مع تراجع السعودية والإمارات.. هل تملأ قطر فراغ المساعدات الضرورية للبنان؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1272
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

استقال "جورج قرداحي" في 3 ديسمبر/كانون الأول من منصبه كوزير للإعلام بعد شهور من أزمة دبلوماسية مع السعودية وعدد من الدول الخليجية. وجاءت استقالته بناء على طلب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" قبل زيارته إلى الرياض.

وأثار "قرداحي" ضجة بعد أن وصف التدخل العسكري السعودي في اليمن بـ"غير المجدي" واعتبر أن الحوثيين يدافعون عن أنفسهم ضد الهجمات الخارجية. وكانت تصريحات "قرداحي" في برنامج تم تسجيله في أغسطس/آب، قبل أكثر من شهر من تعيينه وزيراً للإعلام. وفي مواجهة ما اعتبرته إهانة واستفزازًا، ردت السعودية بتعليق العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع لبنان، وتلتها الإمارات والبحرين والكويت واليمن.

وجاءت أزمة "قرداحي" في أعقاب حادثة أخرى في مايو/أيار عندما أهان وزير الخارجية اللبناني "شربل وهبه" دول الخليج في اجتماع من خلال وصفهم بـ"البدو" واتهامهم بإنشاء تنظيم "الدولة الإسلامية". ورداً على ذلك، استدعت السعودية والإمارات والبحرين والكويت السفراء اللبنانيين في بلادهم للتعبير عن استنكارهم لتصريحات "وهبه".

وأدت تعليقات الوزراء اللبنانيين إلى تعميق التوترات مع الحلفاء التاريخيين في وقت تعاني فيه البلاد من الانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي.

ولدى لبنان ودول الخليج تاريخ طويل من التحالف والدعم. وبعد الحرب الأهلية (1975-1990) اعتمد لبنان بشكل كبير على القروض والاستثمارات من الخليج لتحقيق التوازن في ميزانيته والمساعدة في إعادة بناء البلاد. وقد استمر المستوى المرتفع للاستثمار الخليجي من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى عام 2016. وشمل ذلك المساعدات السعودية للجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي.

ويبدو أن العديد من دول الخليج تنفر بشكل متزايد من تقديم مزيد من الدعم لبلد غير قادر على إجراء إصلاحات هيكلية حقيقية. ومع النفوذ المتزايد لـ"حزب الله" أصبحت الدول الخليجية مترددة بشأن إعادة الانخراط الفوري في العلاقات مع لبنان.

وسعت قطر والسعودية والإمارات تاريخيًا إلى تأمين نفوذ أكبر في لبنان. وقد يوفر تحسن المراكز المالية لهذه الدول المنتجة للنفط والغاز الوسائل الاقتصادية لأشكال مختلفة من المشاركة مرة أخرى.

ونظرًا لأن السعودية والإمارات تبتعدان عن لبنان، تبدو قطر في وضع أفضل لتوسيع نطاق المساعدات بالرغم أن الدعم السعودي والاستثمار الإماراتي (جنبًا إلى جنب مع المشاركة السياسية السعودية الكبيرة) قزم الجهود القطرية السابقة.

ويتركز دور الإمارات في لبنان بشكل كبير على الحفاظ على الوضع الراهن والتحقق من قوة "حزب الله". وحذرت الإمارات في يوليو/تموز 2020 لبنان من أن نفوذ "حزب الله" على الدولة يتسبب في تدهور العلاقات مع دول الخليج. وقدمت الإمارات في الشهر التالي 40 طناً من المساعدات الإنسانية لضحايا انفجار بيروت.

ووقعت الإمارات العام الماضي اتفاقية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وأثار ذلك مخاوف في لبنان من أن الاستثمارات (لا سيما في قطاعي السياحة والعقارات اللذين استفادا تاريخياً من الاستثمار الخليجي) سيتم تحويلها من لبنان إلى إسرائيل؛ حيث يهدد رفض لبنان العمل مع إسرائيل بإبعاد بيروت عن الشراكات الجديدة.

وحاليا يتعافى اقتصاد الإمارات من جائحة فيروس كورونا، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 4.2% في عام 2022. لكن الإمارات تعزز العلاقات مع أسواق أكبر وأكثر استقرارًا مثل أسواق المملكة المتحدة والصين وتركيا، مما يترك لبنان خارج أولويات الاستثمار الأجنبي لدولة الإمارات. وقد صرحت الإمارات أنها ستدعم خطة عمل لتعزيز الاقتصاد اللبناني إذا شاركت القوى الكبرى.

 

هل يتجه لبنان إلى قطر؟

بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي، تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة تحديات اقتصادية وسياسية خطيرة. وبينما تعمل الحكومة على معالجة هذه التحديات، من المرجح أن تظل معظم العلاقات الخليجية مع لبنان متوترة. ومع استمرار عقبة "حزب الله" وتغير السياسات الاقتصادية للسعودية والإمارات سيتجه لبنان على الأرجح إلى قطر التي تسع إلى تعزيز شراكاتها حيثما أمكنها ذلك.

وسعت قطر إلى تعريف نفسها كوسيط محايد وهو ما يتجلى في جهودها لتسهيل المفاوضات الأمريكية مع طالبان وزيادة التعاون مع تركيا وإيران. وقد امتد هذا إلى علاقة قطر بلبنان.

وفي عام 2019، كان أمير قطر الزعيم الخليجي الوحيد الذي حضر قمة بيروت للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومنذ عام 2008، استضافت قطر الجماعات السياسية اللبنانية المتنافسة في الدوحة لمساعدة هذه الأطراف على التوصل إلى اتفاق لحل الجمود السياسي بعد انتهاء ولاية الرئيس "إميل لحود" في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2007. كما عرضت قطر منذ فترة طويلة دعمًا اقتصاديًا للبنان. وفي صيف عام 2006، قدمت قطر مساعدات لإعادة إعمار البلاد بعد الحرب مع إسرائيل.

واشترت قطر في 2019 سندات بقيمة 500 مليون دولار لتوفير سيولة نقدية تشتد حاجة الاقتصاد اللبناني إليها. وبالرغم أن هذه الخطوة كانت ثانوية فيما يتعلق باحتياجات لبنان الاقتصادية، إلا أنها أظهرت حسن النية واستعداد القطريين للتدخل وتحقيق الاستقرار في القطاع المالي اللبناني كما فعلوا مع تركيا. وبعد انفجار ميناء بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، سارعت قطر في تقديم المساعدة واستمرت في إرسال شحنات المساعدات.

ووعدت قطر بتقديم مزيد من المساعدات للبنان من خلال مشاريع اقتصادية عقب تشكيل الحكومة الجديدة. ومع ارتفاع أسعار الطاقة ستكون قطر في وضع أفضل لتقديم المساعدات الخارجية. ومع ذلك، فرضت قطر والولايات المتحدة عقوبات على الشبكة المالية لـ"حزب الله" في الخليج، مما يشير إلى أن قطر قد تخطو بحذر فيما يتعلق بمشاركة أكبر مع لبنان والجهات الفاعلة شبه الحكومية.

وبالنسبة للسعودية والإمارات، فقد وصل نفوذ "حزب الله" إلى مستويات أقنعتهما بأن أي جهد لمساعدة لبنان سيصب في مصلحة "حزب الله" وتمكينه بشكل غير مباشر.

وفي حين أن فرنسا قد تنجح في التخفيف من حدة الانقسام الحالي، يبدو أن لبنان فقد جاذبيته مع جيل جديد من قادة الخليج الشباب الذين لا يتحمسون للانخراط وليس لديهم أي تاريخ أو ارتباط مع ما كان لدى جيل أقدم من القيادة الخليجية تجاه لبنان.

 

المصدر | سوزان سيقلي - معهد دول الخليج العربية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد