«الحياد» في البحر الأحمر: السعودية فهمت الدرس

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 633
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تنظر السعودية بنوع من الشماتة السياسية إلى حليفتها الولايات المتحدة، وهي تتورّط في الصراع القائم مع حركة «أنصار الله» في البحر الأحمر، من دون أن تجد أي إمكانية للخروج، في ما يشبه الورطة نفسها التي علق بها السعوديون لسنوات. ولعلّها المرة الأولى منذ عقود التي تنجح فيها الرياض في التحلّل من أعباء التحالف مع واشنطن، وتطبّق مبدأ «السعودية أولاً»، وتظهر وكأنها تمسك بالعصا من الوسط، فلا هي قطعت مع الأميركيّين، ولا انحازت إلى اليمن بالتزامه الدفاع عن القضية الفلسطينية. وعن هذا «الحياد»، لا يزال مقال الكاتب السياسي السعودي المقرّب من دوائر القرار في المملكة، عبد الرحمن الراشد، في صحيفة «الشرق الأوسط»، في تاريخ 16 الجاري، يثير كثيراً من الجدل في اليمن والخليج، كونه يعكس، من وجهة نظر مراقبين ومسؤولين في المنطقة، التوجّه السعودي العام، القائم على التخلّص من تبعات الحرب مع اليمن، والتوازن في العلاقة بين الحليفة الإستراتيجية واشنطن والجارة طهران، بما يخدم المصلحة السعودية. وذلك ما عبّر الكاتب عنه بالقول: «في حرب اليمن كانت السعودية، بمواجهتها مع الحوثي، آنذاك، تدافع عن نفسها بالدرجة الأولى، وعن استقرار اليمن، والأمن الإقليمي وحماية الملاحة في البحر الأحمر الذي يمثّل شرياناً مهمّاً للسعودية والعالم. اليوم خيار الرياض أن تحافظ على العلاقة مع الحوثي، وحتى مع إيران، ويصبح تأمين الملاحة قضية دولية».
ولم يمضِ وقت طويل حتى تظهّر الموقف السعودي رسمياً بشكل لا لبس فيه، حين ربط وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، في دافوس، مباشرة بين الأمن في البحر الأحمر ووقف إطلاق النار في غزة. ويبدو أنّ مجموعة من العوامل أدت إلى اتخاذ الرياض موقف الحياد، الذي يظهر تكتيكياً أقرب إلى صنعاء من واشنطن. إذ إن متطلّبات التحالف الأميركي - السعودي توجب على المملكة الالتحاق بحلف «حارس الازدهار»، ولكن تجربة الحرب مع اليمن، والتي استمرّت ما يقرب من عقد، وما تعرّضت له السعودية فيها من خذلان من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة جعلها تلاقي الهزيمة المرّة هناك، بل ومن ابتزاز سياسي ومالي دائم من جانب واشنطن، تحملها على رفض الانجرار مع الأخيرة لضرب «أنصار الله» في اليمن.

والواقع أن ثمة اعتقاداً في دوائر القرار السعودي بأن عدم التدخل الأميركي المباشر في حرب اليمن، أدى إلى خسارة المملكة للحرب (تعتبر القيادة السعودية أن المعونة الاستخباراتية والفنية واللوجستية والاستشارية الأميركية، فضلاً عن التبنّي السياسي الكامل وصفقات التسلح الأميركي، كلّها لم تكن كافية للفوز). ولعلّ أكثر ما حفر عميقاً في وجدان الرياض، تخلّي واشنطن عن حمايتها أثناء هجمات «أرامكو» عام 2019، الأمر الذي أفقد اتفاقية الحماية بين البلدين، والمعمول بها منذ خمسينيات القرن الماضي، أي معنى.
ومن هنا، سارعت السعودية إلى إعادة ضبط سياستها الخارجية في السنوات التالية، ساعية إلى حلول ديبلوماسية لمشكلاتها الإقليمية بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة لإنقاذها.
ويشير تعاطي السعودية مع أحداث البحر الأحمر إلى أنها استخلصت العبر، وامتلكت خبرة سياسية واسعة جعلتها تنظر إلى مصالحها أولاً. وعلى هذا الأساس، عزلت نفسها عن التصعيد، خصوصاً أنها تعتقد أن الولايات المتحدة لا تزال تمارس سياسة الابتزاز معها، عبر محاولة ربط محادثات السلام التي تجري مع اليمن، بالتوتر الحاصل حالياً في البحر الأحمر، بينما تعتبر المملكة أنّ مفاوضات السلام منفصلة عنه. وقد شعر المسؤولون السعوديون، بالفعل، بأن زيارة المبعوث الأميركي لليمن، تيم ليندركينغ، الأخيرة إلى المنطقة، قائمة على فكرة واحدة، وهي جعل مسار السلام اليمني - السعودي ورقة تفاوض بيد واشنطن، تُستخدم لرفع الحصار اليمني عن إسرائيل، من دون أيّ مراعاة لمصالح الطرفين المعنيّين بالحرب، أي صنعاء والرياض. لا بل إن هناك عملاً حثيثاً تقوم به الولايات المتحدة عبر وكلائها الإماراتيين والمحليّين في اليمن لإعادة شبح الحرب وإشعال الصراع المحلي، وبالتالي إنهاء الهدنة بشكل فعلي.
في المقابل، تقوم سياسة المملكة الحالية على مراعاة مجموعة من المصالح، منها اليمنية والإيرانية (ثمة تواصل سعودي - إيراني دائم وبالعمق، وكذلك تواصل سعودي - يمني مباشر أو بواسطة سلطنة عمان)، فيما أدى رفض الانخراط في تحالف «حارس الازدهار» الذي كان مخطّطاً أن يستفيد من الأراضي والمقدّرات السعودية، إلى اطمئنان السعودية إلى تأمين عدد من الثغرات ونقاط الضعف، وتحييد منشآتها الحيوية وحدودها مع اليمن عن التوتير الحاصل في المنطقة.