ألكسندر نازاروف: هل تكون بلدان الخليج العربية “كبش فدا” لحرب أمريكية ضد روسيا والصين؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2060
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ألكسندر نازاروف

عملية إطلاق صاروخ “كينجال” من طراد الصواريخ النووية الثقيلة “بطرس الأكبر” خلال مناورات “كومجا-2021” المعقدة للمجموعات التكتيكية البحرية لأسطول بحر الشمال بالقرب من جزيرة كيلدين في بحر بارنتس

تدفع الحرب المحتملة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى تسريع ضرورة الخيار الاستراتيجي لعرب الخليج بين واشنطن وبكين.

لقد دخلت إلى البحر الأسود 6 سفن إنزال روسية من الأساطيل الروسية لبحري البلطيق والشمال. لماذا؟

بالتزامن، أنشأت روسيا مجموعة بحرية قوية في البحرين الأسود والأبيض المتوسط، بما في ذلك 3 طرادات صواريخ من طراز “أطلنط”، التي يطلق عليها “قاتلة حاملات الطائرات”، المسلّحة بالصواريخ (بما في ذلك تلك القادرة على حمل رؤوس حربية نووية) التي يبلغ مداها 1000 كلم.

علاوة على ذلك، وكما أكد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، فإن التدريبات في البحر الأبيض المتوسط “ستجري بشكل مستمر”، بمعنى أنه لا يُعرف بعد متى ستغادر هذه المجموعة المنطقة، وما إذا كانت ستغادر على الإطلاق.

بطبيعة الحال، لا يمكن النظر في أكبر التدريبات التي تجريها روسيا حالياً، براً وبحراً، بشكل منفصل عن الإنذار النهائي، الذي قدمته موسكو في ديسمبر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي “الناتو”.

فروسيا كانت قد وعدت باتخاذ إجراءات عسكرية، وعسكرية فنية، حال الرد بالنفي على مطالباتها بالضمانات الأمنية. وقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية و”الناتو” تلك المطالب الروسية.

إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مع تدخل أوروبا لاحقاً في الصراع، هي الهدف الرئيسي للولايات المتحدة اليوم. حيث سيسمح ذلك لواشنطن بإضعاف روسيا بحرب بالوكالة، وتحييدها قبل المعركة الحتمية بين واشنطن وبكين على زعامة العالم، دون تكبّد خسائر تلك المعركة. بالإضافة إلى ذلك، ففي حال نشوب حرب في أوكرانيا، ستكسر واشنطن أخيراً المقاومة الألمانية وبعض الدول الأوروبية الأخرى، وتنهي التعاون الاقتصادي الأوروبي مع روسيا، مع عواقب وخيمة على الأخيرة.

بالنسبة لأوروبا، فإن العقبة الرئيسية في هذا المشروع هي اعتمادها على روسيا في توفير النفط والغاز. وتحاول واشنطن حالياً إجبار الدول العربية في الخليج، وخاصة قطر، على إعادة توجيه إمداداتها من الصين وآسيا إلى أوروبا. حتى الآن، دون جدوى، ولكن، وفي حال نشوب صراع عسكري، ستوجّه واشنطن إنذاراً نهائياً إلى العواصم العربية، التي لن تتمكن حينها على الأرجح من رفضه.

تتعارض الحرب في أوكرانيا، بطبيعة الحال، مع مصالح روسيا، التي تحاول تجنبها بكل الطرق الممكنة، على الرغم من سنوات عديدة من الاستفزاز من جانب أوكرانيا في إقليم الدونباس، والهستيريا التي تحدث الآن في وسائل الإعلام الغربية.

يتمثل هدف موسكو الآن في تشكيل تهديد غير مقبول بشكل مباشر على الولايات المتحدة الأمريكية، مع تجنب الصراع مع أوروبا.

سيكون ذلك ممكناً فقط إذا لم يكن الصراع في أوكرانيا، وليس على أراضي دول “الناتو”.

سيؤدي تهديد الولايات المتحدة الأمريكية على الأرجح إلى صراع عسكري، لأن الجيل الحالي من النخبة الأمريكية، الذي تشكّل خلال الأزمة الروسية في التسعينيات من القرن الماضي، إذ لا يزال يعتبر روسيا ضعيفة، ولا يعترف بحقها في الدفاع عن مصالحها الوطنية. لهذا سيؤدي تهديد روسيا إلى عمل عسكري من قبل الولايات المتحدة.

دعونا نذكر أن سفن الإنزال الروسية المحمّلة ببعض الأشياء قد دخلت أولاً إلى طرطوس السورية، ثم ذهبت إلى البحر الأسود. وهناك من المحتمل أن تستقبل على متنها قوات روسية. فأين ستذهب بعد ذلك؟ وأين يمكنك محاربة الولايات المتحدة دون إشراك أوروبا؟ المنطقة الأقرب هي سوريا.

في حالة نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فإن أي استخدام للقواعد الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط أو الخليج في الهجوم سوف يجعل من تلك المناطق الواقعة في نطاق الصواريخ الروسية مرمىً مناسباً لهذه الصواريخ.

فهل ستجد الدول العربية، ذات القواعد الأمريكية على أراضيها، نفسها متورطة في تلك الحرب؟ الإجابة فيما أعتقد حتى اللحظة الراهنة: نعم.

فهل ستشترك الدول العربية، ذات القواعد الأمريكية على أراضيها في الحرب؟ الإجابة فيما أعتقد: نعم.

إن الحقبة التي يمكن أن تتمتع فيها دول ثالثة برفاهية التعددية القطبية، من خلال تطوير علاقات ودية مع طرفي الصراع العالمي القادم ستنتهي في غضون أشهر أو حتى أسابيع قليلة، مع انتقال الصراع الأمريكي الروسي ثم الأمريكي الصيني إلى مراحله العسكرية. سيتعين حينها على الدول الصغيرة أن تختار جانباً من جانبي الصراع، فإما الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، أو الصين وروسيا. علاوة على ذلك، ففي المرحلة الأولية، سوف تكون الصين خارج هذه الصيغة، وسيكون من الأسهل الاختيار بين الغرب وروسيا، ولن يكون خيار غالبية الدول العربية، بطبيعة الحال، لصالح روسيا.

لكن عرب الخليج لم يحالفهم الحظ هنا، فالصين بالنسبة لهم، كانت موجودة في هذه الصيغة منذ البداية، إلى الآن.

وحاليا يتم تصدير معظم النفط والغاز من الخليج إلى آسيا وفي المقام الأول إلى الصين.

لكن المحاولات الأمريكية المستمرة لاستبدال النفط والغاز الروسيين في السوق الأوروبية تعني نقصاً هائلاً في موارد الطاقة في العالم، ووقف الإمدادات إلى الصين. أي أن المشاركة في الحرب الروسية الأمريكية بشكل آلي وفوري، ستجعل من دول الخليج أعداءً للصين، التي من المرجح أن يدفعها هذا السيناريو إلى تسريع انخراطها في الحرب على موارد الخليج.

لكن الوضع أسوأ من ذلك، بل أسوأ بكثير.

سمعنا جميعاً عن معركة ستالينغراد، أليس كذلك؟ أكبر معركة، ونقطة تحوّل في الحرب العالمية الثانية، حيث مات أكثر من مليون جندي على كل جانب من جانبي الصراع.

لقد كانت معركة ستالينغراد مهمة للغاية، وشديدة الشراسة، لأن هتلر كان يندفع نحو حقول النفط السوفيتية في باكو، ونجاح هذه العملية سيقرر مصير الحرب بأكملها. أي أن النفط بإمكانه تغيير كفة الحرب.

بالنسبة لروسيا، يعد القضاء على مصادر الطاقة البديلة، ثاني أهم هدف في هذا الصراع، بعد حياد أوروبا.

واستخدام القواعد الأمريكية بدول الخليج في خضم صراع محتمل مع روسيا، يجعل هذه الدول أهدافاً مشروعة للرد العسكري الروسي. كما أنها توفر ذريعة مشروعة لتدمير منشآتها النفطية والغازية بشكل كامل.

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع روسيا من القيام بذلك هو أن تظل دول الخليج مورداً رئيسياً للنفط والغاز للصين الصديقة لروسيا، لكن هذا يعني رفضها لواشنطن في محاولاتها لاستبدال الإمدادات الروسية في أوروبا. وهذا يعني صراعاً حاداً بين هذه الدول وواشنطن، وربما انقلاباً أو احتلالاً.

بطريقة أو بأخرى، لا يمكن للدول العربية في الخليج إلا أن تختار، وسيتعيّن عليها اتخاذ هذا الخيار في وقت مبكّر عن دول العالم الأخرى. بل وسيكون هذا الاختيار صعباً للغاية.

كل ما سبق ليس سوى روايتي المتواضعة للتطور المحتمل للوضع الراهن، لكنني أعتقد أن مصير الصراع الروسي الأمريكي والنظام العالمي الجديد سيتقرر في إقليم الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.

محلل سياسي

(روسيا اليوم)