القطاع الصناعي.. مفتاح مهم لتحقيق النمو المستدام في السعودية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1196
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ارتفعت أسعار النفط العالمية على خلفية الانتعاش الاقتصادي بعد "كوفيد-19" وارتفعت أكثر في مارس/آذار 2022 بسبب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي مواجهة هذا الواقع الجديد، كان هناك تركيز كبير على السعودية باعتبارها واحدة من أهم الدول المنتجة للنفط.

وبينما أجبرتها الضرورات الجيوسياسية على الاهتمام الدائم بقطاع النفط لديها، واصلت المملكة التركيز على استراتيجية التنويع الاقتصادي الخاصة بها. ويشمل ذلك الاستثمار في بعض القطاعات غير النفطية، بما في ذلك الترفيه والسياحة والتكنولوجيا.

ويعد أحد المكونات الرئيسية لهذا التنويع هو القطاع الصناعي الذي غالبا ما يتم التقليل من شأنه، اويشمل هذا القطاع كل شيء تقريبا من التعدين إلى الطاقة المتجددة مرورا بالتصنيع.

 

الاستفادة من الاستثمارات الاستراتيجية والأجنبية لبناء قطاع التعدين

وتدعو "رؤية 2030" الحكومة السعودية إلى بناء قطاع التعدين كركيزة ثالثة للنمو الصناعي المستقبلي، والاستفادة من ثروات المملكة المعدنية المقدرة بـ 1.3 تريليون دولار، ويشمل ذلك رواسب الفوسفات والذهب والنحاس.

وبالرغم أن "رؤية 2030" والتنويع الاقتصادي المخطط له لا يزالان في مراحلهما الأولى، فقد حدثت بالفعل تطورات كبيرة في هذا القطاع. وحققت صناعة التعدين إيرادات بلغت 194 مليون دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 27% على أساس سنوي.

وسوف تستمر الكيانات المملوكة للدولة في الهيمنة على قطاع التعدين والمواد الكيميائية حيث تسعى الحكومة إلى الحفاظ على سيطرتها على الموارد الوطنية وتوجيه طريقة استخدام الأرباح. وفي يناير/كانون الثاني 2022، أعلنت شركة "معادن"، وهي شركة تعدين سعودية مملوكة للدولة، أنها تتوقع بدء الإنتاج في مشروع "منجم "منصورة ومسرة" للذهب، الذي تبلغ تكلفته 880 مليون دولار، في عام 2022.

وتقوم "معادن" كذلك بتوسيع محفظة أسمدة الفوسفات الخاصة بها بقيمة 6.4 مليار دولار لزيادة قدرتها إلى 9 ملايين طن بحلول عام 2025. وسيجعل هذا التوسع الشركة واحدة من أكبر المنتجين في العالم. وستكون هناك فرص للكيانات الأجنبية للعب دور في نمو هذا القطاع أيضا.

وفي يونيو/حزيران 2020، وافق مجلس الوزراء السعودي على قانون تعدين جديد لتعزيز الاستثمار الأجنبي وتسهيل الوصول إلى التمويل وأنشطة الاستكشاف. ومن المرجح أن تتقدم الشركات الأجنبية بطلب للحصول على تراخيص التعدين، بما في ذلك ترخيص لمنجم الزنك والنحاس في "الخنيقية"، الذي من المتوقع أن تقدمه الحكومة في مزاد علني في عام 2022.

 

التصنيع واللوجستيات والطاقة المتجددة والمنافسة الأجنبية

وتهدف "رؤية السعودية 2030" أيضا إلى تحويل البلاد إلى قوة تصنيع رائدة ومركز لوجستي عالمي. وسيواجه تطوير هذه المناطق رياحا معاكسة أكبر مقارنة بقطاع التعدين بسبب تكاليف العمالة المرتفعة نسبيا وسياسات "السعودة" الصارمة والمنافسة الإقليمية الشديدة. وقد أثبتت الإمارات، من خلال ميناء "جبل علي" ومطار دبي الدولي، نفسها كمركز إقليمي للخدمات اللوجستية، وستبذل أبوظبي جهود مضاعفة حتى تظل متقدمة على الرياض في هذا المجال.

ومع ذلك، فإن المبالغ الكبيرة للتمويل المقدم من الكيانات المملوكة للدولة، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي، واهتمام القطاع الخاص بالوصول إلى السوق السعودية، ستدعم درجة معينة من النمو المستدام.

وفي يوليو/تموز 2021، قال وزير النقل والخدمات اللوجستية السعودي "صالح بن ناصر الجاسر" إن المملكة ستستثمر أكثر من 133 مليار دولار لدعم قطاع النقل في البلاد. علاوة على ذلك، أصبحت الرياض ترى ضرورة زيادة تكامل النقل الإقليمي لتحقيق أهدافها الاقتصادية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وقعت السعودية مذكرة تفاهم مع عُمان لتعزيز التعاون في مجال النقل، وسيكون لذلك مردود بالطبع على قطاع الخدمات اللوجستية.

ووقعت مجموعة "لوسيد"، وهي شركة مقرها الولايات المتحدة بها مساهمون سعوديون رئيسيون، اتفاقيات لإنشاء مصنع في "مدينة الملك عبد الله الاقتصادية" سينتج في النهاية ما يصل إلى 150 ألف سيارة سنويا.

كما تركز الرياض على مجال التقنيات الحديثة. وفي يوليو/تموز من العام الماضي، افتتح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مركز الثورة الصناعية الرابعة. وبعد 5 أشهر، أعلنت الحكومة أن 100 مصنع ستصبح متوافقة مع تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة. وتضع هذه التطورات الأساس لتنمية طويلة الأجل إذا تابعت السلطات ذلك.

وتواصل المملكة الاستثمار في قطاع الطاقة، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة. وفي الواقع، سيلعب تطوير طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين دورا مهما في درء الانتقادات الموجهة إلى صناعة الوقود الأحفوري السعودية.

كما ستعمل جهود الرياض في هذا المجال على تعزيز أهداف التنويع، حيث سيتم استخدام هذه الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة لتلبية الطلب المحلي الهائل على الطاقة وتخصيص النفط المنتج محليا للتصدير مما يرفع عائدات هذا القطاع دون أن تكون السعودية ذاتها مستهلكا كبيرا للوقود الأحفوري، وبالطبع يمكن استخدام هذه العائدات في تعزيز مشاريع التنويع الاقتصادي.

ويشير البعض إلى أن السعودية ستبني 7.7 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2026، ارتفاعا من 300 ميجاوات فقط في عام 2021. ووقعت "أكوا باور" و"إير برودكتس" اتفاقيات بقيمة 5 مليارات دولار في عام 2020 لتطوير مصنع للأمونيا يعتمد على الهيدروجين في "نيوم". وسيتم تشغيل المحطة بأكثر من 4 جيجاوات من الطاقة المتجددة.

وبشكل عام، أشارت السلطات إلى أن مشروع "نيوم" الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، سيتم تشغيله باستخدام الطاقة النظيفة بنسبة 100%.

 

معوقات تعزيز التنمية الصناعية

بالرغم من الأسباب العديدة للتفاؤل بشأن تطور الصناعة في المملكة، لا تزال هناك عراقيل سياسية ومالية منهجية أمام النمو. وستستمر مبادرات السعودة في فرض قيود على الشركات ودفعها لاستخدام العمالة المحلية أو مواجهة رسوم أعلى على التوظيف.

وستظل المخاطر السياسية والأمنية المرتبطة بالعلاقات المثيرة للجدل مع الجيران، مثل إيران والحوثيين في اليمن، فضلا عن مخاطر السمعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، أحد الاعتبارات بالنسبة للمستثمرين الأجانب. ويجب على السعودية الشروع في إصلاحات لتسهيل التجارة والتوافق مع المعايير القانونية المقبولة دوليا.

وتتمتع الكيانات الاستثمارية المملوكة للدولة بقدرات مالية هائلة للاستثمار، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط، لذلك تم تكليفها بالاستثمار في العديد من القطاعات والمشاريع لتنويع أصولها.

ولم يرق الاستثمار الأجنبي المباشر حتى الآن إلى مستوى الأهداف التي حددتها الحكومة. وستحتاج السلطات إلى إدارة التوقعات ونشر الأصول بشكل استراتيجي لمساعدة الاقتصاد على النمو مع الحفاظ على القدرة على الاستثمار على المدى الطويل.

وبالرغم من استمرار التحديات التي تواجه التنمية الصناعية المستدامة، ستظل الصناعة جزءا مهما من الاقتصاد غير النفطي في الأعوام القادمة. ويجب التغلب على العراقيل البيروقراطية والتنظيمية، وسيساعد التركيز الحكومي على تعزيز هذه القطاعات في الحفاظ على المسار الإيجابي لهذه القطاعات.

وفي حين أن المنافسة الإقليمية والعالمية ستكون شرسة، لا يجب أن يصبح النمو الصناعي في المملكة لعبة صفرية مع الدول المتنافسة. علاوة على ذلك، فإن استعداد السعودية لقبول الانتقادات من القطاع الخاص والرد بطريقة بناءة يبشر بالخير فيما يتعلق بآفاق تطوير القطاعات الصناعية.

 

المصدر | ألكسندر وورمان | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد