الناتو العربي الإسرائيلي قد لا يكون في مصلحة واشنطن.. كيف؟
يعد الاجتماع الأخير للقادة العرب في صحراء النقب مع المسؤولين الإسرائيليين حدثا استثنائيا، ليس فقط لأنه يشير إلى كيفية تطبيع الدول العربية للعلاقات مع إسرائيل بشكل متزايد، ولكن أيضا لأن هذه القمة قد تكون الخطوة الجادة الأولى نحو إقامة آلية مشتركة للتعاون الأمني ضد إيران باعتبارها تهديد مشترك.
والأهم من ذلك، حقيقة أن هذا الحدث قد عُقد في وقت تتحرك فيه الولايات المتحدة بسرعة نحو اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، وهو ما يُظهر كيف أن التقارب العربي الإسرائيلي قد لا تتماشى مع الولايات المتحدة في هذا الصدد.
وبالرغم أن وزير الخارجية الأمريكي كان حاضرا في القمة، إلا أن قدرة الولايات المتحدة على توجيه الأمور تقلصت بشكل كبير خلال الأعوام القليلة الماضية. وتُظهر الأحداث الأخيرة الأخرى ذات الصلة هذا أيضا.
على سبيل المثال، رفضت جميع الدول الحاضرة في القمة، وعلى وجه الخصوص إسرائيل والإمارات، الجهود الأمريكية الأخيرة لحشد الدعم ضد روسيا من أجل "عزل" موسكو على مستوى العالم.
وتشير حقيقة أن الدول نفسها تتخذ الآن خطوات لتشكيل آلية أمنية مشتركة ضد إيران في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تطبيع العلاقات مع طهران، إلى اتجاه الشرق الأوسط لفطام نفسه بعيدا عن واشنطن.
وبالرغم من حضور "بلينكن" القمة، ودعم الولايات المتحدة للتطبيع العربي الإسرائيلي، فإن التوترات بين واشنطن وتل أبيب واضحة. ويتجلى ذلك في تصريحات الوزير الذي بدا وكأنه يغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفي حين أن إدارة "ترامب" ساعدت تل أبيب في السيطرة المطلقة على القدس، كانت تصريحات "بلينكن" بأن "اتفاقيات إبراهيم" ليست بديلا عن القضية الفلسطينية توضح كيف أن إسرائيل، التي لا تعترف بأي "قضية فلسطينية"، لها مواقف مختلفة عن مواقف واشنطن.
ومن المحتمل أن ينضم لهذا التحالف السعودية، التي لم تكن علاقاتها مع الولايات المتحدة سيئة كما هي اليوم، وأشار ولي العهد "محمد بن سلمان" إلى ذلك مؤخرا، حيث قال إن إسرائيل قد تكون "حليفا محتملا"، مضيفا: "نحن لا ننظر إلى إسرائيل على أنها عدو، نحن ننظر إليها كحليف محتمل، مع العديد من الاهتمامات التي يمكننا متابعتها معا".
وبينما كان "بن سلمان" حريصا أيضا على التأكيد على حتمية حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يبقى أن الرياض في حاجة ماسة إلى حليف يمكن أن يساعدها في حرب اليمن، بعد أن توقفت الولايات المتحدة عن تقديم أي مساعدة، وصعّد الحوثيون هجماتهم ضد المملكة. وربما تكون إسرائيل خيارا مناسبا من أجل دعم دفاعاتها. وستكون إسرائيل بالطبع حريصة على القيام بذلك.
وفي أعقاب الهجمات على الإمارات، في يناير/كانون الثاني 2022، سارعت إسرائيل إلى تقديم المساعدة لأبوظبي لتعزيز نظام دفاعها الجوي. وكان العرض قد قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" إلى ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، في رسالة شددت على ضرورة إيجاد آلية أمنية مشتركة ضد من تعتبرهم أبوظبي والرياض وتل أبيب وكلاء إيران في المنطقة.
وكتب "بينيت" في رسالته التي نُشرت على حسابه على "تويتر": "إسرائيل ملتزمة بالعمل عن كثب معكم في المعركة الجارية ضد القوى المتطرفة في المنطقة، وسنواصل الشراكة معكم لهزيمة أعدائنا المشتركين".
وبحسب تقارير، فإن مسؤولي الأمن الإسرائيليين يجرون بالفعل محادثات مع نظرائهم في الإمارات والبحرين والسعودية لإنشاء نظام "دفاع جوي مشترك". وتأتي هذه المحادثات على خلفية فشل متزايد لنظام الدفاع الجوي الأمريكي في مواجهة هجمات الحوثيين. ولا يقتصر الدفاع المشترك على التهديدات الجوية فقط. فكما أكدت القمة الأخيرة، سيتوسع الدفاع المشترك إلى مجالات أخرى أيضا.
ولدى إسرائيل مصلحة في تقديم مثل هذا التعاون. وفي نفس يوم القمة، أسفر هجوم في إسرائيل عن مقتل شخصين وإصابة 6 آخرين في مدينة الخضيرة، على بعد نحو 31 ميلا شمال تل أبيب.
وفي أعقاب الهجوم، قال وزير الخارجية المغربي "ناصر بوريطة"، إن حضوره إلى جانب 3 من نظرائه العرب في قمة تستضيفها إسرائيل كان بمثابة "أفضل رد" على هذه الهجمات. ويشير البيان، الذي تم تداوله على نطاق واسع في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، إلى الدعم الذي تحظى به إسرائيل في منطقة كانت معادية قبل بضعة أعوام فقط.
وبالنسبة لإسرائيل، يشير هذا الدعم إلى إمكانية تقليص اعتمادها على الولايات المتحدة في أمنها. ويعني الاعتماد الأقل على واشنطن أيضا مساحة أكبر لصياغة سياستها الخارجية بشكل أكثر استقلالية مما كان عليه الحال قبل أعوام قليلة.
وينطبق هذا أيضا على معظم الدول العربية التي اعتمدت لعقود طويلة على الولايات المتحدة والغرب من أجل حماية أمنها. ومن هذا المنظور، فإن التحالف الأمني بين بعض الدول العربية وإسرائيل قد يغير الديناميكيات الإقليمية بشكل لا ترغب فيه الولايات المتحدة. وربما تصبح العملية التي بدأتها إدارة "ترامب"، في نهاية المطاف، سببا في ترك واشنطن أسوأ حالا بالنسبة لوضعها في المنطقة.
المصدر | سلمان رافي شيخ/نيو إيسترن أوت لوك - ترجمة وتحرير الخليج الجديد