“السعوديــة”.. مستوى جديد من التصعيد ضد إيران
أحمد الشرقاوي
السؤال الذي يطرحه المراقب للشأن الإقليمي بمناسبة مشاركة الأمير تركي الفيصل السعودي في مؤتمر زمرة المنافقين من منظمة “مجاهدي خلق” الإرهابية في باريس ورفعه لشعار “إسقاط النظام في طهران” هو:
– ما حاجة “السعودية” للاستثمار اليوم بشكل سافر في ورقة “المعارضة الإيرانية” المحروقة بوهم زعزعة الاستقرار في إيران، في وقت حساس تتحضر فيه المنطقة لتحولات جيوسياسية جديدة بعد أن فشلت في تحقيق أهداف أسيادها في واشنطن وتب أبيب بسلاح الإرهاب في سورة والعراق ولبنان، وبالعدوان المباشر على اليمن؟..
خصوصا مع بداية تبدد “داعش” وتلاشيها وتحولها إلى استراتيجية العمل السري ضد داعميها سواء في الغرب أو المنطقة، ما أصبح يمثل تهديدا داهما للجميع، وفي الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأمريكية للتوصل إلى نوع من التنسيق العسكري الجديد مع روسيا في سورية لقطع رأس “جبهة النصرة” مقابل استثناء من تعتبرهم جماعات معارضة “معتدلة” من الاستهداف، في ما هم في حقيقة الأمر حلفاء لـ”القاعدة” في تكتل “جيش الإسلام” الإرهابي.
هناك ثلاث فرضيات تطرح بمناسبة هذا المستجد الذي يبدو “ظاهريا” بعيدا عن المنطق وخارج سياق الأحداث والتطورات التي تعرفها المنطقة والعالم:
* الفرضية الأولى، أن تكون “السعودية” أرادت من مشاركة رجل مهماتها السرية تركي الفيصل، عراب طالبان والقاعدة في أفغانستان ومنسق العلاقات الاستراتيجية الجميمية مع الكيان الصهيوني المجرم، إحداث نوع من الفقاعة الإعلامية في إطار الحرب النفسية لإعطاء الانطباع بأنها لم تفشل، ولم تستنفذ كل أوراقها ضد إيران في المنطقة، وأنها قوية وقادرة هذه المرة على مواجهة الجمهورية الإسلامية علنا ومباشرة من خلال دعم “المعارضة” لإسقاط النظام في طهران، كما تبين من شعار المؤتمر.
هذه الفرضية في حال صحتها، فهي تؤشر إلى أن النظام “السعودي” مأزوم، ودخل منعطفا خطيرا مع بداية ارتداد الإرهاب عليه، وتصاعد حدة الصراع على السلطة بين الأمراء، وتنامي التذمّر الشعبي من سياسات التهميش والإفقار والتبذير العبثي لثروات الشعب ومقدراته، ما اضطر النظام لتوظيف ورقة المواجهة العلنية مع طهران لحرف الأنظار عن الأوضاع الداخلية، وخلق نوع من البانارويا لتحويل الخطر من داخلي إلى خارجي، ما يستلزم تخندق الشعب وراء النظام.
* الفرضية الثانية، أن تكون “السعودية” تسعى بالتحالف مع “إسرائيل” لخلط الأوراق في المنطقة وإجهاض قرار الاتحاد الأوروبي لتطبيع العلاقات مع طهران تمهيدا لانسحاب أمريكا من المنطقة، والذي قال عنه الرئيس أوباما هذا الأسبوع، ولثاني مرة بعد تصريحه الشهير لمجلة “أتلانتيك” الأمريكية، أنه (أي قرار التطبيع الأوروبي مع إيران) “قرار إستراتيجي، وعلى السعودية التركيز على الإصلاح الداخلي”، في رسالة تحذر ‘آل سعود’ من العبث بأمن واستقرار المنطقة من خلال استفزاز إيران، الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج كارثية، لأن المشكلة وفق الرئيس الأمريكي تكمن في إصلاح النظام “السعودي” من الداخل لا في التهديد الإيراني الذي لا وجود له على أرض الواقع.
ما يدعم هذه الفرضية، أن التصعيد يأتي قبيل زيارة ‘فيديريكا موغيريني’ منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إلى دول الخليج في 20 من الجاري، بهدف التحضير لاجتماع وزاري رسمي في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي لوضعهم في صورة القرار الإستراتيجي الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي مدعوما من الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع إيران بالكامل، وضرورة التركيز في المرحلة المقبلة على قضايا الهجرة والاقتصاد والأمن الذي يعني محاربة الإرهاب واجتثاثه من المنطقة والكف عن دعمه من الدول التي تستثمر فيه سياسيا والتحضير لإدماج إيران في منظمة التجارة العالمية.
وبالتالي، فالخطوة “السعودية” أريد لها أن تكون رسالة من مستوى تصعيدي جديد ضد إيران لإجهاض أية محاولة لتطبيع العلاقات معها، بسبب أن الاتفاق النووي لم يراعي مسألة ملء الفراغ الأمني في المنطقة بعد الإنسحاب الأمريكي تحسبا للمخاطر المستقبلية المحتملة، ما دامت أوروبا غير مهتمة بسد هذه الثغرة وترى أن مسألة الأمن الإقليمي شأن معقد تفضل أن تتولاه روسيا بالتنسيق مع أمريكا لما لروسيا من تأثير على إيران ومحورها، وهو ما ترفضه “السعودية” التي تعتبر الموقف الأوروبي انتهازي يسعى فقط لتحقيق مصالحه دون مراعاة مصالح المملكة وحلفائها في المنطقة، لأن التطبيع والانفتاح الكامل على إيران يعني أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستتحول إلى قوة إقليمية عظمى في بضع سنين، وستفرض بالتالي نفوذها على كامل الإقليم دون رادع.
هذا هو جوهر القلق الحقيقي الذي يستبد بـ’آل سعود’، لإدراكهم أن عقيدة إيران الثورية تقوم على أساس: “نصرة المستضعفين” التي تمثل تهديدا وجوديا للأنظمة القبلية الاستبدادية الفاسدة من جهة، ورفض وجود “إسرائيل” في جسم الأمة ومواجهتها بحركات المقاومة في المنطقة من جهة أخرى..
وبالتالي، ترى “السعودية” في هذه العقيدة الثورية الخطيرة تهديدا وجوديا لها وللكيان الصهيوني المحتل، الأمر الذي يبرر التحالف الإستراتيجي بينهما وفق رؤيتها، وحيث أن الكيانين المجرمين لا يملكان القدرة على المواجهة العسكرية المباشرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فلا مناص من توظيف الإرهاب في هذا الصراع الوجودي إلى ما لا نهاية، عملا بمقولة “عليّ وعلى أعدائي”، وإذا أراد الغرب القضاء على الإرهاب فليضرب إيران ومحورها، أو فليستمر في سياسة الحصار والاستنزاف لاحتوائها، وذلك أضعف الإيمان.
ويشار في هذا الصدد، إلى أن الملك سلمان بن عبد العزيز، كان قد رفض استقبال ممثلة الاتحاد الأوروبي في الرياض يوم 31 أيار/ماي الماضي، في رسالة تعبر فيها المملكة عن غضبها ومدى إحباطها من هذا التوجه الغربي الجديد الذي لا يراعي مصالح الحلفاء العرب في المنطقة..
غير أن مثل هذا التصرف اللاعقلاني وغير الدبلوماسي حتى لا نقول “الصبياني”، لا يخدم مصالح المملكة بقدر ما قد يلحق الضرر بها مستقبلا في حال إصرارها على الاستمرار في سياسة دعم الإرهاب لزعزعة الأمن والاستقرار في الإقليم وأوروبا والعالم حتى تحقيق أهدافها الوهمية والأنانية.. هذا أمر لم يعد محتملا من قبل أوروبا وأتى بنتائج عكسية أصبحت تهدد تماسك الاتحاد بسبب ضغط تسونامي الهجرة ومخاطر الإرهاب العابر للحدود، خصوصا بعد كارثة خروج بريطانيا وظهور مؤشرات على احتمال إقدام دول أخرى على إجراء استفتاءات مشابهة.
* الفرضية الثالثة، وهذه لعمري الأكثر خطورة، والتي أميل شخصيا لتبنيها، لأنها تمثل جوهر العقيدة الصهيونية الأمريكية، ومفادها، أن تكون “السعودية” قد تلقت الضوء الأخضر السري من المحافظين الجدد في واشنطن بفضل الضغوط “الإسرائيلية” ومال الزيت، للبدء بالتحضير لمرحلة ما بعد أوباما، وبغض النظر عن من سيأتي رئيسا للولايات المتحدة، فمن المعلوم أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة هي من تقرر السياسات وتضع الإستراتيجيات ليقوم الرئيس بتنفيذها، مع إعطائه بعض المرونة في الأسلوب ليس إلا.
هذه الفرضية، لها أيضا أبعاد دولية تتجاوز البعد الإقليمي في منطقة الشرق الوسط، ومنها:
– أن المحافظين الجدد يعتبرون روسيا عدوا ولا يمكن أن يقبلوا بها كشريك في حل الأزمات الدولية أو التوسع خارج حدودها وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، ولهم رؤية واضحة لتقسيم المنطقة لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”.
– أن المحافظين الجدد يصرون على أن تبقى أوروبا تحت المظلة الأمنية التي انخرطت فيها بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي، فرغبة ألمانيا وفرنسا وغيرها التي تم التعبير عنها مؤخرا بعدم اعتبار روسيا عدوا وضرورة التعاون معها لضمان الأمن الأوروبي والازدهار الاقتصادي لشعوب القارة العجوز، رأى فيه المحافظون الجدد نوع من التمرد على الهيمنة الأمريكية والانعطاف نحو الاستقلالية، واعتبار أن دور حلف الناتو أصبح من الماضي لأن التهديدات الحالية لم تعد كما كانت في السابق وأصبحت من نوع آخر يمثل الإرهاب إحدى أهم مرتكزاته، ما يستوجب التعاون الدولي لمكافحته.
وبالتالي، قد يكون مطلوبا من “السعودية” و”إسرائيل” ومصر التي حضر وكيل برلمانها مؤتمر المنافقين في باريس، وتزامن ذلك مع زيارة وزير الخارجية المصري لإسرائيل اليوم ولقائه بـ”النتن ياهو”، لعب دور تخريبي جديد لإجهاض التوجه الأوروبي نحو إيران وإعادة الصراع إلى نقطة الصفر، ومن غير المستبعد أن تنخرط تركيا أيضا في هذا التحالف في حال تمت المصالحة بينها وبين القاهرة بضغوط “سعودية” و”إسرائيلية”.
كما وأن تصريح الأمين العالم للأمم المتحدة الفاسد المرتشي ‘بان كي مون’، وقوله أن تجربة الصواريخ الباليستية من قبل إيران يعتبر انتهاكا لقرارات مجلس الأمن ومحاولة ربط هذا السلاح الدفاعي المشروع بخرق الاتفاق النووي، إنما يدخل في خط التخريب التي تسعى لإحداثه “السعودية” بواسطة المال الحرام و”إسرائيل” بواسطة الضغوط السياسية كي يستمر استنزاف إيران والضغط عليها بالعقوبات الاقتصادية الأحادية غير المشروعة.
*** / ***
ومهما يكم من أمر، فورقة دعم زمرة المنافقين التي كان قد استخدمها المقبور صدام حسين ضد إيران وأحدثت كوارث إرهابية في حينه، وصنفتها الولايات المتحدة وأوروبا في خانة الإرهاب، وقاموا بعد ذلك برفع اسمها من القائمة السوداء لأهداف سياسية، لا تعتبر ورقة مهمة وذات تأثير في الداخل الإيراني اليوم بعد أن فقدت قوتها وجدواها، بسبب كراهية الشعب لهذه الفئة المنافقة والمجرمة أولا، ولضآلة حجمها وانعزالها في معسكر مراقب قرب مطار بغداد ثانيا، ولعدم قدرتها على تغيير المعادلة السياسية في الداخل الإيراني لعدم وجود بيئة حاضنة لها ثالثة..
وقد تنجح بتفجير هنا وآخر هناك، هذا محتمل، لكنه لن يغير من صمود الشعب والتفافه حول قيادته قيد أنملة، فأحرى «إسقاط النظام» الذي هو وهم أبعد من الخيال، لأنها إذا كانت قد فشلت في عز قوتها أيام المقبور صدام، فكيف ستنجح اليوم وهي في أسوء حالها.
وما قد ترغب في تحقيقه “السعودية” في هذه المرحلة المفصلية الحساسة، هو إحراج الاتحاد الأوروبي من خلال تنفيذ بعض العمليات الإجرامية والقول أن أوروبا تتقارب مع نظام “طائفي” و “ديكتاتوري ديني” يقمع ثورة شعبه ويرفض إشراك المعارضة “المعتدلة” في الحياة السياسية ولا يحترم حقوق الإنسان..
وهذه أسطوانة مشروخة وورقة مبتذلة لم يعد لها من وقع يذكر في أوساط الرأي العام الأوروبي الذي أدرك حقيقة اللعبة وخطورة تداعياتها على الأمن الإقليمي والدولي، ويعرف أن “السعودية” التي هي نظام إرهابي وديكتاتورية دينية قبلية رجعية وفاسدة لا تملك الشرعية للدفاع عن الحرية والديمقراطية في سورية فأحرى إيران الدولة الإقليمية العظمى الديمقراطية والعقلانية والمسالمة التي لم تعتدي على أحد من جيرانها منذ نجاح الثورة سنة 1979.
كما وأن العالم أجمع سيسخر من دعوة “السعودية” تقديم الدعم السياسي لرئيسة ما يسمى بـ “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” المسماة ‘مريم رجوي’، المرأة “المنتخبة ديمقراطيا” كما يقول تركي الفيصل لـ”إسقاط نظام الولي الفقيه في إيران”، في حين أن المملكة الوهابية تحرّم على المرأة قيادة السيارة في بلادها.. فما هذا العهر السياسي؟..
هذا لعبة خبيثة مكشوفة، تؤكد أن “السعودية” هي من تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة لا إيران، وأن السلاح الوحيد الذي تستعمله ضد أعدائها في المنطقة هو الإرهاب، أي سلاح الضعفاء والجبناء الفاشلين، وهي تهمة أصبحت لصيقة بنظام ‘آل سعود’، ولا يمكنهم هذه المرة تجيير تدخلهم السافر في إيران من خلال مقولات زائفة خادعة كدعم “الثورة” أو “المعارضة” أو الدفاع عن حقوق الأقليات السنية والكردية في إيران، أو جلب الحرية والديمقراطية للشعب الذي يتمتع بديمقراطية وحرية لا يعرف لها الشعب السعودي لونا ولا طعما، هذه نكتة سخيفة لم تعد تضحك أحدا بسبب المآسي التي سببتها للأمة.
لكن وهذا هو المهم في القضية، على “السعودية” أن تدرك أن صبر إيران نفذ ولم يعد من الممكن السكوت على مثل هذا الجهل والقبول بمثل هكذا تغول ينم عن سعار مرضي بسبب “عقدة إيران”، لأن الأمن وكما قال مستشار الخارجية الإيرانية تعليقا على مؤتمر المنافقين في باريس، قضية مترابطة تهم المنطقة برمتها، وبالتالي لا يمكن تجزئته واستخدام الإرهابيين كأداة لزعزعة استقرار الدول في حين تظل “السعودية” آمنة.. هذا مستحيل.
هذا الكلام سبق للسيد أمير عبد اللهيان وأن أبلغه لوزير خارجية المملكة السابق ‘سعود الفيصل’ قبيل وفاته، وكرّره للوزير الحالي عادل الجبير في لقاء آخر على هامش اجتماع وزراء الخارجية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد في جدة.
لكن الجديد هذه المرة هو قول السيد أمير عبد اللهيان، إن “خطأ الرياض الاستراتيجي في استخدام الإرهاب في تطورات المنطقة سيكبد الرياض وكلنا جميعا في المنطقة أضرارا لا تعوّض”.
وهذا يعني، وفق ما تؤكده معلومات موثوقة من مصادر مطلعة، أنه في حال أصرّت “السعودية” على غيّها ورفضت تغيير نهجها العسكري والأمني في المنطقة وتراعي حسن الجوار وقيم الأخوة في الدين والإنسانية، فإن إيران ستعرف كيف تواجهها بما يوقفها عند حدها.. والبادئ أظلم.
فهل يعني هذا أن إيران سترد بالمثل وتدعم المعارضة في المملكة؟.. لا أعتقد، لأن المعارضة السعودية توجد جميعها في السجون وفق ما قالته المعارضة البارزة الدكتورة مضاوي الرشيد.
وإذا كان الأمر كذلك، فهل ستسعى إيران لتثوير الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية والبحرين؟.. لا أعتقد أيضا، لأن هذا سلاح ذو حدين قد تستغله المملكة الوهابية لإشعال فتنة مذهبية بين المسلمين “السنة و”الشيعة”، وإيران لا تلعب على حافة الهاوية، لكنها تملك من الأوراق ما قد يفاجئ ‘آل سعود’ ويُحوّل حياتهم إلى جحيم لا يطاق..
لكن ما هو مؤكد، هو أننا نعيش اليوم آخر مرحلة لآخر ملوك الوهابية في شبه الجزيرة العربية، بعدها ستشرق شمس نظام إقليمي جديد يضمن الأمن ويوفر الاستقرار ويجلب الازدهار لشعوب المنطقة كافة..
ولعل ذلك يكون قريبا بإذن الله.
بانوراما الشرق الأوسط