ما حصل، هو أن الله لم يهزم اليهود في فلسطين، بل نصرهم وزادهم بأسا وتمكينا، وهزم الأعراب والمتمسلمين شر هزيمة، فعطّل ملكة التفكير في عقولهم، وبث الخوف واليأس في نفوسهم، وجعلهم عبيد الإحساس بالذل والشعور بالمهانة العظيمة..
أكثر من ذلك، لقد عاقبهم الله بما كسبت أيديهم، بدليل ما نراه اليوم من عظيم المصائب التي حلت بهم من حيث لم يكونوا يتوقعون، حيث نجح اليهود الصهاينة في ابتداع معادلة جديد لمحاربة الإسلام المحمدي الأصيل بالإسلام الوهابي المجرم والإخونجي التكفيري الذي هو نسخة مشوهة إلى أقصى الحدود عن الإسلام المحمدي السمح الجميل، فعتي الإرهاب قتلا وذبحا واغتصابا ودمارا و خرابا في ديار العرب والمسلمين، وشوه دينهم وحولهم إلى كائنات منبوذة في العالمين، هذا في ما اليهود في فلسطين ينعمون بالأمن والاستقرار ويستمتعون بمشاهد التوحش الذي يمارسه المسلم ضد أخيه المسلم، يأكلون التفاح بالعسل ويلعقون أصابعهم تلذذا وهم يشاهدون الرؤوس تتطاير والدماء تسيل أنهارا فيقولون بابتهاج وسرور: إن ما حققه لنا الإرهاب الوهابي والإخونجي في العراق وسورية وليبيا واليمن ومصر وغيرها… لم نكن لنحلم بتحقيقه حتى لو نزل يهوه من عليائه وجمع لنا جيوش العالم لينصرنا على أعدائنا العرب والمسلمين لما استطاع إلى ذلك سبيلا”..
لذلك، أوصى الصهاينة واشنطن مؤخرا بعدم القضاء على “داعش” وأخواتها لأن ذلك سيكون خطأ استراتيجيا كبيرا قد يقلب المعادلات في المنطقة لغير صالح واشنطن وتل أبيب.. وها هي المخابرات الأمريكية تعمل بنصيحة ‘دينيس روس’ فتغيّر اسم وعلم “جبهة النصرة” لتعويمها كمعارضة معتدلة كي لا تخبو شعلة “الجهاد” في بلاد المسلمين، وتعود “القاعدة” في حلتها الجديدة بمثابة القوة الضاربة في المنطقة بعد فشل الإسلام الإخونجي في الإمساك برقاب الشعوب وإخضاعها للهيمنة الصهيو-أمريكية.
*** / ***
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة بالمناسبة هو: – أين أخطأ العرب والمسلمون ولماذا؟..
الجواب موجود في كتاب الله وسنة نبيه، لكن المشكلة تكمن في أن لا أحد من الفقهاء أو المثقفين أو الإعلاميين (إلا من رحمه الله)، حاول التركيز عليه لاستنهاض الأمة بثورة فكرية نوعية تقوم على أساسه، فتبعث روح المقاومة والجهاد الحقيقي في نفوس الناس ليحدث التغيير المطلوب الذي من شأنه إخراج الأمة من عصور الظلام الطويلة التي حشرت فيها ولا تزال، من خلال ثورة على الجهل تفتح نحو فجر مشرق جميل إيذانا بميلاد شرق أوسط جديد وكبير لا مكان فيه لـ”إسرائيل” ومن يدعمها من الحلفاء والأدوات على حد سواء.
يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يحمل رقم 28 من حيث التصنيف، جوابا عن سؤال ألقاه أحد الصحابة بشأن خطر اليهود على الأمة: (لا أخاف على أمتي من اليهود.. بل أخاف على أمتي من يهود أمتي)..
والحديث واضح لا يحتاج لتوضيح، لأن توضيح الواضحات من المفضحات كما يقول المثل العربي.. كما وأن بوصلة المعنى تشير بشكل لا لبس فيه إلى الخونة والعملاء من الحكام العرب الفاسدين والمستبدين، والمنافقين من فقهاء السلاطين الذين يشترون بكلام الله ثمنا قليلا، والمرتشين من المثقفين الانتهازيين الذين يتاجرون بالحرف فيصنعون منه سجائر من الأفيون يخربون بها عقول البسطاء من الناس، والإعلاميين من منعدمي الضمير دعات الانفتاح والتطبيع مع “إسرائيل” الذين يسعون لتغيير المفاهيم وتبديل القيم وهدم الأسس والثوابت والمبادئ التي يقوم عليها بناء الأمة منذ قرون.
لكن تجدر الإشارة إلى أن الحديث المذكور لا يعني أن اليهود ليسوا أعداء الله والأمة (إلا من رحم الله من المتقين الذي امتدحهم الله في كتابه)، بل ما قصده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، هو أنك لا يجب أن تخشى من عدوك لأنك تعرفه وتحتاط منه وتعد العدة لمواجهته، بل الخشية كل الخشية تكون من بني جلدتك الذين ينتمون لقوميتك ويدّعون أنهم يدينون بدينك ووجودهم ومصيرهم مرتبط بوجودك ومصيرك.. لذلك قال نابليون بونابرت: ” أنا لا أخشى عدوّي الذي أعرفه، بل أخشى صديقي الذي لا أعرفه”.
هؤلاء الذين أشرنا إليهم هم المنافقون حقا، وهم من أشار إليهم حديث الرسول وكلام الحق تعالى حين اعتبرهم شر البريّة لأنهم داء خطير يستشري في جسد الأمة فيفتك بها ليلحق بها الهزيمة والخزي والعار..
وها هو حزب الله الذي كان يركز البوصلة على “إسرائيل” عدلها بدخوله الحرب على سورية بعد أن أدرك أن هزيمة “إسرائيل” لا يمكن أن تتحقق إلا بعد هزيمة أدواتها من التكفيريين، وها هي إيران تصل إلى قناعة نهائية حاسمة مؤخرا فتعلن أنها عدلت البوصلة ووضعت “السعودية” في قمة سلم الأولويات، بحيث أصبحت هي العدو وبعدها “إسرائيل”.
وهذا لا يعني تغيير البوصلة واستبدال هدف بهدف، بل يعني أن الطريق إلى فلسطين أصبحت تمر حتما من الرياض، لأنه لا يمكن كسب الحرب ضد الصهاينة اليهود إلا إذا تم القضاء على الصهاينة العرب الذين حذر منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال، أن خوفه على أمته لا يأتي من اليهود الجبناء، هؤلاء أمرهم مقدور عليه، بل الخوف كل الخوف على الأمة هو من يهود الأمة..
وما نراه اليوم من أحداث ماثلة للعيان تؤكد بما لا يدع مجالا للشك صدق ودقة وعمق رؤية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا كانت المقاومة الشريفة تتولى اليوم المواجهة مع اليهود الصهاينة وأدواتهم التكفيرية في المنطقة وتحقق الملاحم والإنجازات المشهودة بمعية الجيوش الشريفة وبمساعدة إيران المسلمة وروسيا المؤمنة، فقد آن الأوان لتعلن الشعوب العربية الحرب على يهود الأمة بكل ما أوتيت من قوة، وذلك أضعف الإيمان لتكتمل معادلة المقاومة في الداخل والخارج لضمان النصر، وإلا فعذاب الله في الدنيا سيكون أكبر مما نعيشه اليوم، وعذاب الآخرة سيكون أشد وأبقى.
وبذلك أكون قد بلغت.. اللهم فاشهد.