ديفيد هيرست: اتفاقيات التطبيع في الخليج تهدد الأمن القومي المصري

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2185
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 عندما وقعت الإمارات والبحرين اتفاقيات لتطبيع العلاقات رسميا مع (إسرائيل) في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، أشاد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بهذه الخطوة مطلقا عليه "فجر شرق أوسط جديد".
وتستيقظ مصر اليوم على ما تعنيه لها هذه الحقبة الجديدة. ونتيجة محاولة الإمارات الضمنية لتصبح الشريك التجاري العربي الرئيسي لـ(إسرائيل)، فقد تعرضت مصر لنوعين من الأضرار أحدها محتمل والآخر فوري.
وبالنسبة للأخطار طويلة المدى، فيمكن لخط أنابيب النفط الصحراوي الذي كان يعمل في السابق كمشروع مشترك سري بين (إسرائيل) وإيران (أثناء حكم الشاه)، أن يلعب دورا كبيرا في ربط شبكة الأنابيب العربية بالبحر المتوسط.
ويمتد نظام خطوط الأنابيب التابع لشركة خطوط الأنابيب الأوروآسيوية، البالغ طوله 254 كيلومترا، من البحر الأحمر إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي.
وإلى جانب خط الأنابيب، تشارك "موانئ دبي العالمية" مع "دوفر تاور" الإسرائيلية تطوير الموانئ الإسرائيلية والمناطق الحرة، وفتح خط شحن مباشر بين ميناء إيلات على البحر الأحمر وميناء جبل علي في دبي.
ولا يعتبر خط الأنابيب ولا الربط بالميناء أخبارا جيدة لقناة السويس، التي أنفق الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" عليها مؤخرا 8 مليارات دولار لتوسيعها.
ويشمل ذلك الأموال التي أجبر رجال الأعمال المصريين والمساهمين العاديين على وضعها في المشروع غير المجزي. وبين عشية وضحاها، سيتم التخلي عن قناة "السيسي" مقابل وسائل أرخص لنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط.
وتوجد مخاطر أخرى أكثر إلحاحا بالنسبة لنظام "السيسي". فمع إبرام اتفاق التطبيع، تفقد القاهرة الدور الذي تتمتع به لعقود من الوساطة في العلاقات بين الدول العربية و(إسرائيل).
وربما تفقد مصر أيضا ما يسمى بالبطاقة الفلسطينية، حيث كانت مصر هي المرجع لكل الفصائل الفلسطينية وقامت غالبا على ترتيب وقف إطلاق النار بين (إسرائيل) و"حماس" في غزة، فضلا عن اجتماعات المصالحة بين "فتح" و"حماس" في القاهرة. وجدير بالذكر هنا أن المحاولة الأخيرة للمصالحة حدثت في إسطنبول وليس في القاهرة.
ويرى مراقبون أن فقدان مكانة مصر يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث "سيتم تفكيك نظام الأمن القومي العربي بأكمله، بكل أبعاده العسكرية والسياسية والاقتصادية. وسوف يتم وضع كل خطاب العالم العربي عن الحرية والوحدة والتنمية المستقلة على الرف".
وطوال أعوام المواجهة مع (إسرائيل)، لعبت مصر الدور الرئيسي في تحديد ردود الفعل العربية بالرغم من اختلافها مع هذه الدولة العربية أو تلك، لكن هذا الوضع لن يستمر. وتطمح (إسرائيل) لتحل محل مصر في قيادة المنطقة العربية وفق معادلات جديدة تقضي على كل مؤسسات العمل العربي المشترك وعلى رأسها جامعة الدول العربية نفسها.

تغيير اللعبة
وإلى جانب هذا، تخسر مصر الأموال الصعبة. وتوقفت كل من السعودية والإمارات عن تمويل دكتاتورية "السيسي" العسكرية، التي ضخت فيها مليارات الدولارات سابقا.
وأوقفت السعودية دعم نظام "السيسي" بالنفط والمال؛ بسبب أزمة ميزان المدفوعات. ووجد ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" أن صب الأموال في جيوب "السيسي" لا نهاية له.
وتحظى شركة "مبادلة" للاستثمار في أبوظبي بأهمية خاصة لدى (إسرائيل)، وهي ضمن صناديق الثروة السيادية في الإمارات، وتبلغ قيمتها 230 مليار دولار.
وقد وصف أحد الأكاديميين الإسرائيليين الذي أمضى بعض الوقت في أبوظبي، هذا الصندوق بأنه "يغير قواعد اللعبة" بالنسبة للتكنولوجيا الإسرائيلية العالية.
لكن احتمال تحول الاستثمار الإماراتي من مصر إلى (إسرائيل)، يغير بالفعل اللعبة بالنسبة لبعض رجال الأعمال في القاهرة.
وكان "صلاح دياب"، مؤسس جريدة "المصري اليوم"، قد تم اعتقاله من قبل لارتكابه انتهاكات مزعومة في شركات يملكها. لكن اعتقاله الأخير كان مختلفا، فـ "دياب" محتجز في السجن بانتظار مزيد من التحقيق، وهناك مؤشرات على تعليمات لإبقائه في السجن.
ولم يغب عن أبوظبي أن "دياب" هو خال "يوسف العتيبة"، السفير الإماراتي الذي لعب دورا رئيسيا في الإعلان المسبق عن اتفاق التطبيع.
وفي آخر مرة تم فيها اعتقال "دياب" عام 2015، تدخل "العتيبة"، وسرعان ما تم الإفراج عن خاله، لكن "السيسي" لا يرغب في الاستجابة هذه المرة.
ويظهر أن مشاكل "دياب" القانونية أكثر خطورة هذه المرة، فقد تم نشر نص مقطع فيديو لمحادثة عشاء مزعومة بين "دياب" والمرشح الرئاسي السابق "أحمد شفيق" على أحد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تحمل اسم جنرال سابق آخر رفيع المستوى، وهو "سامي عنان".
وتم الإفراج عن "عنان" ووضعه قيد الإقامة الجبرية في منزله في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، بعد أن أمضى عامين من عقوبة بالسجن 9 أعوام.
وكان كل من "شفيق" و"عنان" قد وجد نفسه معرضا لغضب "السيسي"، حيث تم إجبار الأول على سحب ترشيحه لانتخابات 2018 فيما قضى الأخير عقوبة بالسجن لمدة عامين.

مشاكل قانونية
ووفقا لنص المحادثة المسربة، يظهر "شفيق"، وهو طيار سابق في سلاح الجو، ازدراء لـ "السيسي"، حيث يصفه بأنه "ضابط جيش ساذج، كان مسؤولا عن المشاة لم يتعلم أبدا كيف يتعامل بشكل نظيف".
ويرد "دياب" ضاحكا: "أنت أيضا كنت ضابطا في الجيش، أنت تفهمه بالتأكيد". ثم يقول "شفيق": "هناك فرق بالطبع، وأنت تعلم يا صلاح، ليس كل من في الجيش متشابهين".
والآن، "دياب" في السجن، وهناك دعوى قانونية ضد "شفيق" أُعيد تفعيلها، على عكس الاتفاق الذي أبرمته مصر مع الإمارات، حيث فر "شفيق" عندما تولى الرئيس السابق "محمد مرسي" السلطة عام 2012.
وبالنسبة للسياسيين المصريين المنفيين الذين يراقبون هذه المعارك عن كثب، فليس هناك شك في أن أي مشاكل قانونية موجهة ضد "دياب" و"شفيق" موجهة في الأساس ضد الدولة الخليجية.
وقال "أيمن نور"، زعيم حزب غد الثورة والمرشح الرئاسي السابق، إن اعتقال "دياب" "يعكس حالة الخلاف بين مصر والإمارات بعد التطبيع مع (إسرائيل)".
وعلم موقع "ميدل إيست آي"، أن رجل أعمال إماراتي آخر كان يحاول إنشاء شركة إعلامية في القاهرة قد تم اعتقاله من قبل السلطات المصرية، ولم يُفرج عنه إلا بعد تدخل شخصي من "طحنون بن زايد"، شقيق ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد".

إجبار الفقراء على الدفع
وأثرت خسارة المليارات الخليجية على "السيسي" بشدة. وقد ذهب بالفعل إلى صندوق النقد الدولي، وفرض التقشف، وضغط على أغنى رجال أعماله. ولم يعد أمامه الآن خيار آخر سوى فرض ضرائب على مواطنيه.
وتضاعف الدين القومي لمصر 3 مرات تقريبا منذ عام 2014، من نحو 112 مليار دولار إلى نحو 321 مليار دولار.
وفي محافظة أسيوط، يعيش 67% من السكان تحت خط الفقر، البالغ 736 جنيها مصريا (47 دولارا) في الشهر. وكما يوضح الخبير الاقتصادي "ممدوح الولي"، فإن هذا الرقم غير واقعي، بالنظر إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، لذلك فإن معدل الفقر الحقيقي أعلى بالتأكيد.
وكان هذا الرقم من العام المالي 2017-2018، حيث بلغ معدل الفقر في محافظة سوهاج الجنوبية 60%، بينما بلغ في الأقصر والمنيا 55%.
وقال "الولي" إن المسؤولين اعترفوا بتعديل الأرقام مرتين، وسط مخاوف حكومية من الكشف عن الحجم الحقيقي للفقر.
ورغم المصاعب في هذه المحافظات، واصل "السيسي" استنزاف جيوبهم ورفع أسعار الكهرباء ومياه الشرب والغاز الطبيعي والنقل العام.
وفي حيلة مربحة أخرى، هدم منازل المواطنين بدون إذن أو تخطيط، وفي بعض الحالات هدم منازل عائلية قائمة منذ عقود.
ويمكن للمالكين تجنب الهدم إذا دفعوا للحكومة رسما قدره 50 جنيها مصريا للمتر المربع للمنازل السكنية في المناطق الريفية. وفي مناطق أخرى، ترتفع رسوم المباني التجارية إلى 180 جنيها للمتر المربع.
وأدى الانكماش الاقتصادي إلى توقف أعمال البناء، حيث أجبر العديد من "عمال اليومية" على البقاء في منازلهم.
وأصبحت وسائل النقل العام أيضا أقل سهولة في الوصول إليها. وفي القطارات، وهي وسيلة النقل الأكثر استخداما بين صعيد مصر والوجه البحري، على سبيل المثال، شهد الركاب ارتفاع أسعار نقل البضائع إلى ما بين 12 و140 جنيها مصريا لكل صندوق، اعتمادا على الوزن والمسافة التي يقطعها القطار.

موجات احتجاج
ولا عجب إذن، أن هذه القرى شهدت سلسلة غير مسبوقة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. ببساطة لم يستطع الناس تحمل المزيد.
وعندما حث المقاول المنفي "محمد علي" معارضي "السيسي" في البلاد على المشاركة في "يوم غضب" للمطالبة برحيل الرئيس، تفاجأ هو نفسه بما حدث؛ حيث شهدت البلاد 6 أيام من الاحتجاج في أكثر من 40 قرية، بالرغم من القمع الأمني ​​المكثف.
وكانت رسالة "علي" بسيطة؛ الرئيس الذي يتفاخر بعدد القصور التي بناها لنفسه (بمساعدة علي نفسه) لا يدع حتى الفقراء يعيشون في منازلهم دون أن يهددهم بهدمها.
وتختلف الشريحة التي شاركت في الاحتجاجات الأخيرة عن ثوار 2011؛ فليس لديهم زعيم ولا شعارات سياسية، وهم محافظون ومتدينون، لكنهم غير منظمين من قبل "الإخوان المسلمين".
وجاء ثوار 2011 من المدينة، وإلى حد كبير من الطبقة المتوسطة العليا، بينما يأتي محتجّو اليوم من صفوف غير المتعلمين والفقراء، وكثير منهم أصغر في السن من شباب موجة 2011.
وكما كتب "عبدالرحمن يوسف" نجل الشيخ "القرضاوي": "يواجه النظام مواطنين غاضبين لا يعتبرونه شرعيا. هذه مواجهة مباشرة. ولا يوجد أي شخص يتفاوض نيابة عن عامة الناس البسطاء الذين يدافعون عن أنفسهم ضد قطيع من الضباع المسعورة".

"سأموت على أي حال"
ومن بين المقابلات العديدة التي أجريت مع القرويين، كانت إحداها مؤثرة بشكل خاص. وتقول "نفيسة عطية محمد"، التي تعيش في منزل صغير مهدد بالهدم: "إذا نظرت هنا، يمكنك رؤية عوارض السقف المكشوفة. ولا يمكنني العثور على أي شخص يمكنه مساعدتي في تغطيتها بأغطية بلاستيكية. أبيع أشياء مقابل جنيه، أو 5، أو 10 جنيهات، حتى أصاب بالدوار من الحر".
وعندما تم سؤالها عن مقدار الأموال التي طلبتها السلطات، أجابت: "قالوا 1000، ثم على مدى عامين إلى 4 أعوام، 4 آلاف. من أين سأحصل عليها؟"، ويشير التقرير إلى أنه ليس لديها من يقرضها ما يكفي من المال للسماح لها بالبقاء في المنزل.
وتقول "نفيسة": "كنت أتجول أمس، أذهب من منزل إلى منزل، أبحث عن شخص ما ليقرضني المال. لدي معاش، لكنني أقسم بالله أنه لا يكفي حتى للمعيشة. فأنا أدفع للمياه 150 جنيها والكهرباء 550 جنيها شهريا. الإيصالات بالداخل، يمكنك أن تطلع عليها. ويمكنهم القدوم وأخذ منزلي. سأموت على أي حال. سأتركه لهم"، وتنتهي المقابلة بانفجار دموع الصحفي.
ولا يستطيع "السيسي" السماح بانتشار هذا الاحتجاج. وتشهد مصر الكثير من سوء الإدارة والفساد، وقد تصل بسرعة لنقطة اللاعودة عندما يتصاعد الغضب الشعبي ضد النظام.
ويعد العديد من هؤلاء القرويين مسلحون حسب التقاليد، وسوف يتصرفون وفقا لقواعد الانتقام القبلية إذا أطلق الجيش أو الشرطة النار عليهم. وحتى الآن، كانت احتجاجاتهم سلمية.
لقد كانت العائلات المالكة الإماراتية والسعودية وراء قيام هذا النظام العسكري الوحشي القاسي والمدمّر. ولم يكن "السيسي" لينشق ويخون الرئيس "مرسي"، الذي اختاره وزيرا للدفاع، لولا الأموال التي وعدته بها الرياض وأبوظبي.
وإذا خسرت تلك الدول الخليجية "السيسي" ومصر ككل، فإن خططها للهيمنة الإقليمية ستنهار قريبا. وبعد ذلك، ستكون المنطقة قد وصلت بالفعل إلى نقطة تحول، لكن ليس تلك التي كان يخطط لها "بن زايد" ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو".

المصدر | ديفيد هيرست/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد