النفط مقابل دعم الاستبداد.. معضلة بايدن في التعامل مع السعودية
خلق الغزو الروسي لأوكرانيا أزمة نفطية كبرى قد تجبر الرئيس الأمريكي "جو بايدن" على التخلي عن وعد حملته الرئاسية بجعل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" منبوذًا نتيجة تورطه في اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" عام 2018.
وتتمثل المعضلة التي تواجه "بايدن" في الموازنة بين تعهده بتشجيع الديمقراطية ومكافحة المد المتصاعد من الاستبدادية وفي نفس الوقت التعاطي بواقعية مع أزمة أسعار النفط قبل انتخابات الكونجرس في نوفمبر/تشرين الثاني ومع ضرورة مساعدة أوروبا على تقليل اعتمادها على النفط والغاز الروسي.
وتعتبر السعودية المنتِج الوحيد للنفط القادر على تقليل سعر البنزين للمستهلكين الأمريكيين بشكل مباشر.
علاوة على ذلك، توسع المملكة طاقتها الإنتاجية حاليا بمقدار مليون برميل يوميا، أي أكثر من ثلث الصادرات الروسية إلى أوروبا الغربية والتي تسعى إدارة "بايدن" إلى منعها.
دراسة التكاليف والمكاسب المحتملة
يجب أن ينظر "بايدن" بعناية أولًا إلى ما يمكن لـ"بن سلمان" أن يقدمه في مقابل التخلي عن "سياسة النبذ".
ولم يتحدث "بايدن" إلى ولي العهد على الهاتف منذ توليه منصبه قبل 15 شهر كما لم يعين سفيرا أمريكيا جديدا لدى المملكة.
وينبغي أن ينظر "بايدن" أيضا في الضرر المحتمل الذي قد يلحق بصورته وسياساته الأخرى إذا تقبل ولي العهد، لأن ذلك سيعد بمثابة تحطيم لالتزامه بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، كما قد يورط إدارته بشكل أعمق في التنافس الإيراني السعودي على السيادة الإقليمية.
وربما تكون هذه التكاليف تستحق كل هذا العناء، حيث أن أفضل السيناريوهات تفترض أن يوافق "بن سلمان" على إنتاج المزيد من النفط بشكل كبير والانسحاب من الحرب اليمنية والاعتراف بإسرائيل وتسوية الخلافات مع إيران.
لكن السؤال الأساسي المطروح اليوم هو ما إذا كان "بن سلمان" مستعدًا أو قادرًا على تغيير سياساته الحالية بشأن أي من هذه القضايا الملحة.
هل هناك استعداد سعودي؟
في البداية، لم يكن هناك أي مؤشر على استعداد السعودية لتجاوز اتفاقية "أوبك+" بشأن زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر.
وتعتمد هذه الاتفاقية بشكل أساسي على التزام "بن سلمان" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بها.
وحتى الآن، يحاول الطرفان استغلال النقص الحالي في الإمدادات للحفاظ على أعلى أسعار ممكنة.
كما أصبحت الحرب الأهلية اليمنية التي استمرت 7 سنوات حملا ثقيلا على كاهل ولي العهد دون مخرج في الأفق، ولم يكن هناك تقدم في العديد من الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة والولايات المتحدة للتفاوض على تسوية دبلوماسية.
وإذا حدث انسحاب سعودي من جانب واحد فسيمنح ذلك الحوثيين المدعومين من إيران السيطرة على العاصمة صنعاء وكامل أراضي اليمن الشمالي المتاخم للمملكة.
أما بالنسبة لإسرائيل، فقد بذلت إدارة "ترامب" قصارى جهدها دون أن تنجح في إقناع "بن سلمان" بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بشكل رسمي وعدم الاكتفاد بالعلاقات السرية.
وقال "بن سلمان" إنه يعتبر إسرائيل "حليفا محتملا"، لكن "يجب حل" بعض القضايا" أولا، فيما يبدو إشارة إلى الفلسطينيين.
ولم يتم تسجيل أي تقدم في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية منذ سنوات، ولا يبدو أن هناك أي تقدم وشيك.
صعوبة تلبية المطالب السعودية
ويريد "بن سلمان" من إدارة" بايدن" طلبين عاجلين وهما إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية واستعادة الدعم العسكري الأمريكي لقوات التحالف الذي تقوده المملكة في اليمن.
وتقول المنظمات الإغاثية الأمريكية إن تلبية المطلب الأول من شأنها أن تمنع تسليم المساعدات الإنسانية للسكان الذين يعيشون في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
كما سيعترض العديد من الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس على تجديد الدعم العسكري الأمريكي للسعودية في حرب اليمن.
ويعارض "بن سلمان" أيضا توجه إدارة "بايدن" لإحياء الاتفاق النووي مع إيران لأنه لا يفعل شيئا لمعالجة تهديد الصواريخ الإيرانية للمملكة.
وأصبح هذا هو الشاغل الرئيسي للمملكة منذ الهجمات الإيرانية على منشآت "أرامكو" في سبتمبر/أيلول 2019 والتي عطلت نصف إنتاج المملكة، وكان مبرر "ترامب" لعدم الرد على إيران آنذاك أنه لم ير مصلحة أمريكية على المحك.
وتعهد "بايدن" بأن تمنع إدارته إيران من امتلاك قنبلة نووية وتوسيع الدعم الأمريكي للدفاعات السعودية ضد المقذوفات الإيرانية.
لكنه لم يلمح حتى بأن الولايات المتحدة قد تنتقم في حال تنفيذ هجوم صاروخي إيراني آخر ضد المملكة.
وهناك شك فيما إذا كانت السياسة الواقعية كافية لإلغاء الجمود الحالي في العلاقات السعودية الأمريكية، ويبدو أن "بن سلمان" و"بايدن" لا يستطيعان إبرام صفقة مقايضة مقبولة لكلا الطرفين.
المصدر | ديفيد أوتاوي/ ويلسون سينتر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد