رغم تعزيزه داخليا.. لا أصداء في الخارج لنموذج السعودية والإمارات عن الاعتدال

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1267
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

نالت السعودية والإمارات الثناء في السنوات الأخيرة على الإصلاحات الاجتماعية التي قلصت دور الدين في الحياة العامة، وعبرت العديد من الدول الغربية عن ارتياحها لهذه التغييرات خاصة ما يتعلق باستيعاب أنماط حياة غير المسلمين.

ومع ذلك، فإن الجهود السعودية والإماراتية لتقديم نفسيهما كمنارات للإسلام المعتدل وفق مفهوم استبدادي، لم تثمر كثيرًا فيما يتعلق بتشجيع الاعتدال خارج حدودهما بالرغم من الانخفاض الكبير في التمويل السعودي للعديد من الهيئات والمؤسسات في الخارج وترويج الإمارات لمفاهيم التسامح.

عقبات تصدير النموذج المعتدل

لم يتخط نموذج "الاعتدال" السعودي والإماراتي حدودهما الجغرافية، وهو ما يتجلى في العديد من الدول الأوروبية وكذلك في مخيم "كوكس بازار" للاجئين الروهينجا في بنجلاديش وفي باكستان.

تتجلى العقبات التي تواجه القوة الناعمة الدينية أكثر في "مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين الأديان والثقافات" (الممول من السعودية)، فبعد عقد من الزمن من وجوده في فيينا، اضطر المركز إلى الانتقال إلى لشبونة، حيث يأمل المركز في أن يقلل التواجد في العاصمة البرتغالية الجدل الذي يحيط بسجل المملكة المشين في حقوق الإنسان.

وفي حين لا يمكن إنكار دور الإسلاموفوبيا في العنف والتحامل ضد المهاجرين ومعاداة اليمين للأجانب، إلا أنه لا يمكن تبرئة السعودية والإمارات من المسؤولية في الوقت ذاته.

وحتى صعود ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، قام المتشددون الذين مولتهم السعودية باستغلال مشاعر التهميش والحرمان والإقصاء في مشاريع الإسكان في المدن الفرنسية التي كان يسكنها بالأساس المهاجرون المسلمون وأبناؤهم المولودون في فرنسا.

 

بيئات مواتية للتشدد

وقال الصحفي الفرنسي "مارك ويتزمان" الذي كتب مقالًا مؤخرًا عن الجدل الدائر في فرنسا حول العنف والأقلية المسلمة: "حتى لو كان هذا تبسيطًا مخلًا بعض الشئ، يمكن للمرء أن يجادل بأن صعود العنف في فرنسا الذي بدأ من منتصف التسعينيات وتوج بالموجة الإرهابية عامي 2015-2016، كان في الأساس مشروعًا سلفيًا".

ويُلقي "ويتزمان" بالمسؤولية على جماعة "الإخوان المسلمين" ومؤيديها في الشرق الأوسط إلى جانب السعودية، ويبدو أنه تعمد إغفال دور السياسات التمييزية التي قامت بها فرنسا.

فقد أدى مزيج التمويل السعودي والغضب الإسلامي والسياسة الفرنسية لتكوين الخميرة لبيئة تتسم بالمشاعر المناهضة للمسلمين والمهاجرين والأجانب، وهو ما سمح للإمارات بتبرير حملتها القمعية ضد الإسلام السياسي مع التطلعات المحلية والجيوسياسية للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون".

ومع ترقب الانتخابات المقررة في أبريل/نيسان والتي يرجح أن يكون أقوى خصوم "ماكرون" فيها من اليمينيين الشرسين، اتهم "ماكرون" جماعة "الإخوان" والسلفيين بالسعي نحو "انفصالية" إسلامية و"التفوق" الإسلامي عبر إدخال قانون إسلامي من شأنه أن يحل محل القانون الفرنسي.

وأقرت الحكومة العام الماضي تشريعات ينظر إليها على نطاق واسع على أنها تستهدف المسلمين، كما شنت حملة قمع على مختلف منظمات المجتمع المدني للمسلمين. 

وبالمثل، فإن مسلحي "جيش إنقاذ الروهينجا أراكان" يحصدون الدعم إلى جانب العصابات الإجرامية في منطقة "كوكس بازار" في بنجلاديش، وهي موطن حوالي مليون لاجئ من ميانمار ليس لديهم ما يتطلعون إليه. ولا توجد حلول عملية لتحسين حياة هؤلاء اللاجئين ومنعهم من الجنوح إلى التشدد وإقناعهم بأن الاعتدال قادر على تقديم شئ لهم.

صحيح أن السعودية والإمارات تبرعتا بملايين الدولارات للمساعدات الإنسانية إلى الروهينجا، لكن في ظل حرب أهلية تلوح في الأفق بعد عام من الانقلاب العسكري في ميانمار، من غير المرجح أن توقف المساعدات الإنسانية وحدها الجرح في "كوكس بازار"، كما أن ميانمار لا تحتل أولوية وفق تقرير نشر عن المساعدات الإنسانية والإنمائية السعودية.

ونشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تقريرًا بعنوان "لماذا يحتاج العالم إلى الشراكة مع السعودية: المساعدات الإنسانية والتنموية العالمية السعودية"، وكان من الواضح أنه يهدف لتعويض ما يراه تقصيرًا من وسائل الإعلام ومنصات المعونة الدولية في تسليط الضوء على مساهمة المملكة.

وتحتل السعودية مرتبة ضمن أفضل 5 جهات مانحة في العالم حيث خصصت 60% من التمويل (40 مليار دولار) للتنمية في الـ 46 عاما الماضية،. وعلى النقيض من ميانمار، تحتل باكستان مرتبة  ضمن أفضل 5 متلقين للتبرعات السعودية الإنسانية والإنمائية.

 

نزوع باكستان للتشدد

يرى المراقبون أن باكستان (التي تعد البلد الأكثر تأثرًا بعقود من التمويل السعودي) تسلك الطريق الذي تركته السعودية والإمارات.

ويؤكد رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" على دور الإسلام في التعليم والحياة العامة ويواجه ما يطلق عليه "التجديف" (تم سن قانون ينضوي على مواد وأحكام تصل إلى الإعدام حال توجيه أي شخص إساءة للدين الإسلامي) في الوقت الذي تسعى فيه السعودية والإمارات للحد من الدور الذي يلعبه الدين في الهوية الوطنية و الحياة العامة.

ومع تركز المناقشات في باكستان على التعليم والأعراف الاجتماعية، أعلنت السعودية في مايو/أيار الماضي أنها ستقوم ببناء مسجد كبير باسم الملك "سلمان" في حرم الجامعة الإسلامية في إسلام أباد.

وصحيح أن رسالة المسجد من المحتمل أن تختلف بشكل كبير عما دعت إليه المؤسسات التي مولتها السعودية قبل الإصلاحات التي أدخلها "بن سلمان"، فمن غير المرجح أن تقتنع باكستان بالتخلي عن الطريق الذي تسير فيه حاليًا.

وبعد إدخال منهج تعليم يزيد بشكل كبير من المحتوى الديني وإنشاء هيئة لمراقبة المناهج الدراسية ومحتوى التجديف على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبر "عمران خان" الأسبوع الماضي أن الفساد والمحتوى الجنسي الصريح على الإنترنت التهديدات الرئيسية التي تواجه الشباب الباكستاني المسلم.

لكنه تجاهل القضايا الحقيقية التي تواجه الشباب في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، والتي تتمثل في عدم وجود تعليم جيد يساهم في إعداد الطلاب لسوق العمل، وعدم وجود بيئة فكرية واجتماعية تشجع حقا التفكير الإبداعي والمستقل، وندرة الآفاق المهنية للعديد من الشباب الباكستانيين.

ولكي نكون منصفين، فإن باكستان شهدت تطورًا مشجعًا هذا الأسبوع، عندما عُينت امرأة في المحكمة العليا للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

ومع أن "عمران خان" أعلن باستمرار أن مكافحة الفساد قضية مركزية لديه، إلا أن هناك وثائق تم تسريبها مؤخرا تشير إلى أن أعضاء حكومته وعائلاتهم وكذلك بعض الضباط العسكريين والداعمين الماليين له وضعوا ملايين الدولارات في شركات "أوف شور" يمتلكونها سرا.

ومع ذلك، ففي اجتماع عبر الإنترنت الأسبوع الماضي مع العلماء المسلمين، جادل "خان" بأن تأمين الأخلاقيات والقيم المجتمعية شرط أساسي لمكافحة الفساد.

وهكذا، أعطى "خان" الأولوية في تصريحاته للحاجة لحماية الشباب من غزو وسائل التواصل الاجتماعي لإيمانهم وقيمهم الدينية والأخلاقية، وأصر على أن الشباب المسلمين يجب أن يحترسوا من المواد الإباحية المتاحة على الإنترنت.

ولم يضم الاجتماع الأصوات التي تدعو إلى الإصلاحات القضائية والسياسية التي من شأنها أن تتبني حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فيما كان من بين المشاركين دعاة وعلماء مدعومين من الإمارات مثل "عبدالله بن بيه" و"حمزة يوسف"، وقد تمت دعوتهم من قبل هيئة المراقبة الباكستانية المنشأة حديثا.

بدا خطاب "خان" سيرياليًا نظرا لطبيعة المشاكل التي تواجهها البلدان ذات الأغلبية الإسلامية، بل إن مثل هذه الآراء دليل على كل أسباب تخلف البلدان الإسلامية، وفق الكاتب الباكستاني "زاهد حسين".

وانتقد "حسين" الفجوة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بين الدول الإسلامية وبقية العالم، محذرًا: "عدم كشف الحقائق يعزز التخلف.. يحتاج الشباب الذي يمثل الآن غالبية سكان العالم الإسلامي إلى التعليم وحرية التعبير والتفكير الذي يؤهلهم للمنافسة مع بقية العالم".

 

خطوة أولى

لا تتبنى السعودية ولا الإمارات الحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير، بل إن الأمر على العكس تماما، وسجلات حقوق الإنسان الخاصة بهما ملطخة للغاية.

ومع ذلك، فإن تشجيع باكستان وغيرها من الدول التي كان يستهدفها التمويل السعودي على بعض الإصلاحات (حتى لو كانت تتماشى فقط مع التعريف الاستبدادي للاعتدال) والمساعدة في تزويد المجتمعات المأزومة بآفاق تتجاوز مجرد البقاء على قيد الحياة، يشكل خطوة إلى الأمام.

ومن المحتمل أن يتعزز هذا الاتجاه مع تنافس السعودية والإمارات على شهادة "الاعتدال".

 

المصدر | جيمس دورسي/ أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد