التطبيع مع العدو: أطرٌ متعدّدة لهدف واحد

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 586
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لا زالت العلاقات السياسية والتجارية بين الدول المطبّعة وبين إسرائيل قائمة، وكأن الدم السائل في غزة، ماء. والحقيقة أن «اتفاقات أبراهام» ليست إلا واحدة من أربع مبادرات تطبيعيّة ترعاها واشنطن في الوقت الراهن، والثلاث الأخرى هي: «منتدى النقب»، و«تحالف I2U2»، و«الممر الاقتصادي» من الهند إلى أوروبا مروراً بالخليج وكيان الاحتلال. ويخلق هذا التعدّد طرقاً ملتوية للالتفاف على الصعوبات التي تكتنف التطبيع المباشر، وغايتها في نهاية المطاف إخماد قضية فلسطين، ودمج الاحتلال الدخيل في المنطقة المتنوّعة والمتشابكة والمتباينة تاريخياً. لكن بعض هذه المبادرات يهدف كذلك إلى التضييق على الصين، المنافس الأساسي للولايات المتحدة.
أولاً: غايات التعدّد
تعدّدُ المبادرات يأخذ في الاعتبار أن «اتفاقات أبراهام» لا يمكنها، منفردة، إدماج المشروع الصهيوني في المحيط العربي والمسلم، الأمر الذي يستدعي من واشنطن وحلفائها التفكير في طرق بديلة، واتفاقات موسّعة، قد تتيح للنظام العربي البائس ودولة الاحتلال، الجلوس على طاولة واحدة، وتوقيع اتفاقات متعدّدة الأطراف، لا يُقال إنها اتفاقات تطبيعية مباشرة. وهذا التعدّد حيوي لبرنامج التطبيع؛ فرغم الهشاشة العربية الرسمية المشهودة، والتي يكشفها العدوان الصهيوني على غزة، فإنه حتى بعد 75 عاماً من اعتراف الأمم المتحدة بالكيان، وأكثر من 40 عاماً من توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» بين الكيان والقاهرة، ونحو ثلاثة عقود على «اتفاق أوسلو» الذي سمح بنشوء سلطة فلسطينية، ثم تفاهمات وادي عربة بين الكيان والأردن، لم يُرفع علم الاحتلال بعد في أغلب الدول العربية والمسلمة. وتعدّد المبادرات يراد منه كذلك احتواء الأضرار الناتجة من إخفاق إحداها، بحيث تسدّ التجمعات والمشاريع الأخرى الثغرات الناتجة من هذا الفشل. لذا، فإن المبادرات تلك، لا تبغي إدماج الكيان في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) فقط، وإنما تسعى إلى خلق تشابكات إقليمية ودولية عريضة، بحيث تتم التعمية على قضية التطبيع، وتذويبها في مشاريع ذات طابع اقتصادي، أو تجمعات وتفاهمات سياسية يُراد الادعاء أنها تقليدية.

ثانياً: «منتدى النقب»
يضم هذا المنتدى الولايات المتحدة وكيان الاحتلال ومصر، إضافة إلى الدول الثلاث التي وقّعت «اتفاقات أبراهام» في أيلول 2020، وهي الإمارات والبحرين والمغرب. وعُقد أول اجتماع لوزراء خارجية المنتدى في صحراء النقب في قلب الكيان، في آذار 2022. ولمحاذير داخلية، لم يشترك الأردن في هذا التجمّع، الذي يقفز على حقوق الفلسطينيين صراحة، ويتجاهل حتى رأي السلطة التي تقول إنها لم تكن مرتاحة إلى «اتفاقات أبراهام». وأهم ما يسعى إليه المنتدى، تكريس اتفاقات التطبيع، وزيادة سخونته، وتحويله واقعاً جيوسياسياً وثقافياً واقتصادياً، إضافة، بطبيعة الحال، إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية، والتكتل بوجه إيران، والتعاون في مشاريع تجارية واقتصادية وأمنية.
 


ثالثاً: تحالف «I2U2»
يتشكّل هذا الحلف من أميركا والهند وإسرائيل والإمارات، التي تبدو مشاركة في كل المبادرات، وغايته الاستثمار في مجالات متعدّدة من الطاقة إلى الغذاء. وفيما توفّر الإمارات المال في مشاريع زراعية في الهند، تقدّم الأخيرة الأراضي أو الأيدي العاملة الرخيصة. وقد عُقد اجتماع بين قيادات «I2U2» في صيف 2022، تم خلاله الإعلان عن جملة من المشاريع والقرارات الساعية إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة: إدماج الكيان، وتعزيز الهند كمنافس للصين، والإضرار بمحور المقاومة. ويمكن اعتبار الإمارات ممثلاً للمحور السعودي، وعموده الفقري الرياض وأبو ظبي والقاهرة والمنامة.

رابعاً: الخليج والكيان ممراً
جاء إعلان الممر الاقتصادي الذي يُفترض أن يربط الهند بالاتحاد الأوروبي عبر الخليج والكيان، من قبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في قمة العشرين التي انعقدت في الهند في أيلول 2023. ويتضمّن المشروع إنشاء طرق لنقل البضائع والطاقة الجديدة. وهو إذ يسعى إلى التضييق على الصين، فإنه يفتح باباً واسعاً لإدماج الكيان في المنطقة، إذ يمر بميناء حيفا، فضلاً عن كونه يهمّش بغداد وبيروت والقاهرة. وقبل أيام، وقع رئيس وزراء الهندي، ناريندرا مودي، اتفاقاً في الإمارات بشأن هذا الممر. وإذ يكثر الحديث عن الانفتاح السعودي شرقاً، فإن ذلك الانفتاح يتم مع حلفاء واشنطن: اليابان وكوريا الجنوبية والهند، إضافة إلى الصين التي لا يمكن تجاوزها. وتسعى المشاريع الأميركية المتعدّدة، هذه وغيرها، للإضرار بمشروع «الحزام والطريق» الصيني العملاق.

خامساً: التطبيع المباشر
رغم الطرق الالتفافية تلك، والهادفة إلى فتح قنوات غير مباشرة لتعاون اقتصادي وأمني بين حلفاء واشنطن العرب والصهاينة، يتّضح أن ذلك لا يغني عن تبادل السفراء بين هذه الأطراف. ومن هنا، ينصب التركيز الأميركي على إقامة علاقات ديبلوماسية بين الرياض وتل أبيب، تضع حداً للمقاومة الفلسطينية المزعجة للبيت الأبيض، كما للقصر السعودي. ويحاول الرئيس جو بايدن القفز على استحقاقات «طوفان الأقصى»، والهروب إلى الأمام، والعمل على رفع علم الكيان في الرياض. لكنه هو نفسه مهدّد بالسقوط تحت ضربات دونالد ترمب في واشنطن، ولن يأسف بنيامين نتنياهو لحصول ذلك. هذه المعطيات، وأخرى كثيرة، لا تدع مجالاً للشك في أن الدولة الفلسطينية غير مدرجة على جدول أعمال المحور السعودي، الذي طبّعت أطرافه كافة، في موقف يعبّر عن الرياض، الساعية هي الأخرى إلى تحقيق مكاسب خاصة بها في أي صفقة تطبيع مرتقبة. وحتى وإن تأخر التطبيع، فإن القنوات الخلفية كفيلة بتعزيز العلاقات بين تل أبيب والرياض.