الخليج يستعرض عضلاته.. الأبعاد الجيوسياسية لقرار أوبك+ الأخير

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 970
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بعد نحو شهر من قرار "أوبك+" خفض إنتاج النفط بنحو 2 مليون برميل يوميا، ما زالت تداعيات القرار تؤثر على علاقات الولايات المتحدة مع بعض دول الخليج.

وكشف القرار أن بعض دول الخليج أصبحت أقل خجلًا في تحدي المصالح الأمريكية وسط التوترات المحيطة بغزو روسيا لأوكرانيا.

وانتقد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" القرار باعتباره "قصير النظر"، واتهم تكتل "أوبك+" بالانحياز إلى روسيا والصين. 

وتعهد "بايدن" بفرض "عواقب" على السعودية لتعاونها مع روسيا، كما أعلنت إدارته أنها ستشرع في إعادة تقييم العلاقة مع الرياض، فيما دعا المشرعون الديمقراطيون إلى تعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية.

وبالرغم من انتقادات واشنطن، حاولت السعودية (الزعيمة الفعلية لأوبك) التأكيد على أن دوافع القرار اقتصادية وفنية وليست سياسية.

ولكن بغض النظر عن محاولات السعودية طمأنة واشنطن، فإن التداعيات الجيوسياسية لهذا القرار قد تكون شديدة.

 

الخليج يعيد ترتيب تحالفاته؟

سعت دول مجلس التعاون الخليجي ظاهريًا إلى إيجاد أرضية وسط بين روسيا والولايات المتحدة خلال أزمة أوكرانيا.

وقد صورت السرديات الشعبية أن السعودية والإمارات تتخذان مسافة من واشنطن وتقتربان من "الشرق" - أيّ روسيا والصين - في وقت يتراجع فيه اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تزال أقوى قوة في المنطقة، وما زالت العلاقات الأمنية والدفاعية بين واشنطن ومجلس التعاون الخليجي عميقة، فيما لا تقدم روسيا والصين حاليًا نفس الحماية الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية مثل المملكة المتحدة وفرنسا.

ومن الناحية العملية، فإن التكتل النفطي يتكيف مع عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد، حيث يوفر صعود روسيا والصين على المسرح العالمي آفاقًا جديدة للتعاون في مجال الطاقة وغيره من القطاعات.

في وقت سابق من الحرب، رفعت السعودية إنتاجها قليلاً لإرضاء الولايات المتحدة؛ لكن المملكة عكست المسار بسرعة وقلصت إنتاج النفط، مما مكّنها من تحقيق أرباح هائلة بسرعة وأفاد روسيا أيضا.

ويمكن القول إن السعودية تنحاز حاليًا لروسيا لأن كلا البلدين يستفيدان بشكل كبير من ارتفاع أسعار النفط.

ومع ذلك، تدعي الدول الأعضاء في "أوبك+" أن قرارات التكتل لا تحركها السياسة، وعلى سبيل المثال قال وزير النفط الكويتي إن "أوبك+" تسعى إلى استقرار أسواق النفط من خلال كبح الإنتاج الزائد وتحقيق "التوازن بين العرض والطلب".

ومع المخاوف من الركود الاقتصادي، فإن لدى دول الخليج دافع أكبر للحفاظ على ارتفاع الأسعار لامتصاص ضربة الانهيار الوشيك في الطلب على النفط.

لذلك، فإن التخفيض ليس طعنة في ظهر الولايات المتحدة بقدر ما هو بمحاولة لحماية المصالح الاقتصادية لدول مجلس التعاون والحفاظ على اتفاق "أوبك+" مع روسيا.

علاوة على ذلك، فإن قرار تخفيض الإنتاج حظي بدعم الدول الأخرى في "أوبك" و "أوبك+"، مما يدل على أن هذا القرار يتجاوز علاقات دول مجلس التعاون بواشنطن.

 

النفوذ الخليجي الجيوسياسي

أبرزت الأضرار الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة استمرار اعتماد العالم على الطاقة غير المتجددة.

وطالما استمر هذا الاعتماد، فستستمر دول الخليج البارزة - مثل السعودية والعراق والإمارات والكويت وقطر - في امتلاك نفوذ من نوع فريد.

ومع اتجاه الاتحاد الأوروبي للتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي، فقد تحول إلى مجلس التعاون الخليجي للحصول على المساعدة، مما يوفر للمجلس ميزة اقتصادية وجيوسياسية جديدة.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قام المستشار الألماني "أولاف شولتس" بجولة في مجلس التعاون الخليجي، في إطار المساعي لتشكيل شراكات طاقة جديدة لألمانيا ومنطقة اليورو.

وأثبتت زيارة "شولتس" أنها مثمرة، حيث حصلت برلين وبروكسل على عقود جديدة.

وعلى سبيل المثال، اتفقت شركة المرافق الألمانية "RWE" وشركة أبوظبي الوطنية للنفط على توريد 137 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا.

وهاجم النقاد "شولتس" والقادة الأوروبيين الآخرين لتجاهلهم ملف حقوق الإنسان من أجل مصالحهم المتعلقة بالطاقة.

ورغم هذه الانتقادات، من المرجح أن يحسن الاتحاد الأوروبي لهجته تجاه دول مجلس التعاون الخليجي ويتبنى خطابا أكثر ودية، مع دخول فصل الشتاء وسط ظروف غير مسبوقة.

 

التكيف مع عالم متعدد الأقطاب

في مارس/آذار الماضي، نظرت السعودية في احتمال بيع النفط إلى الصين باليوان بدلاً من الدولار.

وأشارت هذه الخطوة إلى أن المملكة تشعر بمزيد من الثقة في إمكانية تصدير النفط وفق شروطها الخاصة، بدلاً من العمل في ظل الهيمنة الأمريكية التقليدية على السوق.

وطورت الإمارات وروسيا شراكة معلنة في مختلف المجالات الجيوسياسية أيضًا.

وحتى قبل حرب أوكرانيا، عمقت موسكو وأبوظبي من تعاونهما في سوريا، وانخرطتا مع نظام "بشار الأسد" رغم عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دمشق.

وبالنظر إلى تردد أبوظبي في إدانة دور موسكو في أوكرانيا منذ بداية الصراع وكذلك فتح أبوابها أمام الأوليجارش الروس، يبدو أن أبوظبي أصبحت أقل استعدادا للتجاوب مع  ضغط واشنطن وسط التوترات العالمية حول أوكرانيا.

وبعد أسبوع واحد من قرار "أوبك+"، زار رئيس الإمارات "محمد بن زايد" موسكو والتقى بنظيره الروسي "فلاديمير بوتين".

وخلال اللقاء، كرر "بن زايد" الرسائل السابقة الصادرة عن "أوبك+"؛ قائلًا: "قراراتنا ليست موجهة ضد أي أحد".

وبدأ التوتر بين السعودية وإدارة "بايدن" في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عندما تعهد "بايدن"، الذي كان ما يزال مرشحًا آنذاك، بجعل السعودية "منبوذة".

وبالرغم أن زيارة "بايدن" إلى المملكة في يوليو/تموز خففت التوتر بين الرياض وواشنطن، إلا أن قرار "أوبك+" ألقى بظلال الشك مرة أخرى على العلاقات بين الدولتين وكشف هشاشة هذه العلاقات أمام أي أزمة دبلوماسية.

وفي حين أن إدارة "بايدن" تشعر بالاستياء تجاه السعودية، إلا أنها ستحتاج إلى أن تخطو بحذر لضمان ألا تهدد العلاقات مع الرياض بشكل خطير، خاصةً في الوقت الذي تسعى فيه الصين وروسيا لتعزيز نفوذهما في الخليج.

وفي غضون ذلك، فإن موقف "بايدن" المتأرجح تجاه السعودية - من إدانتها كدولة منبوذة إلى السعي للتقارب مع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في يوليو/تموز الماضي ثم العودة مجددا إلى التوترات بعد قرار أوبك+ - قد يعكس تراجع نفوذ واشنطن على الرياض.

ومن الواضح أن احتياجات دول مجلس التعاون الخليجي و"أوبك" تتجاوز التوترات الجيوسياسية العالمية.

وعلى الأقل؛ ستحاول السعودية والإمارات تحدي المفهوم التقليدي للعلاقة التي قد تبدو علاقة "الراعي والتابع"، للتأكيد على أن العلاقة يجب أن تكون مبنية على الشراكة والمصالح المتبادلة.

في نهاية المطاف، تُظهر الأحداث الأخيرة بما لا يدع مجالا للشك أن دول الخليج أصبحت أكثر استعدادًا على تحدي واشنطن من زجل مصالحها الخاصة.

 

المصدر | جوناثان فنتون هارفي/ منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد