مرارة طلب الرزق في “السعودية”: مصري وكينية يشاركان المعاناة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 23
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

خلال هذا الأسبوع فقط انتشرت حالتين استغاثة لعمال أجانب يعملون داخل “السعودية” وجرى التداول في قضيتهما على نطاق واسع. الحالة الأولى كانت لعاملة منزل كينية الجنسية قصدت “السعودية” طلبا لعمل وأجر أعلى؛ لكن انتهى بها الأمر مُحتجزة في غرفة وممنوعة من الخروج ومسلوبة الهاتف ووفق الوصف “تقطعت بها السبل”. وأما الحالة الثانية تعود لشاب مصري نشر مقطع فيديو له يصف تشتته في “السعودية” منذ عام ونصف على خلفية شطب الكفيل اسم المؤسسة التي دخل البلاد للعمل بها من السجل التجاري دون إعلامه بالأمر ودون نقل كفالته إلى مؤسسة أخرى. الشاب المصري وهو مهندس اتصالات شكى في مقطع الفيديو حالة التشرد التي يعيشها مخاطبا “الأمير” بعد أن حاول حل ازمته مع الجهات المعنية دون أن يتمكن من التوصل إلى نتيجة تمكنه اما بمواصلة العمل في “السعودية” أو العودة إلى بلاده. وفقا للشاب قال أنه قَدِم إلى البلاد بطريقة نظامية في الثالث من الشهر الثاني من عام ٢٠٢٣؛ إلا أن الكفيلة شطبت المؤسسة في الثامن من شهر الثالث نفسه عام ٢٠٢٣. وتبعا لذلك اختفت بيانات الشاب في كل من السجل التجاري ومن كل مكان يثبت بياناته. حتى أنه حين سلّم نفسه للشرطة لكي يقوموا بترحيله وبسبب عدم وجود بياناته يُرفض طلبه، وفي الوقت نفسه لم يتمكن الشاب من التقديم على عمل آخر أو القبول به، وعليه بات كالمعلّق في الهواء غير قادر على العمل أو العيش بطريقة طبيعية في البلد ولا العودة إلى بلده. والأزمة التي يعايشها الشاب المصري تندرج في سياق الانتهاك المطبق بحق العمال المهاجرين حيث منعهم فلا يزال أصحاب العمل يسيطرون بشكل غير متناسب على العمال، بما في ذلك ما إذا كان بإمكانهم تغيير وظائفهم. التفاعل الذي يُبديه الناس مع هذه القضايا في الغالب تحرّك حكومة البلد الذي يحمل العامل جنسيتها؛ لكنها لا تحرك المعنيين السعوديين الذين يستحيل عليهم الإقرار بالخطأ. فسبق أن أصبحت قضية مقتل عاملة كينية في السعودية نتيجة إجبارية على إجراء عملية نقل كلى؛ قضية رأي عام في كينيا؛ لكن ما فعلته السعودية هو التستر على الأمر وعدم إبداء أي استعداد للتعاون مع السلطات الكينية لفتح تحقيق في الأمر. وسبق للإعلام الكيني أن كشف في تحقيقات خاصة أن مسألة استجلاب العاملات لأجل الاستفادة من أعضائهن أمرا متكررا جدا. إلا أن السلطات السعودية لم تُعر يوما أهمية للأمر، ووفقا لما تؤكده المنظمات الحقوقية عندما يفقد العمال حياتهم خلال عملهم داخلها، لا يتم التحقيق في وفاتهم بشكل صحيح، ولا يتم تعويض أسر الضحايا المحزونة حيث يتم تصنيف غالبية الوفيات على أنها غير مرتبطة بالعمل. وقد كانت هناك أيضًا تقارير متكررة عن عدم دفع الأجور لشهور متتالية. وفي حالة عاملة المنزل الكينية المُحتجزة وبعد أن شاركت قضيتها ناشطة تدعى هاري كابوتي وجهت فيه نداء لوزارة شؤون الشتات للتعامل مع الحالة مشيرة إلى أن المرأة المشار إليها “في السعودية، ومحتجزة في غرفة، وتعرضت لسوء المعاملة، ولم يقدم لها أي طعام، وتعرضت للضرب. ولم يتمكنوا من أخذ الهاتف منها. ولا يمكنها التحدث”، ردا على التفاعل الكبير الذي حصل كتبت وزارة الشتات أنها “تحقق في الأمر بما يتماشى مع تفويضها في حماية الكينيين في الشتات والتعامل معهم”. وهذا يُعيدنا إلى أزمة الكفالة المطبقة في البلاد، ومن أكبر ضحايا نظام الكفالة هم العاملات المنزليات نتيجة الظروف القاسية التي يعيشونها؛ وابرز الانتهاكات تتمثل بـ: الافراط في العمل، تقييد الإقامة وعدم سداد الأجور وتدنيها، الحرمان من الطعام، الأذى النفسي والبدني والجنسي. كما حرمانهم من امتلاك هواتف لحجج واهية. فارتفاع نسبة التجاوزات الكثيرة في السعودية يعود الى ما يطلق عليه نظام الكفالة وهو نظام قانوني يُتبع في معظم دول الخليج ويحدد العلاقة بين صاحب العمل والعامل الاجنبي. يقوم نظام الكفالة الموجود منذ 7 عقود في السعودية على السماح باستقدام عمال اجانب، يلزم العامل بالعمل لدى صاحب عمل واحد، دون السماح له بترك الوظيفة او ايجاد ظروف عمل أفضل في وظيفة اخرى؛ دون موافقة الكفيل. كما تصادر جوازات السفر للعمال في اغلب الحالات. ولا يمكنهم مغادرة البلاد إلا بترخيص من الكفيل. وفق التعديلات الجديدة التي خضع لها هذا القانون، بات يمكن للعامل ان ينتقل بين الوظائف في البلاد، ولكن بشروط وظروف محددة. أما تعديلات فتستثني العاملين في خمسة قطاعات وهي: السائق الخاص، الحارس، العمالة المنزلية، رعاة الماشية والبستاني. وللمفارقة فإن هذه الفئات المستثناة؛ هي الفئات التي تعتبرها المنظمات الحقوقية انها الاكثر عرضة للاستغلال. لكن خبراء شككوا في الإصلاحات الأخيرة هذه على نظام الكفيل التي أعلنت عنها سلطات آل سعود لإنهاء معاناة العمالة الوافدة في البلاد لوجود عدة عقبات. ولا يزال العمال عرضة للانتهاكات على نطاق واسع، بما في ذلك استبدال العقود، ورسوم التوظيف الباهظة، وعدم دفع الأجور، ومصادرة جوازات السفر من قبل أصحاب العمل، والعمل القسري. وفي السابق نشرت صحيفة “ذا صن” تقريرا يرصد انتهاكات جسيمة بحق عمال البناء في مدينة نيوم السعودية، وأفادت أن آلاف العمال في مدينة نيوم يعملون ويعيشون في ظروف إنسانية مزرية. ذكرت في تقريرها بعض أوجه المعاناة حيث يتقاسم ستة منهم غرفة صغيرة عند النوم. وتقدم الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب بشكوى بشأن ظروف العمل والاستغلال لأكثر من 13 مليون عامل وافد. استند شكوى الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب إلى مجموعة من الأدلة، منها عدم تلقي عشرات آلاف العمال أجورهم من شركتي إنشاءات في السعودية أفلستا في عام 2016، وشهادات 193 عاملا وافدا واجهوا انتهاكات عديدة مثل تقييد الحركة، والتخويف والتهديد، والاحتفاظ بوثائق الهوية، وعبودية الديون، وظروف العمل والمعيشة المنتهكة، والعمل الإضافي المفرط. وتتفاقم الأضرار الناجمة عن هذه الانتهاكات نتيجة حرمان العمال من الحق في حرية تكوين الجمعيات والتفاوض الجماعية. ودرجت الشكوى أيضا حالات عديد أٌسيئت فيها معاملة العمال الوافدين، مشيرة إلى تقاعس النظام السعودي عن تطبيق معاهدات دولية عديدة كان قد صادق عليها، مثل “اتفاقية العمل الجبري” (رقم 29) وبروتوكول الاتفاقية لعام 2014. لا ييدو أن السلطات السعودية مكترثة لهذه الأزمة التي طال أمدها فلا تُبدي في مقابلها نوايا جدية لحلّها. في مظاهر يمكن تشبيهها بظروف الرق والعبودية، فمن خلال الشهادات التي نقلها أعداد كبيرة من العاملين في مختلف القطاعات ومختلف المؤسسات؛ يظهر أن المهاجرين يتم مفاوضتهم على حقوقهم الأساسية من مأكل ومسكن دون أي تخوّف من شكاوى قد تُرفع أو منظمات قد ترصد ذلك لمأمنها من أية عقوبات يمكن أن تتلُ تقارير الادانة.

/