ماكرون يراهن على دول الخليج مع الانسحاب الأمريكي من المنطقة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1321
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلنت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الوجه العام للدبلوماسية الغربية في الشرق الأوسط، وهو الدور الذي تعمق بعد 4 سنوات رغم الإخفاق في ليبيا وهشاشة الوضع اللبناني والخلاف الحاد مع الرئيس التركي؛ حيث اختتم "ماكرون" مؤخرا جولة ناجحة في الخليج وضعت اللمسات الأخيرة على عقود دفاع مربحة مع الإمارات والسعودية.

وتأتي زيارة "ماكرون" إلى السعودية والإمارات وقطر في وقت يستعد فيه للسباق الرئاسي على أمل إعادة انتخابه في أبريل/نيسان 2022.

كما تأتي الزيارة أيضا في أعقاب الخلاف العلني بين فرنسا مع حلفائها بالناتو في سبتمبر/أيلول الماضي؛ بسبب إلغاء أستراليا صفقة غواصات بقيمة 66 مليار دولار، واستبدالها بغواصات أمريكية تعمل بالطاقة النووية.

 

فرصة تراجع النفوذ الأمريكي

وبعد أن كشف "ماكرون" في أكتوبر/تشرين الأول النقاب عن خارطة الطريق الطموحة المعروفة بـ"رؤية فرنسا 2030" (بموجبها سيتم استثمار 35 مليار دولار في نظام الرعاية الصحية والاقتصاد الأخضر)، يبدو أنه يستفيد من فراغ النفوذ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة لإحياء صناعة الدفاع الفرنسية، والتي يرى أنها ضرورية حتى تظل فرنسا فاعلا مهما في الشؤون العالمية.

وأدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعدم اليقين بشأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران (جنبا إلى جنب مع مشاعر الخذلان التي شعرت بها بعض دول الخليج بعد اتفاق 2015 مع إيران) إلى دفع دول الخليج إلى تنويع انحيازاتها الأمنية، خوفا من أن تتخلى عنهم واشنطن في المستقبل.

وفي الوقت نفسه، انشغلت المملكة المتحدة (الحليف التقليدي لدول الخليج) في المخاوف الداخلية منذ "البريكست"، بالرغم أنها تسعى بشدة لشراكات تجارية عالمية لتعويض الخسائر التي تعرضت لها بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي.

وعززت كل هذه العوامل المصالح الاستراتيجية الفرنسية في الشرق الأوسط؛ حيث أصبح الخليج بمثابة بوابة لطموحات "ماكرون" السياسية في المنطقة.

 

الاستفادة من الخليج

وخلال السنوات الأربع التي ظل فيها مجلس التعاون الخليجي منقسما بفعل الأزمة مع قطر، لم تتأثر الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة.

ولطالما كانت الإمارات صديقة على طول الخط مع فرنسا، ومع ذلك أصبحت العلاقات أقوى في عهد "ماكرون"؛ حيث وجدت الدولتان عدوا مشتركا في الإسلام السياسي.

ودعمت الدولتان قوات الجنرال "خليفة حفتر" في ليبيا، كما انضمت فرنسا إلى الإمارات واليونان في مواجهة أنشطة تركيا في شرق البحر المتوسط.

وخلال زيارته إلى أبوظبي، عقد "ماكرون" صفقات بأرقام كبيرة، بما في ذلك صفقة لبيع 80 مقاتلة "رافال" بتكلفة حوالي 19 مليار دولار، فضلا عن توقيع صفقات اقتصادية أخرى بلغت قيمتها 17 مليار دولار.

وتعد فرنسا ثالث أكبر دولة مصدرة للأسلحة إلى السعودية، بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وعلى عكس القيادة في كلا البلدين، فإن "ماكرون" كان لديه رأس مال سياسي كافي لمقاومة الضغوط المحلية لوقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة بسبب تفاقم الوضع الإنساني في اليمن.

وعلاوة على ذلك، فمن خلال كونه أول زعيم غربي يزور السعودية منذ اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، يتولى "ماكرون" مهمة الانخراط مع ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" في وقت أصبح فيه منبوذا في معظم العالم الغربي.

ومع ذلك، فإن الخليج ليس مفتوحا تماما أمام "ماكرون"؛ حيث إن إصراره على السماح بنشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول خلق انتقادات واسعة في الكويت على وجه الخصوص.

وبالنظر إلى البرلمان والمجتمع المدني النشط في الكويت، فقد كانت أكثر دول الخليج اعتراضا بخصوص هذه المسألة؛ لذلك لم تكن الكويت ضمن المحطات التي توقف فيها "ماكرون" في جولته الخليجية الأخيرة.

 

وسيط صادق أم سياسي بحت؟

لم تقتصر جولة "ماكرون" الخليجية على صفقات الأسلحة والاستثمار، بل قدم نفسه وفرنسا كوسيط رئيسي، خاصة خلال زيارته للرياض؛ حيث حاول التوسط بين السعودية ولبنان بعد أزمة وزير الإعلام المستقيل "جورج قرداحي".

واستقال "قرداحي" من منصبه قبل يوم واحد فقط من زيارة "ماكرون" للمملكة على أمل تسهيل مهمة الرئيس الفرنسي في التفاوض، وتمكن "ماكرون" من ترتيب مكالمة هاتفية بين "بن سلمان" ورئيس الوزراء اللبناني "نجيب ميقاتي". كما أعلن الرئيس الفرنسي لاحقا عن مبادرة سعودية فرنسية لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته الاقتصادية الحادة.

وحتى الآن، أدت سياسة "ماكرون" في الخليج والشرق الأوسط إلى تعزيز وجود فرنسا في المنطقة، وسيكشف المستقبل عما إذا كان هذا سيترجم إلى فوز في الانتخابات العام المقبل من عدمه.

ومع ذلك، فإن دعم مليشيات "حفتر" في ليبيا ومنح الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" وسام جوقة الشرف الفرنسي العام الماضي، بالإضافة إلى إعلانه مؤخرًا قوانين جديدة للأمن القومي تنطوي على مراقبة أكثر صرامة للمواطنين المسلمين في فرنسا، تهدد جهوده لإبراز نفسه كوسيط صادق في جلب السلام والاستقرار إلى الشرق الأوسط.

 

المصدر | معهد دول الخليج العربي واشنطن/حمد الله بايكار وسنا قوادري - ترجمة وتحرير الخليج الجديد