هكذا يؤثر بريكست على سياسة بريطانيا تجاه الشرق الأوسط

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1832
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عندما أنهت بريطانيا قضية خروجها من الاتحاد الأوروبي في الأول من يناير/كانون الثاني، أثيرت أسئلة حول كيفية تأثير ذلك على سياستها الخارجية.

وكانت منطقة الشرق الأوسط من المجالات الرئيسية التي تم أخذها في الاعتبار، حيث ضاعفت جهودها لتعزيز العلاقات مع حلفائها الإقليميين التقليديين.

وقد جسدت حكومة "بوريس جونسون" المحافظة درجة من الانعزالية الشعبوية، مع رغبات خيالية لجعل المملكة المتحدة مستقلة وقوية مرة أخرى، والترويج لها على أنها "بريطانيا العالمية" وليس الأوروبية.

ووفقا لبيان وزارة الخارجية والكومنولث البريطانية، "تتمحور بريطانيا العالمية حول إعادة الاستثمار في علاقاتنا، ودعم النظام الدولي القائم على القواعد، وإثبات أن المملكة المتحدة منفتحة ومتطلعة إلى الخارج وراسخة على المسرح العالمي".

ومع ذلك، إذا استمرت المملكة المتحدة في اتباع مسار أكثر فردية، فقد يعيق ذلك نفوذها الدبلوماسي في الشرق الأوسط ويجعلها أكثر اعتمادا على مبيعات الأسلحة والعلاقات مع حلفائها التاريخيين.

وفي خضم مفاوضات مطولة وغير مثمرة بين لندن وبروكسل منذ عام 2016، نجحت بريطانيا في زيادة العلاقات التجارية مع شركائها في الشرق الأوسط، وخاصة في الخليج.

وحاليا، يبلغ قيمة التبادل التجاري بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي نحو 50.8 مليار دولار من القيمة الإجمالية البالغة 57.2 مليار دولار مع منطقة الشرق الأوسط ككل.

وخلال زيارة إلى لندن في مارس/آذار 2017، رأى ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" فرصة ذهبية لإبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع رئيسة الوزراء آنذاك "تيريزا ماي".

وشمل ذلك صفقة تجارية تزيد قيمتها عن 2 مليار دولار، فضلا عن مبيعات أسلحة أخرى.

وفي الواقع، زادت المملكة المتحدة مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية وحلفاء آخرين بنسبة 300% في عام 2019 مقارنة بالعام السابق، وفقا لحملة مناهضة تجارة الأسلحة في لندن، ما يشير إلى التحول إلى اقتصاد أكثر اعتمادا على صناعة الأسلحة.

وفي فبراير/شباط 2020، أعلن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، "أنور قرقاش"، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "حافز للتجارة الحرة" بين البلدين.

وجاء ذلك بعد زيادة التجارة بين المملكة المتحدة والإمارات من 22 مليار دولار أمريكي إلى 37 مليار دولار أمريكي بين عامي 2017 و2020.

وأثارت العلاقات المتزايدة لبريطانيا مع دول الخليج المختلفة تساؤلات حول ما إذا كانت بريطانيا ستسعى إلى اتفاقية للتجارة الحرة مع مجلس التعاون الخليجي، والتي ستكون بمثابة دفعة كبيرة لـ "داونينج ستريت".

وسعت بريطانيا لإبرام اتفاقية تجارة حرة مع منطقة مجلس التعاون الخليجي لكن المهمة كانت صعبة حيث خلقت الأزمة الخليجية في عام 2017 صدعا جعل من الصعب تحقيق هذا الهدف.

وكانت الصين قد سعت للتفاوض على اتفاقية مماثلة عام 2016، لكن الأزمة أعاقتها في وقت لاحق.

ومع ذلك، أعادت دول مجلس التعاون الخليجي الآن العلاقات بعد أن تم حل الأزمة الخليجية في يناير/كانون الثاني، الأمر الذي خلق إطارا قد تكون فيه بريطانيا قادرة على متابعة اتفاقية التجارة الحرة مع الكتلة.

وأنجزت المملكة المتحدة بالفعل اتفاقية تجارة حرة مع تركيا في 31 ديسمبر/كانون الأول، وقد وصفها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بأنها أهم صفقة تجارية لتركيا منذ الاتحاد الجمركي عام 1995 مع الاتحاد الأوروبي.

وتتيح اتفاقية التجارة الحرة استمرار الاتفاقيات التجارية التي تمتعت بها لندن وأنقرة خلال عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

وقال "كريس جاونت"، رئيس غرفة التجارة البريطانية في تركيا، في 15 يناير/كانون الثاني، إن التجارة البريطانية التركية يمكن أن تتوسع أيضا، لا سيما في قطاع التكنولوجيا.

وتتمتع لندن وأنقرة الآن بفرص أكبر للتعاون السياسي، في مجالات مثل أزمة شرق البحر المتوسط، خاصة وأن بريطانيا قد ترغب في الحفاظ على نفوذها على خطوط الشحن من قناة السويس إلى أوروبا.

كما أن ذلك يخلق آفاقا أخرى للتعاون في أزمات مثل ليبيا، حيث يمكن لبريطانيا دعم مفاوضات السلام من خلال حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا والمدعومة من تركيا.

وبالإضافة إلى تركيا، وقعت بريطانيا أيضا اتفاقية تجارة حرة مع مصر في 5 ديسمبر/كانون الأول، والتي تمنح رجال الأعمال البريطانيين وصولا تفضيليا إلى السوق المصرية. 

وهكذا حاولت بريطانيا تعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين.

وبينما هناك احتمال أن يكون لبريطانيا نفوذ دبلوماسي أكبر، يمكن أن تستخدمه للمساهمة في مبادرات السلام في بعض النزاعات، فقد اتخذت موقفا أكثر انعزالية.

وفي أحدث إعلان عن الميزانية البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خفض المستشار "ريشي سوناك" الإنفاق على السياسة الخارجية من 0.7% إلى 0.5% خلال الأعوام الـ 4 المقبلة، وهو ما يعادل انخفاضا بنحو 4 مليارات جنيه إسترليني سنويا، أو نحو 5.5 مليار دولار أمريكي.

ومع ذلك، تعهد "سوناك" أيضا بزيادة ميزانية الدفاع في لندن بمقدار 19 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 26 مليار دولار أمريكي، وهي أكبر زيادة منذ الحرب الباردة.

ونظرا لأن المملكة المتحدة عرضت قدرا صغيرا نسبيا من المساعدات لليمن، بالرغم من تورطها في تأجيج الصراع الذي تقوده السعودية من خلال المبيعات العسكرية، فقد أثارت الميزانية الأخيرة مزيدا من الانتقادات بأن بريطانيا ستتجاهل حقوق الإنسان لحساب المصالح الاقتصادية.

ويكشف تخفيض المساعدات الخارجية عن أن المملكة المتحدة يمكن أن تلعب دورا أقل في السياسة الخارجيةما يعني تقويض شعار "بريطانيا العالمية".

ومع ذلك، كان أحد التحولات اللاحقة في مشاركة بريطانيا في الشرق الأوسط هو فوز "جو بايدن" برئاسة الولايات المتحدة، والذي قد يتحدى حكومة "جونسون" بسبب قربها من "ترامب".

وفي ظل حملة "أقصى ضغط" التي شنها "ترامب" على إيران، انحرفت واشنطن عن موقف أوروبا الذي دعم التمسك بالاتفاق النووي لعام 2015.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، قال "جونسون" أيضا إنه يفضل استبدال الاتفاق الإيراني بـ "اتفاق ترامب".

وعندما اضطرت بريطانيا للاختيار بين موقف أوروبا وواشنطن، بدأت في الانجراف نحو سياسة الشرق الأوسط ذات التوجه الأطلسي.

وبما أن المملكة المتحدة تخاطر بخسارة التجارة مع الاتحاد الأوروبي، كان هناك احتمال أن تعتمد لندن بشكل أكبر على الصفقات التجارية مع واشنطن، الأمر الذي أجبر المملكة المتحدة على تحالف أقوى مع سياسة "ترامب" الخارجية.

وكذلك منح دعم "ترامب" غير المبرر للحرب التي تقودها السعودية في اليمن غطاء أكبر لبريطانيا لمواصلة دعم الرياض عسكريا، بالرغم أن المزيد من مبيعات الأسلحة تنتهك دعوى قضائية ضد دعم حكومة المحافظين للمملكة السعودية.

ودافع "جونسون" عن "ترامب" بعد أن أصبح رئيسا للوزراء، بالرغم من إهانته سابقا عام 2015 خلال زيارة الرئيس السابق إلى لندن.

ومن الواضح أن "جونسون" كان حريصا على استرضاء أي رئيس أمريكي في السلطة، ومن المرجح أن يفعل ذلك مع "بايدن".

وأظهر "بايدن" استعداده لمتابعة اتفاق جديد مع إيران، ومراجعة دعم واشنطن للحرب السعودية على اليمن.

ويمكن لرئاسته أيضا إصلاح الخلافات بين واشنطن وبروكسل والتي تسبب فيها "ترامب"، الأمر الذي يترك بريطانيا معزولة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وإذا نجح "بايدن" في تنفيذ تعهداته، فسيتم الضغط على "جونسون" ليحذو حذوه، وبالتالي سوف تتكيف حكومته المحافظة مع موقف الولايات المتحدة.

وفي أول مكالمة هاتفية بينهما منذ تنصيب "بايدن"، ناقش الزعيمان في 23 يناير/كانون الثاني اتفاقية تجارة حرة جديدة محتملة، بينما غرد رئيس الوزراء البريطاني بأنه يتطلع إلى "تعميق التحالف طويل الأمد" بين البلدين.

وبالرغم أن لندن قد تتنفس الصعداء مؤقتا إذا نجحت في تكوين صداقة مع "بايدن"، إلا أن رئاسته قد تجبر المملكة المتحدة على تغيير سياستها لا سيما وأن "جونسون" كان داعما طوال الوقت لموقف "ترامب" بشأن اليمن وأشاد بموقفه من إيران، بينما بنت المملكة المتحدة اعتمادا اقتصاديا أكبر على صناعة الأسلحة.

 

المصدر | جوناثان فينتون هارفي/إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد