حسني محلي: إردوغان في جدة.. هل اعتذر إلى بن سلمان؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1409
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

حسني محلي

ليست قضية دولارات، بل أبعد من ذلك كثيراً، ما دامت تهدف إلى تسويق المعادلة الإقليمية الجديدة في حلة سعودية معترف بها إقليمياً.

من الغريب أن المتحدث باسم الرئاسة التركية لم يعلن رسمياً موعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لجدة إلّا بعد توزيع الخبر في وكالة” رويترز”، نقلاً “عن مصدرين موثوقين”. وجاء فيه ان إردوغان سيزور السعودية الخميس. وهو ما تحقق على الرغم من حديث الإعلام التركي المعارض عن “تردد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في استقبال إردوغان، من أجل رفع سقف المساومات والحصول على مزيد من التنازلات، بما فيها اعتذار إردوغان إليه شخصياً”، بعد أن قال عنه ما قاله في إثر جريمة جمال خاشقجي في إسطنبول، بتاريخ الـ2 من تشرين الأول/أكتوبر 2018.

ونشرت وسائل الإعلام التركية المعارضة وشبكات التواصل الاجتماعي، الخميس والجمعة، مقاطع مكتوبة ومصوّرة عمّا قاله إردوغان بعد ذلك التاريخ، إذ حمّل ابنَ سلمان مسؤولية مقتل خاشقجي، وسلّم ترامب الملف الخاص بالجريمة عندما التقاه في باريس (10 تشرين الثاني/نوفمبر 2018) خلال الاحتفالات الخاصة بنهاية الحرب العالمية الأولى، التي هُزمت فيها الدولة العثمانية، حليفة ألمانيا، وأدّى ذلك إلى انهيار الدولة العثمانية واحتلال تركيا الحالية من جانب فرنسا وإيطاليا واليونان وبريطانيا.

أحزاب المعارضة، التي ذكّرت إردوغان بأقواله السابقة، وقراره إغلاق ملف القضية في المحاكم التركية، وإرسال الملف إلى السعودية، أشارت إلى أن إردوغان فعل ذلك في مقابل استقبال ابن سلمان له في جدة، “بعد أن أجبره على المجيء إلى قصره، وهو الذي قال عنه إنه قاتل ومجرم”، والقول هنا للجنرال المتقاعد، خلدون صولماز تورك، الذي علّق على صورة احتضان إردوغان لابن سلمان بحفاوة والانحناء أمامه، وقال “هذا هو إسلام إردوغان السياسي”.

وذكّرت الأوساط السياسية بمشاهد مماثلة بين الرئيس إردوغان ومحمد بن زايد، الذي قال عنه الإعلام الموالي لإردوغان إنه “عديم الشرف”، واتهمه، ومعه وزير الداخلية سليمان صويلو، بدعم الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو 2016 وتمويله، لكنه استُقبل استقبالاً حافلاً في أنقرة في الـ24 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

الاعتذار الآخر قد يكون وارداً في مصالحة الرئيس إردوغان مع “إسرائيل”، التي اتهمها إردوغان عشرات المرات بالقتل والإجرام والإرهاب، ثم عاد ليتّهم الشبان الفلسطينييبن بالإرهاب بعد العمليات البطولية الأخيرة في “تل أبيب”. على أن يكون الرئيس السيسي هو “الرابع في مسلسل المصالحة والاعتذار”، وفق كلام المعارضة التي تذكّر الجميع بشعار رابعة الذي رفعه إردوغان بعد أحداث جامع رابعة العدوية في القاهرة، بعد إطاحة حكم الإخوان في الـ3 من تموز/يوليو 2013.

فإردوغان، الذي لم يعد يتذكر شعار رابعة الذي تبناه كل الإسلاميين في المنطقة والعالم، يستمر في رفع يده اليمنى بأصابعه الأربع، ليقول إن ما يقصده بذلك هو “وطن واحد، علم واحد، دولة واحدة، وأمة واحدة”، في محاولة منه لدغدغة المشاعر القومية لأتباعه وأنصاره.

وليس واضحاً بعدُ كيف سيوازن إردوغان بين علاقاته بالرباعي الجديد وبحليفه الاستراتيجي قطر، التي أرسل إليها جيشه لحمايتها من “العدوان السعودي – الإماراتي – البحريني المدعوم من مصر وإسرائيل”، وذلك بحسب أقوال المسؤولين الأتراك آنذاك. وبالتالي، هل ستشهد تركيا منافسة حادة بين السعودية والإمارات والعدو المشترك قطر، التي يبدو واضحاً أنها لا ولن ترتاح إلى “الغرام الجديد بين إردوغان وكل من العدوين اللدودين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد”؟

هذا بالطبع إن لم يكن الجميع يقوم بالدور المنوط به وفق السيناريو الصهيو – أميركي، وهو دور يبدو واضحاً أنه يكرس إردوغان طرفاً خامساً في المعادلات الجديدة بعد ضمان استسلامه للرباعي الإماراتي السعودي المصري و”الإسرائيلي”، الذي يشكل المظلة، التي يتوق إردوغان إلى زيارتها في أقرب فرصة. وقد يكون ذلك في ذكرى تأسيسها، ما دامت تركيا هي الدولة الإسلامية الأولى التي اعترفت بهذا الكيان (آذار/مارس 1949) بعد إعلانه رسمياً في 14 أيار/مايو 1948. وهو اليوم الذي استلم فيه عدنان مندرس السلطة في تركيا بدعم اميركي، ليحوّل تركيا إلى مخفر متقدم لأميركا وحلف الأطلسي و”إسرائيل”، بحيث استُقبل بن غوريون سراً في القاعدة الأميركية قرب أنقرة عام 1958.

قد تكون كل هذه المعطيات السبب في الهجوم العنيف الذي شنّه الزعيم الإسلامي الراحل، نجم الدين أربكان، في أكثر من مناسبة، على إردوغان، وقال عنه إنه “يخدم المخططات والمشاريع الإمبريالية والصهيونية والماسونية”. وكان ذلك قبل أن يأمر إردوغان بإغلاق قضية سفينة مرمرة، التي قتل فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي عشرة مواطنين أتراك، وتبرَّعت “تل أبيب” بعشرين مليون دولار لعائلاتهم، التي رفضت بدورها استلام المبلغ.

ويبقى السؤال الأهم هو: ماذا يريد الرباعي أعلاه من الرئيس إردوغان بعد أن استسلم لدوله عبر إغلاق كل ملفاتها السابقة، وتخلى عن كل المقولات والمواقف التي كان أتباع إردوغان، من الإسلاميين العرب وغيرهم، يتغنون بها، وهم الآن في حيرة من أمرهم؟ فهم الذين تخلوا عن آل سعود بصفتهم رأس “الزعامة التقليدية لكل الإسلاميين”، والذين بايعوا إردوغان بعد ما يسمى “الربيع العربي” عندما سعت واشنطن لـ”تسويق العدالة والتنمية كحزب إسلامي فاز ديمقراطياً في بلد مسلم وعلماني”.

والرهان بعد الآن على قبول إردوغان بالأمر الواقع، “والاعتراف بزعامة آل سعود على الإسلاميين”، وهو ما قد يتطلّب منه إحالة الملف السوري (وبعده الليبي)، في كل معطياته الداخلية والإقليمية والدولية، على الرياض وحليفتها أبو ظبي، المدعومتين إسرائيلياً، وبغياب الدور المصري الذي سيبقى محدوداً وفق المزاج السعودي ـ الإماراتي ـ الإسرائيلي، ما دام ثمنه مدفوعاً مسبّقا إلى الرئيس السيسي، الذي يعترف بأهمية هذا الثمن منذ تنفيذ انقلابه في تموز/يوليو 2013.

وما علينا في هذه الحالة إلّا أن ننظر إلى ما ستؤول إليه الأمور في سوريا، التي قد يريد الرباعي لها أن تعود إلى “الحضن العربي – الإسرائيلي”، أو تبقى في وضعها الحالي، لكن هذه المرة عبر تقاسم الأدوار والوظائف والواجبات مع الرئيس إردوغان.

وأرسل الأخير أُولى إشاراته إلى الوفاء بالتزاماته وتعهداته إلى الرباعي، عندما أغلق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية التي تنقل الأسلحة والعساكر الروس إلى سوريا، في وقت تتحدث المعلومات عن تنسيق الرباعي مع تركيا في موضوع إدلب التي تشهد مساعي مكثفة لجبهة النصرة في محاولة منها، بالتنسيق مع أنقرة، للتخلص من ثوب الإرهاب، ليساعدها ذلك على كسب الرضا العربي والرضا الغربي بعد تسليم الملف إلى الرياض بالتنسيق مع إردوغان. ويتعرّض الرئيس التركي الآن لهجوم عنيف جداً من المعارضة وشبكات التواصل الاجتماعي، التي أبرزت صوره وهو يحتضن ابن سلمان، الملطخة يداه بدماء خاشقجي، والقول لعضو البرلمان محمد بكار أوغلو، الذي اتهم، ومعه عدد كبير من قيادات أحزاب المعارضة، الرئيس إردوغان بـ”بيع كرامة الأمة والدولة التركيتين في مقابل حفنة من الدولارات، التي يعتقد أنها ستساعده على الخروج من الأزمة الخطيرة التي هو سببها”، ومن دون أن يخطر في بال احد أن القضية ليست قضية دولارات، بل هي أبعد من ذلك كثيراً، ما دامت تهدف إلى تسويق المعادلة الإقليمية الجديدة، في حلة سعودية معترف بها إقليمياً، ومنها سيعود ابن سلمان إلى الساحة الدولية بعد أن برّأه إردوغان شخصياً بزيارته له! (الميادين)