معركة نفوذ.. محاولات خليجية لجذب العراق بعيدا عن إيران

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1090
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مع تطلع العديد من القوى الجيوسياسية في الشرق الأوسط إلى دفن المشاحنات السابقة وإقامة روابط أقوى، أظهر العراق ميلًا نحو مجلس التعاون الخليجي في الوقت الذي تتصاعد فيه المعارضة للنفوذ الإيراني في البلاد.

وبدا أن حكومة رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي" تنأى بنفسها عن سياسات الحكومات السابقة وتحاول تحجيم التدخل الأجنبي بالرغم من الأزمة الاقتصادية الحادة.

وفي ملتقى الأعمال السعودي العراقي في الرياض، في 24 يناير/كانون الثاني، أعلن الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي "حامد الغزي" أن هناك "تعاونا بين الرياض وبغداد في عدة قضايا بما في ذلك توصيل شبكات الكهرباء وتطوير المدن الصناعية".

وفي اليوم التالي، وقع "الغزي" ووزير الطاقة السعودي "عبدالعزيز بن سلمان" مذكرة تفاهم بين بلديهما، بما في ذلك ربط شبكات الكهرباء بين البلدين. وقال وزير الكهرباء العراقي "عادل كريم" إن الربط الكهربائي سيتم الانتهاء منه في غضون عامين.

 

تقارب مع الخليج

تدهورت العلاقات السعودية العراقية بعد عام 1991 إثر حرب الخليج التي أطلقها "صدام حسين". وتعرضت العلاقات لضربة قاسية أخرى في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد "صدام" في 2003، وهيمنة إيران اللاحقة على البلاد.

آنذاك، فقد العاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" الثقة بشكل كامل في رئيس الوزراء العراقي الأسبق "نوري المالكي" المقرب من طهران، ورفضت الرياض إلى حد كبير الانخراط مع بغداد.

ومع ذلك، فإن معارضة "الكاظمي" المتنامية للنفوذ الإيراني في البلاد، ومحاولات ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" تعديل السياسة الداخلية والخارجية لبلاده - بما في ذلك التقارب المحتمل مع طهران - يعني أن الخلافت السابقة لم تعد المؤثرة حاليًا.

وفضلا عن السعودية، عملت دول الخليج الأخرى على تعزيز العلاقات مع العراق وعرضت يد المساعدة لإخراجها من مشاكلها الاقتصادية.

وفي 7 فبراير/شباط، عقد "كريم" محادثات مع وزير الطاقة القطري "سعد الكعبي" لمناقشة احتمال تصدير الغاز من الدوحة إلى العراق لمعالجة العجز الذي تعاني منه البلاد. وبعد يومين، أعلن "كريم" أن العراق سيستعد لاستيراد الغاز القطري بحلول صيف 2023، مما سيستبدل جزئيًا إمدادات الطاقة القادمة من إيران.

وقال وزير الكهرباء العراقي: "استيراد الغاز يتطلب بناء البنية التحتية وسيستغرق سنة إلى 15 شهرًا على الأقل. ولكن هذه الخطوة يجب أن تتم لأن العراق لا يستطيع الاستمرار في الاعتماد على مصدر واحد للغاز ".

وفي حين تسعى الرياض والدوحة لإحياء قطاع الطاقة العراقي، قامت الإمارات أيضًا باتفاقيات مختلفة مع العراق لتعزيز العلاقات الثنائية وتقديم استثماراتها الخاصة.

والتقى "الكاظمي" بولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" في العاصمة الإماراتية في مايو/أيار 2021، وخلال الزيارة، تعهدت أبوظبي باستثمارات بقيمة 3 مليارات دولار في العراق لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين وتسريع النمو العراقي.

ولاحقا، وقعت وزارة المالية الإماراتية في أكتوبر/ تشرين الأول مع الهيئة الوطنية العراقية للاستثمار اتفاقًا لتعزيز الاستثمار الأجنبي بين البلدين وحماية المشاريع السابقة والمستقبلية من القيود المختلفة بما في ذلك التأميم والمصادرة والحجز القضائي وتجميد الأصول.

وفي ذلك الشهر، وقعت شركة الطاقة الإماراتية "مصدر" أيضًا اتفاقًا مع وزارة الكهرباء العراقية والهيئة الوطنية العراقية للاستثمار لبناء 5 محطات توليد للطاقة في جميع أنحاء العراق.

وبالرغم من تجدد التوترات بين أبوظبي وطهران في أعقاب تصاعد حرب اليمن وتحول دولة الإمارات نحو إسرائيل، ما زالت أبوظبي تحاول اعتماد سياسة خارجية أكثر براجماتية، ويتجلى ذلك في زيادة الاستثمارات في العراق.

 

تقلص النفوذ الإيراني

يُعزى الدفء العراقي الناشئ تجاه دول الخليج بشكل رئيسي إلى تراجع النفوذ الإيراني في البلاد، والذي حدث بعد أن أعلنت طهران أنها ستتوقف عن توفير الغاز والكهرباء للعراق. ومع ذلك، فإن قرار طهران ناتج أيضًا عن تزايد المعارضة العراقية لتدخلها في البلاد.

بعد غزو 2003، استغلت الميليشيات المدعومة من إيران الفراغ وساعدت طهران على اكتساب موطئ قدم في البرلمان العراقي. في ذلك الوقت، كانت إيران تخشى أن تكون الهدف القادم للغزو الأمريكي في أعقاب حملات واشنطن على العراق وأفغانستان، مما دفع طهران لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.

وساعد القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" طهران على توسيع وجودها في العراق من خلال "قوات الحشد الشعبي" التي ساعدت الجيش العراقي على محاربة التنظيم.

وواجه وجود طهران في العراق منذ ذلك الحين العديد من التحديات؛ من اغتيال الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" في يناير/كانون الثاني 2020 إلى الاحتجاجات واسعة النطاق في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد الحكومة الموالية لإيران. ويبدو أن حملة "أقصى ضغط" التي شنها الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" على إيران كانت أيضًا عاملًا حاسمًا في إضعاف النفوذ الإيراني في البلاد.

وأعرب العراقيون العاديون عن ازدرائهم للميليشيات الإيرانية التي تهيمن على البلاد، وأظهر استطلاع للرأي أجراه "المعهد المستقل لدراسات الإدارة والمجتمع المدني"، ومقره بغداد، أن 15% فقط من المواطنين العراقيين كانوا ينظرون بشكل إيجابي لإيران في عام 2020، وهو انخفاض كبير من 70% أعربوا عن إعجابهم بها في عام 2017.

ومع ذلك، قد يؤدي تزايد نفوذ دول مجلس التعاون الخليجي في العراق إلى مزيد من الصراع الجيوسياسي، وقد أوردت صحيفة "مونيتور" أن بعض السياسيين المؤيدين لإيران انتقدوا مبادرة الربط الكهربائي بين السعودية والعراق، مما يشير إلى المعارضة الإيرانية المحتملة لهذه الخطوة.

وعلاوة على ذلك، ففي 2 فبراير/ شباط ادعت ميليشيا عراقية غامضة تسمي نفسها "ألوية الوعد الحق" مسؤوليتها عن هجوم طائرة مسيرة على أبوظبي، بعد غارة أشد شنها الحوثيون المدعومون من إيران.

وجادل المحللون بأن الهجوم الأخير كان "رسالة من إيران"، بينما حذر رجل الدين الشيعي العراقي البارز "مقتدى الصدر" من أن هذه الخطوة قد تثير "حربًا إقليمية خطيرة".

 

هل يمكن أن يحدث تحول دائم؟

بالرغم من مبادرات دول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة، فإن العراق لديه شركاء عرب آخرون يختار من بينهم فيما يتعلق بالطاقة، مثل الأردن ومصر. وبدلًا من أن تعتمد كلًيا على دول الخليج، تريد بغداد اتخاذ سياسة خارجية أكثر استقلالية بهدف تخفيف أزماتها الاقتصادية.

ومن الجدير بالذكر أن "الكاظمي" أدان الوجود العسكري الأمريكي في العراق، بدلًا من أن ينتقد طهران فحسب، مما يدل على أنه يسعى إلى عراق مستقل إلى حد ما. في الواقع، سيكون هذا أمرًا حاسمًا للحفاظ على دعم الشعب العراقي له وضمان استمراريته في رئاسة الوزراء.

وليست عواصم الخليج وحدها التي تسعى لتقوية العلاقات مع  بغداد. ففي السنوات الأخيرة، شاركت الصين أيضًا في محادثات مع العراق حول تطوير وإعادة بناء بنيته التحتية للنفط، كما وجهت فرنسا أنظارها صوب حقول النفط العراقية، في إطار محاولاتها لتعزيز قوتها الناعمة ونفوذها في الشرق الأوسط.

وليس من الواضح إلى أي مدى يستطيع شركاء بغداد أن يساعدوا في تخفيف أزمات العراق واستبدال هيمنة طهران، خاصة أن الميليشيات الإيرانية لا تزال تتباهى بوجود قوي في البلاد.

علاوة على ذلك، ستكون هناك حاجة إلى إطار زمني طويل للمستثمرين كي يطوروا البنية التحتية اللازمة لخلق تغيير دائم بعد سنوات من اضطرابات الحرب الأهلية.

أما الأمر الواضح فهو أن العراق يحاول تقديم نفسه بشكل جديد والابتعاد عن الاعتماد على طهران، لذلك فإن دول مجلس التعاون الخليجي لديها فرصة للاستفادة من ذلك.

 

المصدر | جوناثان فنتون هارفي/ إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد