بسبب التنافس الأمريكي الصيني.. ناشونال إنترست تحذر الخليج من تقسيم دوله
"على دول الخليج تطوير إطار يؤدي لمنع تحول الخليج لساحة تنافس بين الصين والولايات المتحدة".. هكذا نصحت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية دول الخليج، محذرة من أن تنافس القوى الكبرى على منطقتهم قد تؤدي إلى تقسيم دولها.
المجلة أشارت في تقريرها إلى زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" للسعودية الشهر الماضي، ودعوته تحسين علاقات بلاده مع دول الخليجية، وبناء علاقات أمنية بين الأطراف جميعها، لافتا إلى أن الطرفين هما "شريكان طبيعيان" للتعاون.
واقترح "شي" حينها 5 مجالات للتعاون: الطاقة، المال والاستثمار، والإبداع والتكنولوجيا، والفضاء، اللغة والثقافة.
لم تقدم القمة أية شراكة استراتيجية صلبة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، كما لم يعلن عن شيء في مجال التعاون الأمني.
وأمام ذلك، دعا التقرير إلى "نظرة قريبة" للزيارة، لافتا إلى أن العلاقات التجارية الخليجية مع الصين ستساعد على تنويع اقتصاداتها، التي تعتمد في الجزء الأكبر على الموارد النفطية.
وأضاف: "الأهم من كل هذا، النظر إلى سياق التنافس العالمي، ففي منطقة الخليج، ظلت الولايات المتحدة اللاعب الخارجي المهيمن لعدة عقود، في وقت حاولت الصين تأمين منفذ لمصادر الطاقة، ووسّعت مداها التجاري، وعززت من تأثيرها الإستراتيجي".
وفي الوقت الذي تعتقد فيه الصين أن الولايات المتحدة هي قوة في حالة تراجع، فإن نهجها لتحقيق التأثير الأكبر ظل حذراً ومتردداً، فمحاولة إثارة عدم الاستقرار لن تنفع الصين، التي لا تملك الاستعداد والقدرة على ملء الفراغ الأمني الذي لعبته الولايات المتحدة.
وبدلاً من ذلك، حسب التقرير، قامت الصين بتطوير شراكات مع دول مجلس التعاون الرئيسية، والتي قد يؤدي دعمها إلى تعزيز قوتها ويسمح لها بإظهار التأثير في مجالات جديدة.
ويشير هذا إلى أن الصين مصرة على تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة، ولا تريد التورط في نزاعات متعددة الجوانب.
ووفق "ناشونال إنترست"، تفضل الصين تبنّي عدم التدخل، بشكل يجعلها حيادية في الكثير من النزاعات الإقليمية، وتستفيد في الوقت نفسه من الفرص الإستراتيجية والاقتصادية.
ومن هنا فإن مشاريع الحزام والطريق في الخليج تهدف بشكل رئيسي لإظهار تأثير الصين الكبير في المنطقة.
وتعتبر سياسة عدم التدخل ضرورية لضمان نجاح مبادرة الحزام والطريق والالتزام بالحيادية، وعدم تنفير أحد.
وفي نفس الوقت، ترى ملكيات الخليج في الصين نموذجاً يحتذى به في مجال التجارة لا تتدخل في الشؤون المحلية، وقوة عظمى لها حضور دولي وتأثير سياسي.
وتدير الصين علاقاتها مع دول الخليج من خلال الشراكات الدبلوماسية بدلاً من التحالفات السياسية، وهذه العلاقات ليست تحالفات لأن بكين تتردد في إقامة تحالفات رسمية.
ووقعت الصين سلسلة من الشراكات الإستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، فصّلت فيها استثمارات اقتصادية مهمة وتجارية في إطار مبادرة الحزام والطريق، بما في ذلك شراكة إستراتيجية شاملة مع الإمارات والسعودية، أكبر دولتين في الخليج، إضافة لشراكات اقتصادية مع الكويت وعمان وقطر.
ومن المهم الملاحظة، والحديث للتقرير، أن شراكة الصين الدبلوماسية مع دول الخليج هي ثنائية، وتعتمد على تعميق العلاقات الثنائية والشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة الموجودين لتوسيع تأثيرها ووصولها للطاقة بدون المواجهة مع واشنطن.
إلا أن تراجع هيمنة أمريكا في الخليج، والذي يحصل في وقت توسع التأثير الصيني، قد يؤدي إلى زعزعة مستوى القوة في المنطقة.
ففي الوقت الذي تحاول فيه دول الخليج الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع واشنطن، فإن هناك بعضاً من دول مجلس التعاون (الإمارات والسعودية) تحاول إحاطة نفسها ضد التهديدات والتغير المتواصل في ميزان القوة، من خلال بناء علاقات مع القوى الأخرى.
وتهدف سياسة التحوّط هذه لاستخدام الصين كدعم إضافي سياسي واقتصادي، وكوسيلة للضغط على واشنطن لتعديل سياستها.
ويرى أن تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، أصبح دينامية مهمة على المسرح العالمي وتشكل النظام العالمي.
وما بين واشنطن القلقة وبكين الحازمة، وجدت دول الخليج نفسها أمام خيار بين حليفتها الإستراتيجية وحليفتها الاقتصادية.
إلا أن الشراكة الصينية ودول مجلس التعاون الخليجي، لن تحددها ما تريد القوة العظمى من دول الخليج، بل ما تتوقعه هذه الدول من القوة العظمى.
ومع أن القمة ركزت على الوحدة بين دول الخليج، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست لديها فكرة متماسكة حول طريقة التعامل مع الصين.
وصحيح أن دول الخليج تشترك في رؤية متشككة بمستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة، إلا أن رؤيتها للصين، وما يتعلق بتنافس القوى العظمى، مختلفة.
وحسب "ناشونال إنترست"، يمكن تقسيم الآراء هذه إلى ثلاث مجموعات:
الأولى وهي "الدول المتحوطة"، والتي تضم السعودية والإمارات، كلاهما تحاولان التحوط، وبشكل مفتوح، ضد انسحاب أمريكا من الخليج.
ولكنهما دمجا عنصراً في الشراكة الإستراتيجية في التعامل مع الصين.
وتريد كل من أبوظبي والرياض تنويع مصادر السلاح، وتمثل الصين مصدراً بديلاً عن واشنطن التي ترفض بيعهما أنواعاً معينة من السلاح.
أما المجموعة الثانية، فهي "دول التوازن"، وهما قطر وعمان، وكلاهما بنى علاقات قوية مع الصين من خلال فتح البنى التحتية الوطنية أمام الاستثمار الصيني، لكنهما اتسمتا بالحذر تجاه التنافس بين القوى العظمى، فهما تحتفظان بعلاقات عسكرية مع واشنطن.
ورفعت قطر موقعها كحليف لأمريكا من دول غير الناتو نظراً للدور الذي لعبته في عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021.
ولم تتردد عمان في شراء السلاح الصيني، خلافاً لقطر، واشترت صواريخ باليستية من بكين، ووقعت إطاراً إستراتيجياً جديداً مع واشنطن عام 2019، أعطى البحرية الأمريكية منفذاً على ميناء دوقم العماني.
أما المجموعة الثالثة هي "الدول الحذرة"، بما فيها الكويت والبحرين، فكلاهما فتح أبوابه للاستثمار الصيني، لكن مع الابتعاد عن تحويل الشراكة إلى علاقة أمنية، وكلاهما يرى في الحماية الأمريكية ضرورة لأمنهما.
وهناك 13.500 جندي أمريكي في الكويت، فيما تستقبل البحرين الأسطول الخامس الأمريكي، وكلاهما لديه الكثير ليخسره من خلال تعميق العلاقة مع الصين.
وفي ظل الخلاف في المناهج بين دول الخليج من الصين، فإن من الصعب التكهن بمستقبل العلاقات الصينية الخليجية.
ووسط التنافس بين القوى الكبرى، وما نجم عن حرب أوكرانيا، فإن دول الخليج أجبرت على التعامل مع حليف تجاري وحليف أمني وعسكري.
وختم التقرير حديثه بالقول: "يجب على دول الخليج تطوير إطار دبلوماسي لمعالجة الخلافات في السياسة الخارجية، ومنع تحول المنطقة لميدان صراع بين واشنطن وبكين"، محذرا من أن فشل دول الخليج في عمل هذا، فإن "التنافس بين دول الجيران قد يظهر بتداعيات غير متوقعة للمنطقة".
المصدر | الخليج الجديد