مشروع السعودية النووي.. معياران يحسمان تعاون الولايات المتحدة
رجح خبيران في شؤون الشرق الأوسط ومنع انتشار التسلح النووي أن يتم إشراك الكونجرس الأمريكي مع إدارة الرئيس "جو بايدن" فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة تجاه المشروع السعودي للطاقة الذرية، وإمكانية التعاون مع الرياض مستقبلا في مجال الطاقة النووية، وأشارا إلى معيارين يحسمان هذا التعاون، هما "تخصيب اليورانيوم وإعادته معالجته" داخل المملكة من عدمه.
وذكر الخبير في شؤون الشرق الأوسط "كريستوفر بلانشارد"، والمتخصص في شؤون منع الانتشار النووي "بول كير"، في تحليل نشراه بموقع "أوراسيا ريفيو" وترجمه "الخليج الجديد"، أن السعودية دعت، في مايو/أيار 2022، إلى تقديم عطاءات فنية تتعلق بالتشييد المخطط لمفاعلين نوويين، وفي يناير/كانون الثاني 2023، كرر وزير سعودي نية المملكة استخدام مواردها المحلية لإنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب (LEU) كوقود نووي.
وفي المقابل، سعى الكونجرس والإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى ضمان التزام المملكة بالتخلي عن المنشآت النووية الأكثر حساسية، كتلك الخاصة بتخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك للحصول على البلوتونيوم، والقبول بضمانات دولية مشددة على برنامجها النووي.
وربطت الإدارات الأمريكية السابقة آفاق أي اتفاقية تعاون نووي بين الولايات المتحدة والسعودية بهذه الشروط، وحد الكونجرس من استخدام بعض الأموال لدعم الصادرات النووية الأمريكية المحتملة إلى السعودية ما لم تتعهد المملكة بها.
كما يتوقف مستقبل إبرام هكذا اتفاقية على مدى التعاون النووي المحتمل بين الولايات المتحدة والسعودية، والحصول على التصاريح اللازمة من وزارة الطاقة الأمريكية وموافقة الكونجرس.
الخطط النووية السعودية
في يوليو/تموز 2017، وافقت السعودية على مشروع وطني للطاقة الذرية، بما في ذلك خطط لبناء مفاعلات نووية كبيرة وصغيرة لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه، وهو المشروع الذي يعد جزءا من جهد أوسع للحكومة السعودية لتنويع اقتصاد المملكة وتوسيع استخدام الطاقة غير المستندة إلى الوقود الأحفوري.
وعملت السلطات السعودية على تطوير الأطر القانونية والتنظيمية المطلوبة بدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأكمل مسؤولو الوكالة مراجعة البنية التحتية النووية في المملكة عام 2018 وأصدروا تقريرًا نهائيًا في يناير/كانون الثاني 2019.
وأنشأت المملكة هيئة التنظيم النووي والإشعاعي في مارس/آذار 2018، ثم أنشأت، في مارس/آذار 2022، الشركة السعودية القابضة للطاقة النووية (SNEHC)؛ لتطوير وتشغيل المرافق النووية المخطط لها.
وفي عام 2017، طلبت الحكومة السعودية معلومات تسويقية من الشركات الدولية، المحتملة شراكتها في بناء مفاعل نووي، لكن الأخيرة لم تفِ بجدولها الزمني الأصلي لبدء عملية تقديم العطاءات الرسمية.
وفي مايو/أيار 2022، دعا المسؤولون السعوديون إلى تقديم عطاءات فنية من شركات في روسيا والصين وكوريا الجنوبية تتعلق بالتشييد المخطط لمفاعلين نووين لإنتاج الكهرباء سعة 1.4 جيجا واط في خور دويهين، وهي منطقة ساحلية بين حدود المملكة مع قطر والإمارات.
وبحسب مسؤولين سعوديين، فإن المملكة تعتزم تطوير القدرة على إنتاج الوقود النووي باستخدام الموارد المحلية، وهو ما عبر عنه وزير الطاقة السعودي الأمير "عبدالعزيز بن سلمان آل سعود"، عام 2019، قائلا: "حتى لو قمنا بتوسيع [الطاقة النووية].. نريد أن نذهب إلى الدورة الكاملة لإنتاج وتخصيب اليورانيوم".
كما صرح الوزير السعودي، في يناير/كانون الثاني الماضي، بأن السعودية تعتزم استخدام مواردها المحلية الكبيرة لإنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب.
والسعودية طرف في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ما يلزم حكومتها بقبول ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أي منشآت نووية، وهي الضمانات التي تمثل عقبة كبيرة أمام تطوير الأسلحة النووية.
لكن السعودية لم توقع بروتوكولًا إضافيًا لاتفاقية الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو بروتوكول من شأنه أن يزيد من قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التحقيق في المنشآت والأنشطة النووية غير المعلنة عن طريق توسيع صلاحياتها في تفتيش بعض المرافق النووية وطلب المعلومات.
وفي عام 2020، نفت السلطات السعودية تقارير صحفية زعمت أن المملكة قامت ببناء منشأة لطحن خام أكسيد اليورانيوم بمساعدة صينية، وهي المنشأة التي يجب على السعودية إعلانها، حال وجودها، بموجب اتفاقية ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقد تثير التهديدات لأمن البنية التحتية الحيوية مخاوف بشأن أمن المنشآت النووية السعودية، وهي التهديدات التي طالما أشارت إليها الإدارة الأمريكية، وتتمثل في الجماعات الإرهابية والمليشيات الإقليمية المعادية، والقادرة على شن هجمات صاروخية على المنشآت الحكومية السعودية بدعم من إيران.
التعاون الأمريكي السعودي
في عام 2008، وقعت الولايات المتحدة والسعودية مذكرة تفاهم غير ملزمة تنص على نية ثنائية للتعاون في الأنشطة النووية في مجالات الطب والصناعة وإنتاج الكهرباء.
ونصت المذكرة على نية السعودية "الاعتماد على الأسواق الدولية الحالية لخدمات الوقود النووي كبديل لمتابعة التخصيب وإعادة المعالجة".
وأشركت إدارتا الرئيسين الأمريكيين "باراك أوباما" و"دونالد ترامب" السعودية بشأن آفاق التوصل إلى اتفاقية ثنائية للطاقة النووية المدنية، من خلال المفاوضات الرسمية حول نص "اتفاقية 123" المقترحة في عامي 2012 و 2018.
لكن تقدما في هذا الصدد لم يتم؛ بسبب الخلافات المستمرة حول شروط منع الانتشار النووي، بما في ذلك إصرار الولايات المتحدة على إبرام السعودية لبروتوكول إضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وموافقتها على قيود تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته.
وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في أغسطس/آب 2020، أن الولايات المتحدة "ستولي أهمية كبيرة لاستمرار امتثال السعودية لمعاهدة حظر الانتشار النووي وستسعى إلى اتفاق، مع تدابير حماية قوية لمنع انتشار الأسلحة النووية".
ووفقًا لبيان صادر عن الوزارة، في فبراير/شباط 2023، فإن إدارة بايدن "تظل ملتزمة بالهدف الأمريكي طويل الأمد للحد من انتشار تخصيب اليورانيوم وتقنيات إعادة معالجة الوقود عالميًا، نظرًا لإمكانية تطبيقها التقني على إنتاج المواد الانشطارية"، وبالتالي إنتاج أسلحة نووية.
ومن عام 2017 إلى عام 2019، منحت وزارة الطاقة بالولايات المتحدة 7 تصاريح لشركات الأمريكية كي تشارك في مناقشات نووية مدنية مع السعودية استجابة لطلب المملكة لعام 2017.
وفي عام 2022، وقع المسؤولون الأمريكيون والسعوديون مذكرة تفاهم بشأن تبادل المعلومات الفنية والتعاون في مسائل الأمان النووي.
متطلبات التعاون النووي
غير أن السماح الأمريكي بالمضي قدما في تعاون مع السعودية يخضع لمتطلبات المادة 123 من قانون الطاقة الذرية لعام 1954، التي تحكم اتفاقيات التعاون النووي مع الحكومات الأجنبية.
وتلزم المادة الإدارة الأمريكية بأن تلبي شروط وأحكام ومدة التعاون معايير عدم الانتشار النووي، وأن يتخذ الرئيس قرارًا مكتوبًا مفاده أن الاتفاق المقترح سيعزز الدفاع والأمن المشتركين، ولن يشكل خطرًا.
وبموجب المادة ذاتها، يراجع الكونجرس الاتفاق لفترتين يبلغ مجموعهما 90 يومًا، على أن يصبح الاتفاق ساريا في نهاية الفترة الثانية، ما لم يتبنى الكونجرس قرارًا برفض إقراره.
ويسمح هكذا اتفاق، حال إبرامه، بتعاون محدود يتعلق بتطوير أو إنتاج أي مواد نووية خاصة خارج الولايات المتحدة، وعمليات نقل التكنولوجيا والخدمات النووية غير السرية.
لكن المادة ذاتها تنص على حق الولايات المتحدة في إنهاء التعاون النووي مع اي دولة إذا كانت "تمتلك منشآت نووية حساسة داخل أراضيها أو تشارك بطريقة أخرى في أنشطة تتعلق بتخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود النووي".
(4))
الكونجرس والسياسة الأمريكية
وبينما تدرس السعودية خياراتها للشراكة في الطاقة النووية، يمكن للكونجرس الأمريكي أن يفكر في اتخاذ خطوات للحد من مخاطر الانتشار، أو تعزيز السلامة النووية.
ومنذ عام 2020، يحظر الكونجرس سنويًا تخصيص الأموال لدعم الصادرات النووية إلى السعودية حتى تلتزم المملكة بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته على أراضيها.
وفي هيئة الكونجرس السابقة، قدم نواب مشاريع قوانين من شأنها حظر مبيعات دفاعية معينة من الولايات المتحدة إلى السعودية إذا استوردت المملكة تقنيات تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجته.
ومنذ عام 2018، يقدم بعض النواب الأمريكيين مشاريع قوانين تفرض قرارًا يشترك فيه الكونجرس قبل الموافقة على إبرام اتفاق نووي مع السعودية.
المصدر | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد