رهانات محفوفة بالمخاطر بين دول الخليج والولايات المتحدة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 807
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

يسلط الغزو الروسي لأوكرانيا الضوء على الخلافات الآخذة في الاتساع بين الولايات المتحدة وأقرب حلفائها في الشرق الأوسط، مما أثار عبارات التأبين لعصر من الهيمنة الإقليمية الأمريكية في الماضي.

وتوقع محلل السياسة الخارجية "ستيفن كوك" هذا الأسبوع أن "صداقات أمريكا في الشرق الأوسط تحتضر طبيعيا" بعد أن رفضت دول مثل إسرائيل والسعودية والإمارات، بدرجات متفاوتة، طلبات الولايات المتحدة للمساعدة في خفض أسعار الطاقة والانضمام إلى العقوبات ضد روسيا.

وسخر عمل تلفزيوني سعودي لم يكن من الممكن بثه دون موافقة حكومية ضمنية على الأقل من الرئيس الأمريكي "جو بايدن" كزعيم فقد ذاكرته ويحتاج إلى نائب الرئيس "كمالا هاريس" لدعمه. وكانت الإشارة إلى ذاكرة "بايدن" إشارة واضحة إلى تأكيدات سعودية وإماراتية بأن "بايدن" نسي من هم حلفاء أمريكا الإقليميون منذ فترة طويلة.

وفي مؤشر آخر على العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والسعودية، دفعت المملكة هذا الأسبوع منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وشركائها، بما في ذلك روسيا، إلى التوقف عن استخدام بيانات النفط من أرقام وكالة الطاقة الدولية عند تقييم حالة الدولة في سوق النفط بسبب النفوذ المزعوم للولايات المتحدة على المنظمة.

وقد يكون احتضار الشراكات الإقليمية للولايات المتحدة سابقا لأوانه، بالرغم مما يظهر في المواقف تجاه أزمة أوكرانيا، والتباين في المصالح الوطنية المتصورة، والإحباط السعودي والإماراتي من السياسات الأمريكية الأخيرة تجاه إيران، وعدم اليقين بشأن استمرار التزام واشنطن بالأمن الإقليمي.

ويشير تحليل النفوذ والأهمية السياسية للوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط إلى درجة من الاعتماد المتبادل بين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين مما يجعل تلك الشراكات لا غنى عنها ولا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للحكام المستبدين في الشرق الأوسط.

ويشير التحليل أيضا إلى أنه لا الصين ولا روسيا تمتلكان القدرة، أو الاستراتيجية العسكرية، لاستعراض القوة في أي جزء من العالم أو ما يلزم لتحل أي منها محل الولايات المتحدة كضامن للحكم الاستبدادي في الشرق الأوسط.

علاوة على ذلك، كشف الأداء العسكري الروسي في أوكرانيا عن مشاكل لوجستية ومشكلات صيانة، إلى جانب العقوبات، تجعل روسيا موردا بديلا أقل جاذبية للأسلحة.

وربما يكون ولي العهد السعودي والإماراتي "محمد بن سلمان" و"محمد بن زايد" يختبران حدود النفوذ الذي يستمدانه من اعتمادهما المتبادل مع الولايات المتحدة من خلال رفض زيادة إنتاج النفط لخفض أسعار النفط وإدانة روسيا.

كما أنهما قد ينفسان عن غضبهما من رفض الولايات المتحدة الرد بقوة أكبر على هجمات المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران وإيران على منشآت السعودية والإمارات النفطية والبنية التحتية الحيوية.

وقالت البحرية الأمريكية هذا الأسبوع إنها ستشكل فرقة عمل جديدة مع الدول المتحالفة معها لتسيير دوريات في البحر الأحمر ردا على هجمات الحوثيين على الملاحة في الممر المائي الاستراتيجي دون تحديد المتمردين بالاسم.

وبحسب ما ورد، اعتذر وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكين" إلى "بن زايد" الشهر الماضي عن الرد الأمريكي البطيء على الهجمات. وقال "يوسف العتيبة"، سفير الإمارات في واشنطن، إن لقاء الرجلين ساعد في "إعادة العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة إلى المسار الصحيح".

وأكد الإعلان واعتذار "بايدن" مجددا أن الوجود العسكري الأمريكي في الخليج لا يزال أحد أعمدة استراتيجية بقاء النظم متعددة الأوجه في دول الخليج.

وتقول دراسة أجراها عالما السياسة والباحثان في الشؤون الدولية "أندرو سترافرز" و"دانا الكرد" أنه بالرغم من التشدق بالقيم الديمقراطية، فإن التزام الولايات المتحدة بالحكم الاستبدادي في الخليج هو إلى حد كبير وظيفة من وظائف الاستراتيجية العسكرية الأمريكية كما هو الحال في الجيوستراتيجية الخاصة بالشرق والتي تمتد عبر بعض أهم نقاط الاختناق البحرية في العالم.

وللقوات الأمريكية تأثير استبدادي على الدول المضيفة في المناطق ذات القيمة الاستراتيجية. وتتلاقى المصالح الأمريكية ومصالح الأنظمة المضيفة في دعم بقاء النظام حيث يكون الموقع مهما للولايات المتحدة ونظامها التجاري العالمي وتفوقها العسكري. وقد كتب  "سترافرز" و"الكرد" أن هذا الاصطفاف ينتج استبدادا متزايدا وليس مجرد استقرار للنظام.

ويجادل المؤلفان بأن الوجود العسكري الأمريكي ربما يزيد الاستبداد في المناطق الاستراتيجية، "حيث يكون المخططون الأمريكيون غير متأكدين من قدرة الجيش المحلي على مقاومة تغيير النظام".

وشارك بعض القادة في الخليج في بعض الأحيان في حالة عدم اليقين هذه. وقد تعاقد "بن زايد"، على سبيل المثال، مع "إريك برنس"، مؤسس شركة الأمن الخاصة المثيرة للجدل "بلاك ووتر"، منذ أكثر من عقد للمساعدة في ضمان أمن النظام.

ويذهب "سترافرز" و "الكرد" إلى منطق أن الوجود العسكري الأمريكي "ينتج عنه حاجة لدى النظام المضيف لقمع المعارضة، من أجل الحفاظ على الاستقرار المتصور وترسيخ موقفه الداخلي. ويزيد هذا من مستوى الاستبداد بمرور الوقت".

وتنطبق هذه الظاهرة بشكل خاص على منطقة الخليج، حيث سيكون لفقدان قاعدة عسكرية عواقب بعيدة المدى على موقع الولايات المتحدة العالمي أكثر من الحاجة إلى إغلاق أو نقل منشأة في اليابان على سبيل المثال.

ويتضح تأكيد الباحثين على أهمية الجيوستراتيجية في دعم الاستبداد أو الدمقرطة في مقارنة السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالانتفاضة الشعبية عام 2011 في البحرين، موطن الأسطول الخامس الأمريكي، والاحتجاجات التي وقعت قبل 6 أعوام في أوزبكستان، حيث كان للولايات المتحدة وجود عسكري كبير في ذروة الحرب الأفغانية.

وغضت الولايات المتحدة أنظارها عندما قامت القوات الخليجية بقيادة السعودية بقمع التمرد في البحرين. وفي أوزبكستان، لم يكن لدى واشنطن مشكلة في فقدان منشآتها العسكرية بعد تكليف الحكومة بقمع الاحتجاجات وانتهاك حقوق الإنسان.

وللوجود العسكري الأمريكي تأثير استبدادي في مناطق معينة ذات أهمية استراتيجية. وفي المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية الأقل، يكون للوجود الأمريكي تأثير ضئيل نسبيا على الأنظمة".

ويثير تحليل "سترافرز" و "الكرد" تساؤلا حول ما إذا كانت التحركات الخليجية الأخيرة المتعلقة بالأزمة الأوكرانية والجهود الإماراتية لإعادة الرئيس السوري "بشار الأسد" إلى المحافل العربية والدولية تشير إلى فاصل في العلاقات مع الولايات المتحدة أو محاولة من قبل زعماء الخليج لاستعراض عضلاتهم في وقت قد تكون فيه الولايات المتحدة في أمس الحاجة إليهم.

وقد يكون ميل الوجود العسكري الأمريكي لتشجيع الاستبداد المتزايد شيئا لا يريد "بن سلمان" و"بن زايد" أن يخسرانه، لا سيما بدون بديل فوري.

وهذا صحيح تماما، نظرا لأنه ليس من الواضح ما إذا كان أي من الرجلين لديه ثقة كاملة في قدرة قواته الأمنية على صد الجهود المنسقة لتغيير النظام أو هجوم ما من قبل إيران.

لكن مشكلة "بن سلمان" و "بن زايد" أن القرار بشأن مستقبل الوجود الأمريكي في الخليج بعيد عن متناولهما.

وتخفض واشنطن من تقييمها للأهمية الاستراتيجية لجغرافيا الخليج مع تضاؤل ​​اهتمامها بالتدفق الحر لطاقة المنطقة.

وقد يكون كلا الزعيمين يضعان رهانا محفوفا بالمخاطر، أي وضع العلاقة مع الولايات المتحدة على حافة الهاوية على أمل أن تؤدي الحاجة إلى استبدال الطاقة الروسية إلى إعادة واشنطن إلى رشدها.

وقد تكون هذه مخاطرة. ولكن، تماما كما يتذكر السعوديون والإماراتيون أن الولايات المتحدة لم تستجب بقوة للهجمات على منشآتهم الحيوية حتى لو اتخذت خطوات لطمأنتهم، فمن المرجح أن يتذكر صانعو السياسة الأمريكية الأصدقاء الذين كانوا غائبين عندما كانوا في أمس الحاجة إلى مساعدتهم.

المصدر | جيمس دورسي - أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد