تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على دول الخليج

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1514
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

منذ عام 1979، تميل دول الخليج إلى النظر إلى أفغانستان على أنها دولة بعيدة ذات أهمية محدودة بالنسبة لمصالحها. ويعمل عدد قليل نسبيا من الأفغان في دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الإمارات التي تضم نحو 150 ألف أفغاني مقيم.

ويمتلك عدد من رجال الأعمال وأمراء الحرب الأفغان الأغنياء قصورا في دبي. ويميل معظم الأفغان المهاجرين إلى العمل في إيران وباكستان. وحاول عدد من الأفغان اللجوء إلى أوروبا لكن وجد كثير منهم أنفسهم عالقين في تركيا عندما أغلقت الحكومات الأوروبية بوابات الهجرة. ومن بين جيران أفغانستان، أظهرت إيران فقط اهتماما تاريخيا كبيرا بمصير أفغانستان.

 

 

إذا كسرتها يجب أن تشتريها

هناك قاعدة شهيرة أطلقها "كولن باول" تسمى "قاعدة الفخار" والتي تقول "إذا كسرتها يجب أن تشتريها". ويجب على دول الخليج أن تتذكر هذه القاعدة والتي تعني في جوهرها أن من يخلق مشكلة ما فهو المسؤول عن التكلفة السياسية والاقتصادية لمعالجة هذه المشكلة.

ويجب أن تركز تلك الدول على العواقب قصيرة ومتوسطة المدى للانسحاب الأمريكي المفاجئ وغير المنسق من أفغانستان. وفي جميع الاحتمالات، سوف يتزايد القتال الداخلي، ما يؤدي إلى كارثة إنسانية ربما تنافس كارثة اليمن.

وعلى عكس اليمن، الذي نادرا ما يجد نفسه في الصفحة الأولى من "واشنطن بوست"، فإن الأمريكيين والأوروبيين استثمروا كثيرا في أفغانستان. وستتحمل أوروبا وطأة موجة جديدة من اللاجئين وستظهر الفوضى بانتظام في الأخبار.

ولسوء الحظ، لا يبدو أن "طالبان" تعلمت من أحداث 11 سبتمبر/أيلول. ولا يوجد ما يشير إلى أنهم انفصلوا بأي شكل من الأشكال عن حلفائهم المتهمين بالإرهاب. وفي الواقع، يؤكد تقرير حديث عن الأمم المتحدة أن "طالبان" تواصل دعم القاعدة، بالرغم من ادعاءات طالبان بعكس ذلك.

لقد تم احتواء حالة عدم الاستقرار في اليمن، بالرغم من كونها مروعة. وعلى النقيض من ذلك، قد تمتد اضطرابات أفغانستان إلى الخليج. ويتعين على دول الخليج أن تقلق وأن تركز على كيفية منع انهيار أفغانستان.

 

 

وكلاء التمويل

وعلى دول مجلس التعاون الخليجي واجب تجاه أفغانستان لأنها لعبت دورا كبيرا في خراب البلاد في المقام الأول. 

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد قدمت أموال للولايات المتحدة لدعم المجاهدين ضد السوفييت منذ عام 1980 حتى انسحابهم عام 1989. ثم ساهمت أموال الخليج في تأجيج المنافسة بين أمراء الحرب على السلطة بعد انسحاب السوفييت. وأخيرا، بعد خيبة أمل من أمراء الحرب، تحولت الأموال الخليجية إلى باكستان ووكلائها في حركة طالبان قبل عام 2001.

وتوافد الآلاف من الخليجيين على أفغانستان لمحاربة السوفييت بدعم رسمي. وعندما انسحب السوفييت، رفضت دولهم في كثير من الأحيان السماح لهم بالعودة خوفا مما يمثله الفكر "الجهادي" من تهديد لاستقرار تلك الحكومات.

نتيجة لذلك، استقر العديد منهم بشكل دائم في أفغانستان، وغالبا ما انضموا إلى طالبان، وفي كثير من الحالات تم تجنيدهم من قبل التنظيمات الجديدة مثل القاعدة. 

 

 

مشاركة السعودية ودول الخليج الأخرى منذ البداية

ويروي تقرير أشرفت عليه وزارة الخارجية النرويجية التاريخ الطويل للتدخل السعودي في الشؤون الأفغانية. وبدأت الرياض مشاركتها على نطاق واسع في عام 1980 عندما أصبحت الداعم المالي الرئيسي لـ"عملية الإعصار"، وهو البرنامج الأمريكي لتسليح المجاهدين الأفغان ضد القوات السوفيتية المحتلة. وبعد الانسحاب السوفييتي عام 1989، أغلقت الولايات المتحدة "عملية الإعصار" لكن السعودية استمرت في دعم بعض قادة المجاهدين، وأشهرهم "قلب الدين حكمتيار".

وفقط بعد أن امتدح "حكمتيار" غزو "صدام" للكويت عام 1990 وأدان السعودية لدعوتها القوات الأمريكية، تخلت عنه الرياض وحولت دعمها لباكستان، وقد انحازت في الواقع إلى طالبان.

وبعد أن استولت طالبان على كابول عام 1996، انضمت السعودية إلى باكستان والإمارات باعتبارهما الدولتين الوحيدتين في العالم اللتين اعترفتا بـ"الإمارة الإسلامية"، وبالتالي اعترفت بطالبان كحكومة شرعية في أفغانستان وقدمت لها الأموال والمعدات. واستمرت السعودية في دعم نظام طالبان حتى هاجم الجهاديون العرب الخليجيون المقيمون في أفغانستان الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وساهمت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بما في ذلك الإمارات والبحرين والكويت، في "عملية الإعصار". وأشار تقرير استقصائي صادر عن صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" إلى أن الإمارات فشلت في وقف التمويل واسع النطاق لـ"طالبان" و"القاعدة" في الأعوام التي سبقت 11 سبتمبر/أيلول.

ولم تقطع الإمارات العلاقات الدبلوماسية مع "طالبان" حتى 23 سبتمبر/أيلول 2001، عندما رفضت الأخيرة مطالبة مجلس الأمن الدولي بتسليم "أسامة بن لادن" للمساءلة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وفي عام 2017، ردت طالبان على ما يبدو على تخلي الإمارات عنها بقتل 5 أطباء إماراتيين وإصابة السفير الإماراتي بجروح خطيرة في تفجير في قندهار، ونفت طالبان في وقت لاحق تورطها.

وبينما لم تعترف قطر بحركة طالبان أبدا، إلا أنها حافظت على علاقات جيدة معها حتى قطعتها بعد 11 سبتمبر/أيلول. واليوم وبناء على طلب الولايات المتحدة، قبلت قطر شبه سفارة لطالبان واستضافت محادثات ثنائية أدت إلى الاتفاق في فبراير/شباط 2020 على انسحاب القوات الأمريكية. وإذا انهار الاتفاق بعد انتهاء الانسحاب الأمريكي، فسيكون لقطر جزء من اللوم أيضا.

 

 

علاقة الحب والكراهية بين إيران و"طالبان"

ولدى إيران تاريخ عريق ومعقد مع أفغانستان. وفي أوائل القرن الـ18، غزا زعيم البشتون الأفغاني "آزاد خان أفغان" لفترة وجيزة جزءا من إيران في عهد الأسرة الصفوية. وفي القرن الـ20، اعترفت الدولتان رسميا ببعضهما البعض عام 1921، لكن ظلت العلاقات متوترة بينهما بسبب النزاع على الحدود وحقوق المياه. وأثناء الاحتلال السوفييتي، وقف العديد من "الهزارة الأفغان" (أقلية شيعية تتعرض الآن لهجوم من طالبان السنية) إلى جانب الحكومة الشيوعية ضد المجاهدين، بتشجيع ضمني على ما يبدو من طهران ما بعد الثورة. وخلال هذا الوقت، فر أكثر من مليون لاجئ أفغاني إلى إيران.

وفي عام 1998، كادت إيران أن تخوض حربا مع طالبان بعد أن هاجمت القنصلية الإيرانية في مزار الشريف، ما أسفر عن مقتل 9 دبلوماسيين، وارتكاب مذبحة في صفوف الهزارة. وبالرغم من العداء التاريخي مع الولايات المتحدة، فقد دعمت إيران الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 وسهلت مساعي الولايات المتحدة لإنشاء أول حكومة في أفغانستان بعد طالبان. وقام دبلوماسيون إيرانيون بجلب أمراء الحرب إلى مؤتمر السلام الأول في برلين، وطردوا "قلب الدين حكمتيار" من إيران بسبب أنشطته المعادية لأمريكا.

وبالرغم من ذلك،اعتبرت إدارة الرئيس الأمريكي "جورج دبليو بوش" أن إيران جزء من "محور الشر". وكنتيجة حتمية، تصالحت طهران مع طالبان. وخوفا من أن يتبع الهجوم على العراق في عام 2003 هجوم أمريكي على إيران، بدأت طهران في توفير المعدات العسكرية لطالبان. ودفعت حوادث أخرى طهران إلى السعي للتعاون مع طالبان، بما في ذلك الفشل الكبير لإدارة "كرزاي" في السيطرة على العمليات المناهضة لإيران والهزارة.

ثم جاء ظهور تنظيم "ولاية خراسان" المناهض للشيعة في 2015. وقد هاجم التنظيم الهزارة بشكل متكرر. وعندما فقدت إيران الثقة في قدرة الحكومة الأفغانية على هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" في خراسان، لجأت إلى طالبان. ولبعض الوقت، أقامت طالبان علاقات أفضل مع الهزارة، وهو الموقف الذي أدى إلى استمرار الدعم الإيراني.

والآن، تتضاعفت الهجمات ضد الهزارة، بما في ذلك تفجير مروع لمدرسة ابتدائية للبنات في منطقة شيعية في كابول والذي خلف أكثر من 80 قتيلة بين طالبات المدرسة. ونفت طالبان مسؤوليتها وألقت باللوم على إسلاميين لم تسمهم، لكن من الجدير بالملاحظة أن الهجوم يتوافق مع مبادئ طالبان وطريقة عملها. ويبقى أن نرى كيف سيكون رد فعل طهران، إذا ثبت حدوث ذلك.

 

تأثير الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على الخليج

وبالرغم أن دول مجلس التعاون الخليجي تخشى أي انسحاب أمريكي من المنطقة، إلا أن مغادرة أفغانستان لم تثر قلق الخليج مثل الانسحاب من العراق. وتنظر دول مجلس التعاون الخليجي إلى أفغانستان ومشاكلها على أنها بعيدة عنها، فيما يشير التاريخ إلى أنه لا ينبغي أن تشعر دول الخليج بهذه الراحة.

ولا توجد أي مؤشرات ملموسة على أن طالبان ستتورع عن تقديم الملاذ والدعم للمنظمات الجهادية مثل تنظيم "الدولة الإسلامية في خراسان" أو القاعدة. 

ومن المتوقع أن يشتد القتال في أفغانستان، وسيعتمد ذلك على مدى استمرار التدريب والدعم الاستخباراتي للجيش الأفغاني وقوات الأمن. وفي المقابل، سوف تستمر باكستان في دعم طالبان، وربما بشكل أكثر صراحة بعد رحيل الأمريكيين. وستُسلط الحرب الأهلية بين الجانبين الضوء على ارتباط طالبان بالجهاديين.

ويشير المنطق إلى أن طالبان ستفقد الكثير من جاذبيتها كـ "مقاتل من أجل الحرية" ضد محتل أجنبي، ما يؤدي إلى ضعف داخلي بمرور الزمن. وإذا نجحت القوات الأفغانية في الصمود أمام طالبان، فمن المتوقع أن يلجأ الطرفان إلى تسوية تفاوضية نهائية. 

ولكن إذا انهارت هذه القوات فستعود أفغانستان إلى نفس حالة الفوضى التي سادت عندما قامت باكستان بدعم طالبان في الحرب الأهلية في عام 1994. وسوف تتدهور الأوضاع في أفغانستان وتنزلق إلى حرب أهلية طائفية وعرقية بين البشتون وطالبان وفصائل مختلفة من الطاجيك والأوزبك والهزارة. وستسعى كل من هذه الجماعات العرقية لتحصيل الدعم من امتداداتها العرقية والدينية عبر الحدود في طاجيكستان وأوزبكستان وإيران.

وسيحدث بالتأكيد تطهير عرقي واسع النطاق حيث تسعى الفصائل الطائفية والعرقية المختلفة إلى تطهير أراضيها من أفراد الطابور الخامس المحتملين. وسوف تتدفق موجات تسونامي من اللاجئين على البلدان المجاورة، ما يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.

وسيتدفق المقاتلون وأموال التبرعات من الخليج لمساعدة طالبان، ما يعني إعادة إنشاء البنية التحتية التي جلبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول. وسوف تسلط وسائل الإعلام العالمية الضوء مرة أخرى على حقيقة أن الجهاديين يتلقون معظم أموالهم من متبرعين خليجيين. وسوف تجتذب الجماعات الجهادية الشباب الساخطين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الخليج، والذين سيشكلون في نهاية المطاف تهديدا خطيرا، إن لم يكن وجوديا، لتلك الحكومات.

 

 

دور دول الخليج

ويجب أن تدرك دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ضرورة الحفاظ على الحكومة في أفغانستان. وبالرغم من كل عيوبها وضعفها، يرى محللون أن حكومة الرئيس "أشرف غني" توفر الأمل في مستقبل أفضل لأكثر من 60% من السكان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما. 

ويجب على مجلس التعاون الخليجي وإيران الضغط على الولايات المتحدة وبقية أعضاء "الناتو" لمواصلة دعم الحكومة. ويجب على دول الخليج ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على باكستان لوقف دعم طالبان. وتحتاج باكستان إلى الدعم الاقتصادي من قبل مجلس التعاون الخليجي، وربما يكون ذلك مصدر ضغط أكثر قوة من الطلبات والعقوبات الأمريكية.

ومن جانبها، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى وضع أكبر مسافة ممكنة بينها وبين طالبان. ويجب على دول المجلس اتخاذ إجراءات لضمان عدم قيام مواطنيها بتقديم المساعدة المالية لطالبان أو السفر إلى أفغانستان للانضمام إليها. واتخذت دول المجلس بالفعل خطوات مهمة لمنع الدعم المالي لمنظمات شبيهة، ولديها الآليات الممكنة لتطبيق نفس القواعد على طالبان. ومن المرجح أن تطلب المحكمة الجنائية الدولية لوائح اتهام ضد قادة طالبان. وستؤدي هذه التحقيقات حتما إلى تعقب الدعم المالي لحركة طالبان.

ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي الـ6، يمثل هذا الاتجاه تحديا خاصا لقطر التي استضافت على مدار العقد الماضي بعثة شبه دبلوماسية لطالبان وعدد من مسؤولي طالبان وعائلاتهم بناء على طلب الولايات المتحدة. وخدم هذا الترتيب المصالح الأمريكية حيث وفر مكانا للمفاوضات، لكن بمجرد أن تكمل الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان، لن يكون لديها حافز لمواصلة هذه المفاوضات.

ومع بدء وسائل الإعلام الحديث عن عمل المزيد من الجهاديين في أفغانستان تحت غطاء وحماية طالبان، سيزداد الضغط لإعلانها حركة إرهابية ومعاقبة قيادتها مرة أخرى. لذلك يجب على قطر أن تستعد للتعامل مع قادة طالبان، حتى لو كان وجودهم بطلب من الولايات المتحدة.

ويتعين على الدوحة بذل المزيد من الجهد لتحديد موقعها من إدارة "غني". ومؤخرا، طلب "ناتو" من قطر توفير مرافق لمعسكر تدريب "الناتو" للقوات المسلحة والشرطة الأفغانية. 

ولا يمكن لدول الخليج أن تتهرب من دورها ومسؤوليتها عما يحدث في أفغانستان. ولا يمكنها أن تفترض أنها تستطيع عزل نفسها عن عواقب الانهيار الثاني هناك. 

ومن ناحية أخرى، يمكن أن تستفيد بعض قادة الخليج من الانسحاب الأمريكي، فهناك قادة مثل "محمد بن سلمان" في السعودية و"محمد بن زايد" في الإمارات في مأزق مع "بايدن". ومن خلال مساعدة الحكومة الأفغانية على الحفاظ على استقرارها، يمكنهم تقديم أوراق اعتمادهم لدى إدارة "بايدن".

 

المصدر | باتريك ثيروس | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد