مصاعب السعودية الاقتصادية تنذر بتعميق أزمات اليمن
الرياض- (أ ف ب) – في ظل الحرب في اليمن وتفشّي فيروس كورونا المستجد فيه، تلوح في الأفق بوادر كارثة اقتصادية في البلد الفقير مع معاناة السعودية أبرز مانحيه من أزمة اقتصادية تضرب التحويلات المالية وتنذر بجفاف خزائن الدولة.
وضخت السعودية عشرات مليارات الدولارات لدعم أفقر دولة في العالم العربي على شكل مساعدات إنسانية وإعانات من الوقود بالإضافة إلى إيداعات مالية في المصرف المركزي اليمني ودعم العملة المحلية.
وتقود الرياض تحالفا عسكريا في اليمن منذ خمس سنوات لمواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
وبعد تأثير الصدمة المزدوجة من انخفاض أسعار النفط بالإضافة إلى فيروس كورونا المستجد، يقول مراقبون إن المملكة لا يبدو انها قادرة على تقديم الدعم ذاته لليمن حتى مع استمرار الإنفاق العسكري.
وقد تكون السعودية أيضا تقوم بإعادة تقييم دورها الذي يصفه البعض بأنه بمثابة “ماكينة صراف آلي إقليمية” بينما لم يؤد تدخلها العسكري الباهظ الثمن في اليمن إلى الكثير من المكاسب، بالإضافة إلى خلافات عميقة في المعسكر الموالي لها والمعادي للحوثيين.
وقال مسؤول غربي يتابع التدخل السعودي في اليمن لوكالة فرانس برس “لم يعد السعوديون (يميلون) إلى ضخ ملايين ومليارات غير محدودة في اليمن”.
والرياض هي أكبر مانح لليمن- وتراجع دعمها سيكون له أكبر تأثير بحسب مراقبين.
ويتوقع محللون أن تتراجع قيمة الريال اليمني بشكل كبير هذا العام مع استنفاد الوديعة السعودية للبنك المركزي بقيمة 2 مليار دولار في عام 2018 تقريبا، ما يعني تقليص القدرة الشرائية ويجعل ملايين الأشخاص غير قادرين على تحمل تكلفة المواد الغذائية الأساسية.
ولم يتبق من هذه الوديعة سوى أقل من 200 مليون دولار في أيار/مايو الماضي، بحسب مشروع “اكابس” غير الربحي الذي يضم مجموعة من المنظمات الخيرية من بينها المجلس النرويجي للاجئين.
وحذر المشروع في تقرير “يبدو اليمن ضعيفا اقتصاديا بشكل متزايد”، معتبرا أن توقف الدعم المالي السعودي سيؤدي إلى “تراجع حاد” في قيمة العملة المحلية.
– لا بديل عن الرياض-
جمعت الأمم المتحدة أوائل الشهر الجاري 1,35 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لليمن في مؤتمر للمانحين استضافته السعودية، إلا أن هذا الرقم يوازي نحو نصف التمويل المطلوب والبالغ 2,41 مليارا.
ويشهد اليمن بالفعل أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
وتقدر المنظمة الأممية أن 80 بالمئة من السكان، أي نحو 24 مليون شخص، “بحاجة إلى مساعدة غذائية”.
وفي قلب الخلل الاقتصادي في البلاد انقسام المصرف المركزي إلى مركزين ماليين يتعاملان مع عملة واحدة، الأول في عدن التي أصبحت عاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دوليا، والثاني في صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين.
ويزيد النزاع الدائر بين الانفصاليين الجنوبيين والحكومة اليمنية- وكلاهما يقاتلان الحوثيين في صفوف التحالف، من تعقيد الأزمة.
وأقدم الانفصاليون الذين أعلنوا الإدارة الذاتية في عدن في نيسان/ابريل الماضي على الاستيلاء على شحنة تابعة للبنك المركزي تحمل نحو 80 مليون دولار، بحسب عدة مصادر.
وبرّر متحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي الاستيلاء على الشحنة، مؤكدا لوكالة فرانس برس أنها كانت تهدف لمنع تراجع أكبر للعملة اليمنية.
ويواجه المصرف المركزي الخاضع لسيطرة الحكومة إمكانية العمل دون أي أموال.
وأكّد مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في تقرير نشر حديثا أن الخلاف “خلق ظروفا ستؤدي إلى ثني السعودية عن تجديد دعمها للاحتياطي الأجنبي”.
وبحسب المركز فإن “جارة اليمن الشمالية حاليا في خضم اقتطاعات هائلة من ميزانيتها ولا يبدو أن أي مانح دولي آخر حريصا على التقدم ليحل محل الرياض”.
– تراجع التحويلات –
وتحذر منظمات غير حكومية مثل اوكسفام من “تراجع غير مسبوق” للتحويلات المالية إلى اليمن- وهو شريان حياة رئيسي للملايين بينما الحكومة غير قادرة على دفع الرواتب.
وتقول أوكسفام إن مقدمي خدمات تحويل الأموال النقدية في ست محافظات يمنية شهدوا تراجعا للتحويلات بأكثر من 80% في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير ونيسان/ابريل.
ويأتي أكبر تراجع على ما يبدو من قرابة 1,6 مليون يمني يعملون في السعودية حيث يواجه العمال الأجانب موجات من التسريح وخفض الرواتب ضمن أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
ويقول المستشار السياسي لمنظمة أوكسفام في اليمن عبد الواسع محمد لفرانس برس إنه “مع اعتماد الملايين من اليمنيين على التحويلات المالية من دول الخليج، خاصة من السعودية، فإن أي اضطراب اقتصادي هناك ستكون لديه عواقب كبرى في اليمن”.
وأضاف “دون قيام أفراد العائلة بإرسال الأموال للأساسيات مثل الطعام والإيجار، فإن المزيد من العائلات ستضطر للاستدانة أو ستقوم بالاستغناء عن وجبات طعام لتغطية نفقاتها”.
ولم ترد السلطات السعودية طلب فرانس برس التعليق.
وعلى الرغم من الضغوطات المالية، فمن غير المرجح أن تقوم المملكة بتقليص إنفاقها العسكري في اليمن- والذي يقدر بنحو 200 مليون دولار يوميا، حيث تعتبر المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران تهديدا وجوديا لها.
وفي أيار/مايو الماضي بعد أن كشفت السعودية عن إجراءات تقشفية، أعلن البنتاغون منح بوينغ عقدين بأكثر من ملياري دولار لتسليم ما يزيد عن ألف صاروخ جو-أرض وصواريخ مضادة للسفن الى السعودية.