بعد 5 سنوات من مقتل خاشقجي.. كيف يمكن للديمقراطيات محاسبة السعودية على انتهاكاتها؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 915
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

قبل 5 سنوات من الآن، قُتل جمال خاشقجي، الناشط السعودي البارز والصحفي الذي يعيش في الولايات المتحدة، بوحشية على يد فريق اغتيال ينفذ أوامر الحكومة السعودية، وكان خنقه وتقطيع أوصاله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول بمثابة تذكير مروع بالمخاطر التي يواجهها المعارضون حتى أولئك الذين فروا من الأنظمة الاستبدادية إلى الخارج.

يرى مقال مايكل إبراموفيتز في "فريدم هاوس"، والذي ترجمه "الخليج الجديد"، أنه بالرغم من التقييم القاطع الذي أجرته وكالات الاستخبارات الأمريكية بأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وافق على عملية قتل خاشقجي، إلا أنه لم يواجه أي مساءلة ذات معنى. ومما يثير القلق أن الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات الرائدة تسعى في الواقع إلى إقامة علاقات دبلوماسية وثقافية أوثق مع السعودية، حتى مع تفاقم حملتها ضد المعارضة.

ووفقا للمقال، يعزز ذلك الرسالة القائلة بأنه إذا كان النظام الاستبدادي ذا أهمية استراتيجية لأسباب أمنية أو اقتصادية أو غيرها من الأسباب الجيوسياسية، فإن الديمقراطيات سوف تغض الطرف عن انتهاكاته الفظيعة لحقوق الإنسان.

وفي حين نالت الإصلاحات الاجتماعية التي أجراها بن سلمان الثناء في بعض الأوساط، فإن السعودية تظل واحدة من أقل البلدان حرية في العالم، مع تقييد جميع الحقوق المدنية والسياسية تقريبًا.

ويضيف أنه في عهد بن سلمان قامت الدولة السعودية بقمع الخطاب النقدي بشراسة، بما في ذلك عن طريق مضايقة وترهيب مواطنيها الذين يعيشون في الخارج.

ويعتقد الكاتب أنه قد يكون مقتل خاشقجي أشهر حالات القمع العابر للحدود الوطنية من قبل النظام السعودي، لكنه مجرد غيض من فيض. في عام 2018، احتجزت السلطات في الإمارات الناشطة بمجال حقوق المرأة لجين الهذلول وأعادتها قسراً إلى السعودية، حيث تعرضت للحبس الانفرادي والتعذيب والتحرش الجنسي خلال فترة سجنها الأولية البالغة 10 أشهر.

وعلى الرغم من أن السلطات أوقفت حكم سجنها في عام 2021، إلا أنها لا تزال تحت المراقبة ولا يمكنها مغادرة المملكة. في الشهر الماضي فقط، حُكم على المراهقة السعودية، منال الغفيري، بالسجن لمدة 18 عامًا لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي ما يدعم السجناء السياسيين السعوديين.

حتى أفراد العائلة الحاكمة

ويشير المقال إلى أنه حتى أفراد العائلة المالكة السعودية ليسوا آمنين. فبين عامي 2015 و2017، اختفى 3 أمراء سعوديين بشكل غامض، وكانوا جميعًا قد تحدثوا سابقًا أو تصرفوا ضد النظام.

كان أعلى الثلاثة رتبة هو الأمير سلطان بن تركي، المقيم في جنيف ويشن حملة من أجل الإصلاح السياسي السعودي ويقاضي الحكومة بتهمة اختطافه في عام 2003؛ عندما اختفى دون أن يترك أي أثر بعد ذلك، حيث صعد على متن طائرة حكومية في باريس، معتقدًا أنه سيزور والده في القاهرة.

وتستمر السلطات في الاعتقال التعسفي للمعارضين السلميين ومحاكمتهم وإدانتهم. وإحدى الحالات المعبرة تتعلق بسلمى الشهاب، مواطنة سعودية وأم لطفلين صغيرين كانت تدرس طب الأسنان في المملكة المتحدة.

عندما زارت عائلتها في السعودية، استدعتها السلطات بشكل غير متوقع للاستجواب واعتقلتها بتهم غامضة تتعلق بتعريض الأمن القومي للخطر. وكانت جريمتها المفترضة هي مشاركة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل آخرين يدافعون عن حق المرأة في قيادة السيارة وإطلاق سراح الناشطين مثل الهذلول.

وبعد أن أمضت 285 يومًا في الحبس الاحتياطي، تلقت في البداية حكمًا بالسجن لمدة 34 عامًا وحظر سفر لمدة 34 عامًا. وأدت إعادة المحاكمة إلى خفض الحكم الصادر بحقها إلى السجن 27 عاما والمنع من السفر لمدة 27 عاما. وسيكون أطفالها في الثلاثينيات من عمرهم عندما يتم إطلاق سراحها، وقد بدأ زوجها إجراءات الطلاق.

وفي تصعيد مقلق لحملة النظام على حرية التعبير، حكمت محكمة سعودية مؤخراً على محمد الغامدي، وهو مدرس متقاعد يبلغ من العمر 54 عاماً، بالإعدام استناداً فقط إلى أنشطته على وسائل التواصل الاجتماعي.

واعتقلت السلطات الغامدي في يونيو/حزيران 2022 واحتجزته في الحبس الانفرادي لمدة 4 أشهر دون تمثيل قانوني. وكانت منشوراته على الإنترنت -معظمها عبارة عن إعادة نشر لتعليقات مستخدمين آخرين مناهضة للحكومة، لجمهور مكون من ثمانية متابعين فقط- بمثابة الدليل الأساسي على إدانته بتهم متعددة، بما في ذلك تقويض النظام الملكي ودعم الأيديولوجيات الإرهابية. وقد تدهورت صحته بشكل كبير منذ اعتقاله، وحرمته السلطات من الأدوية الأساسية.

ويرى المقال أن قضية الغامدي قد تكون أيضًا جزءًا من استراتيجية القيادة السعودية الأوسع للقمع العابر للحدود الوطنية، حيث يعد تخويف الأسرة تكتيكًا راسخًا. وزعم شقيقه، سعيد بن ناصر الغامدي، الذي يعيش في بريطانيا وهو من أشد منتقدي حكومة المملكة، أن الحكم المشدد يهدف إلى إجباره على العودة إلى البلاد.

ويعتقد الكاتب أن انتهاكات النظام السعودي "الوقحة" في الداخل والخارج تشكل تهديدا خطيرا للديمقراطية العالمية، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان.

وكل ذلك يحدث وسط حملة علاقات عامة سعودية ممولة بسخاء، والتي تستخدم بشكل كبير الرياضة والدبلوماسية الثقافية، مما يشير إلى أن هذا البريق يكفي لإلهاء المجتمع الدولي حتى عن أبشع أنواع القمع.

بايدن يترك وعوده

يشير المقال إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان مرشحا التزم علناً بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان وجعل المملكة "منبوذة" في المجتمع الدولي، لكن الدفء السريع في العلاقات الأمريكية السعودية يظهر أن إدارته لم تتابع هذه الوعود.

وقال الكاتب إن حكومة الولايات المتحدة، "لا تستطيع ولا ينبغي لها، أن تستسلم للاختيار الزائف بين الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان من ناحية، وضمان الأمن والمصالح الاقتصادية الأمريكية من ناحية أخرى".

وفي الواقع، فإن الأمرين مرتبطان بشكل لا ينفصم، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان تجاهل الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان قد أثار المزيد من التعاون من جانب الحكومة السعودية لإبقاء أسعار النفط منخفضة أو تحدي طموحات إيران الإقليمية، وكلاهما من أولويات السياسة بالنسبة للحكومة الأمريكية.

لكن الأوان لم يفت بعد بالنسبة لواشنطن لمتابعة سياسة أقوى في مجال حقوق الإنسان تجاه السعودية، وفق الكاتب.

ويمثل تحسن العلاقات فرصة للولايات المتحدة والديمقراطيات الشقيقة لاستخدام نفوذها الكبير كشركاء أمنيين وتجاريين للضغط من أجل مزيد من الحرية في المملكة؛ على سبيل المثال، من خلال اشتراط امتياز استضافة المعرض العالمي أكسبو لعام 2030 بشروط فورية لإطلاق سراح السجناء السياسيين.

ويضيف الكاتب أن هناك أيضًا العديد من الإجراءات التي يمكن للديمقراطيات اتخاذها لتكريم إرث جمال خاشقجي وغيره من النشطاء السعوديين الشجعان، خارج نطاق علاقاتهم الدبلوماسية مع النظام.

أولاً وقبل كل شيء، ينبغي للديمقراطيات أن تدعم بصوت عالٍ وواضح المدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، الذين خاطروا بكل شيء من أجل الدعوة إلى إصلاحات ديمقراطية ومستقبل أفضل.

وفي حين أن الهدف الأساسي ينبغي أن يكون تمكينهم من مواصلة عملهم الحيوي في بلدانهم، فإن على الديمقراطيات أيضًا واجب حماية حقوق الناشطين المنفيين من خلال إنشاء "تأشيرة خاصة للمدافعين عن حقوق الإنسان"، وتوفير الدعم المستمر الذي يسمح لهم بالدفاع عن حقوقهم. عليهم العمل دون خوف ومواصلة نضالهم من الخارج.

ويمكن للولايات المتحدة أيضًا تكثيف جهودها لمواجهة القمع العابر للحدود الوطنية؛ وأحد الإجراءات المهمة هو تكريس "حظر خاشقجي" في القانون (المتعلق بالمتهمين في اغتياله). لقد اختارت إدارة بايدن بحق استخدام صلاحياتها الواسعة بموجب قانون الهجرة والجنسية لمنع الأشخاص من دخول الولايات المتحدة إذا شاركوا في "أنشطة جدية لمكافحة المعارضة خارج الحدود الإقليمية" نيابة عن حكومة أجنبية.

وإذا سمح لهم بالدخول فهذا من شأنه أن يضر بمصالح الولايات المتحدة.

ومن شأن تحويل هذه السياسة إلى قانون دائم أن يُلزم الإدارات المستقبلية برفض منح تأشيرات لممثلي النظام الذين قد يستخدمون وجودهم في البلاد لتسهيل القمع العابر للحدود الوطنية أو غيره من انتهاكات حقوق الإنسان.

ويعتقد الكاتب أيضا أن قبول الحكومات والمنظمات الديمقراطية بانضمام النظام السعودي إلى المنظومة الدولية دون مساءلة حقيقية عن جرائمه سيكون خطأً فادحاً، فالدول التي تعامل مواطنيها بمثل هذا الازدراء من المرجح أن تنتهك السلام والأمن الدوليين، كما يوضح غزو موسكو لأوكرانيا.

إن انتهاج سياسة أكثر حزما في التعامل مع السعودية في مجال حقوق الإنسان لن يعيد حقيقة إخلاص الديمقراطيات لقيمها فحسب، بل سيجعلها أيضا أكثر أمنا وازدهارا على المدى الطويل.

 

المصدر | مايكل إبراموفيتز/ فريدم هاوس – ترجمة وتحرير الخليج الجديد