كيف أفشلت انتِهاكات حُقوق الإنسان وحرب اليمن واغتِيال خاشقجي مُعظم رِهانات الحُكومة السعوديّة على قمّة العشرين
التي تبدأ افتِراضيًّا غدًا في الرياض؟ ولماذا جرى إجهاض “مُبادرة” بالإفراج عن الناشطة لجين الهذلول وزميلاتها لتحسين صُورة المملكة قبل القمّة بأيّام؟
يفتتح العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز صباح غد السبت أعمال قمّة مجموعة العِشرين التي تتزعّمها بلاده، ومن المُفترض أن يُشارك فيها عبر “الانترنت” زُعماء هذه المجموعة، ولكنّ هُناك ظِلال مِن الشّكوك حول حجم المُشاركة ومُستواها.
القِيادة السعوديّة كانت وما زالت تُراهِن على أن تُؤدّي رئاستها لها توفير فُرصة ثمينة لإبراز التحوّلات الانفتاحيّة السعوديّة، وجذب مِئات المِليارات من الاستِثمارات الخارجيّة للمشاريع السياحيّة والتكنولوجيّة التي تُريد إطلاقها وتوسيعها مِثل مشروع مدينة نيوم، ولكنّ انتِشار فيروس الكورونا على نطاقٍ واسعٍ عالميًّا، وجرائم الحرب والحِصار في اليمن، واغتِيال الصحافي جمال الخاشقجي في القنصليّة السعوديّة في إسطنبول، واعتِقال أعداد كبيرة من نُشطاء وناشِطات حُقوق الإنسان، علاوةً على أُمراء ورجال أعمال في فندق “الريتز” بالرياض، ومُصادرة أكثر من مِليار دولار من ثرواتهم تحت عُنوان مُكافحة الفساد، كلّها عوامل مُجتمعة، قد لا تُؤدّي فقط لإفشال هذا الرّهان، وإنّما إعطاء نتائج عكسيّة.
من سُوء حظ القِيادة السعوديّة التي أرادت توظيف هذه القمّة لتحسين صُورتها عالميًّا، أنّ الدّاعم الأكبر لها، أيّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خَسِر الانتخابات الرئاسيّة، وبات هو الذي يحتاج إلى دَعمٍ في ظِل المُستقبل المجهول الذي ينتظره، مُضافًا إلى ذلك أنّ منظّمات حُقوق الإنسان العالميّة الكُبرى قرّرت عقد قمّة مُوازية تُركّز على انتهاكات المملكة لحُقوق الإنسان وخاصّةً اعتِقال وتعذيب ناشِطات وناشِطين يقبعون خلف القُضبان، وأبرزهم السيّدة لجين الهذلول التي تحوّلت إلى رمزٍ عالميّ.
والأخطر من ذلك أنّ أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة خرج إلى العلن اليوم الجمعة، أيّ عشيّة القمّة، مُحذِّرًا من أنّ اليمن يُواجِه حاليًّا مجاعةً غير مسبوقة في العالم، ربّما تُؤدّي إلى وفاة الملايين من أبناء الشّعب اليمني، والسّبب الحِصار والحرب التي تشنّها السعوديّة والإمارات على هذا البلد مُنذ أكثر من خمس سنوات.
القِيادة السعوديّة كانت تأمل أن يكون حُضور القمّة في الرياض فِعليًّا وليس افتِراضيًّا، بحيثُ يطّلع العالم على خطواتها الانفتاحيّة خاصّةً على صعيد إعطاء المرأة حُريّات عديدة من بينها حريّة الحركة والسّفر والعمل في كُل المجالات، والقضاء على نُفوذ المؤسّسة الدينيّة الوهّابيّة المُتَشَدِّدة، واستِبدالها بهيئةٍ للتّرفيه لتحسين صُورة البِلاد في المُجتمع الغربيّ، ولكنّ انتِهاكات حُقوق الإنسان المُتفاقمة، وغِياب مُعظم الحُريّات وحُريّة التّعبير الأهم، ومعها القضاء العادل المُستقل، دفَع الكثيرون إلى التّجاوب مع نِداءات المُقاطعة للقمّة مِثل رؤساء بلديّات مُدن كُبرى مِثل لندن وباريس ولوس أنجيليس ونيويورك، وربّما يسير على الطّريق نفسه بعض زُعماء المجموعة، والاكتِفاء بتمثيلٍ على مُستوى مُنخَفِضٍ فيها.
كانت هُناك فُرصةً امتدّت لما يَقرُب العام لكيّ تُقدّم الحُكومة على اتّخاذ إجراءات جذريّة لتحسين صُورتها عالميًّا على صعيدِ حُقوق الإنسان والإفراج عن الكثير من النّشطاء والنّاشطات خلف القُضبان وانتِهاز هذه القمّة، والاهتِمام العالمي الإعلامي والاقتصادي المُحيط بها، للإقدام على هذه الخطوة، ولكنّها لمْ تَفعَل ولن تَفعَل في المُستقبل المنظور لغِياب أيّ مُؤشّرات في هذا الصّدد.
نعم هُناك إيجابيّات لهذه القمّة عبّر عنها السيّد خالد الفالح، وزير الاستِثمار السّعودي، عندما قال إنّه جرى رصد 11 تريليون دولار من قبل المُشاركين في القمّة لحِماية ودعم الاقتِصاد العالمي لمُواجهة آثار جائحة الكورونا، علاوةً على تعليق مدفوعات ديون 75 دولة في العالم بقيمة 14 مِليار دولار، ولكنّ هذه الإيجابيّات ضاعت في ظِل سجل الدّولة المُضيفة السّلبي لحُقوق الإنسان.
تفاءلنا، وغيرنا كثيرون، عندما أعلن الأمير خالد بن بندر بن سلطان في حديثٍ لصحيفةٍ بريطانيّةٍ عن احتِمال الإفراج عن النّشطاء والنّاشطات المُعتقلات قبل انعِقاد القمّة لتحسين صُورة المملكة، ولكن ربّما جرى الضّغط عليه لنفيه، ممّا يُضيف إضاءات جديدة على حقيقة الأوضاع في المملكة في الوقتِ الرّاهن، وما يجري في الغُرف المُغلقة من خِلافاتٍ بين أهلِ الحُكم.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”