لماذا تفشل الضغوط الأوروبية في التأثير على السياسة السعودية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2232
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 تعد علاقة المملكة العربية السعودية مع أوروبا أحد الملفات المتراجعة للسياسة الخارجية السعودية. ويعكس هذا إلى حد كبير الوضع الثانوي الذي تمنحه الرياض لتأثير أوروبا في الشرق الأوسط، إلى جانب خلط الاستراتيجيين السعوديين بين العمل مع الاتحاد الأوروبي والعمل مع دوله الأعضاء بشكل ثنائي. وتعتبر السعودية الدول الأوروبية أطرافا فاعلة ذات صلة محدودة في معظم القضايا ذات الأولوية بالنسبة لها. وتشعر المملكة، التي تنجذب تقليديا إلى موفري الأمن والسلاح في تحالفاتها مع القوى الخارجي، بقلق أكبر حيال مواقف الولايات المتحدة، وبنسبة ما روسيا، تجاه القضايا الإقليمية الرئيسية.
وترى الرياض أن علاقتها مع أوروبا قائمة على العلاقات التاريخية التي توفر لها مكانة وشرعية دولية، خاصة علاقاتها الثنائية مع لندن وباريس. وفي هذا الصدد، تعير الرياض مقعدي بريطانيا وفرنسا الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أهمية خاصة. وحصلت الرياض على دفعة دبلوماسية بعد أن تيقنت أن المملكة المتحدة وفرنسا تدعمان السعودية بشكل فعال في حملتها العسكرية في اليمن، في مواجهة الإدانة الدولية المتزايدة. وتعد هذه القدرة على توفير الشرعية الدولية لسلوكيات المملكة هي الوظيفة الأساسية للعلاقات مع أوروبا من وجهة نظر قادة البلاد.

مصدر بديل
بالإضافة إلى ذلك، في أوقات العلاقات المتوترة بين واشنطن والرياض، كما حدث في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، تعد العلاقات السعودية مع الحكومات الأوروبية مفيدة كمصدر بديل للحصول على الدعم من الغرب. وخلال فترة رئاسة "باراك أوباما"، عندما كانت العلاقات السعودية الأمريكية متوترة بشكل خاص، ظهر تفاهم قوي بين الرياض وباريس.
وبالمثل، ترى المملكة أن علاقاتها الدفاعية مع الدول الأوروبية مفيدة في تنويع مصادر معداتها العسكرية ودعمها. وتصبح هذه العملية ذات قيمة خاصة عندما تتخلف واشنطن عن تزويد المملكة بالمعدات العسكرية، كما فعلت عام 2016. لكن بينما تعتقد العواصم الأوروبية أن هذه العلاقات العسكرية تمنحها درجة من التأثير في الرياض، فإن الحقيقة هي أن السعودية كانت حازمة بشكل متزايد عندما تتعارض خياراتها مع مصالح أوروبا.
ولقد أظهر انتخاب "دونالد ترامب" كرئيس للولايات المتحدة أنه عندما تكون هناك إدارة ودية في واشنطن، فإن الرياض تكون مستعدة لتهميش حلفائها الأوروبيين. وبينما يبدو أن الدبلوماسية الثقافية الفرنسية تحرز تقدما ملحوظا في قطاع السياحة السعودي المتنامي، فقد أهملت البلاد علاقاتها السياسية والدفاعية مع فرنسا في الأعوام الأخيرة. وقد لا يكون هذا مفاجئا، نظرا لأن الرياض ترى "إيمانويل ماكرون"، الذي تم انتخابه رئيسا لفرنسا عام 2017، أقل دعما للطموحات السعودية من سلفه "فرانسوا أولاند". وفي الوقت نفسه، ترى القيادة السعودية أن انشغال المملكة المتحدة بالأمور الداخلية، وعلى رأسها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يجعل لندن أكثر حاجة إلى الاستثمارات والفرص التجارية القادمة من السعودية. ومنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، نظرت الرياض أيضا إلى العديد من الدول الأوروبية الأخرى كأهداف للاستثمارات التي هدفت بالأساس لشراء المواقف السياسية.

نفوذ محدود
لكن عندما انضمت عدة دول أوروبية إلى موقف موحد، من خلال الاتحاد الأوروبي أو غيره، كان تأثيرها على السياسة الخليجية أكثر وضوحا. ويعتبر أعضاء مجلس التعاون الخليجي الاتحاد الأوروبي شريكا رئيسيا، نظرا لقوته الاقتصادية، بل إنهم كانوا ينظرون إليه كنموذج مؤسسي يمكن تطبيقه في المنطقة خلال التسعينيات وأوائل الألفية الثانية. ولا تزال دول الخليج تدرك إلى حد كبير أهمية الاتحاد الأوروبي ككتلة تجارية.
لكن من الناحية الجيوسياسية، تبدو الصورة أكثر تعقيدا. ولا يأخذ معظم الزعماء السعوديين الاتحاد الأوروبي على محمل الجد كعنصر جيوسياسي فاعل، بسبب عجزه المتكرر عن الاتفاق على سياسات خارجية أو دفاعية موحدة. علاوة على ذلك، فإن الذاكرة الحديثة لهذه الدول لا تحمل أي ذكرى حول النفوذ الدبلوماسي أو العسكري واسع النطاق لأوروبا في الخليج أو الشرق الأوسط الكبير.
وعندما لعب الاتحاد الأوروبي دورا في الجيوسياسية الإقليمية، كما هو الحال في الأحداث التي تلت الانتفاضات العربية، لم يفعل ذلك بالطريقة التي كانت السعودية تأملها. ويعد الاتفاق النووي الإيراني، وأزمة قطر، والأحداث المحيطة باستقالة "سعد الحريري" كرئيس للوزراء للبنان، كلها معا مصادر توتر معاصرة بين الرياض والاتحاد الأوروبي. وفي كل هذه الحالات، كان الاتحاد الأوروبي بمثابة عقبة محدودة ولكنها حقيقية أمام جدول أعمال الرياض.
وأدى الانتقاد الأوروبي لسجل حقوق الإنسان في المملكة، على الرغم من تأثيره المحدود للغاية على السلوك السعودي، إلى خلق صعوبات في العلاقات بين الرياض والاتحاد الأوروبي. وأثبتت الردود على اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، في القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أنها كانت استثناء من هذا التأثير المحدود. ويرى الكثيرون في الرياض أن الأوروبيين قادوا رد الفعل الدولي على الاغتيال بطريقة مارست ضغوطا سياسية كبيرة على السعودية.

توازن القوى
وإلى حدٍ ما، تعتقد الرياض أن توازن القوى يميل لصالحها في علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي. وعززت النزاعات الأخيرة مع ألمانيا والسويد، التي انتقد فيها مسؤولو تلك الدول علنا السياسات السعودية، الخطاب القومي في الرياض. وعززت هذه النزاعات أيضا الشعور السائد داخل المملكة بأن روابطها الاقتصادية مع الدول الأوروبية، التي قطعت بعضها مؤقتا عقب الخلافات مع ألمانيا والسويد، توفر لها نفوذا على أوروبا. وغيرت الانتقادات المشتركة لمقتل "خاشقجي" من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إلى حد ما هذه الديناميكية، مما أثار احتمال حدوث تحول محتمل في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والسعودية.
وفي حين لا ترى الرياض الدول الأوروبية كعناصر فاعلة مركزية، فإنها لا تريد أن تفقد دعم اللاعبين الأوروبيين الثلاثة الكبار (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في وقت تعاني فيه مكانتها الدولية بالفعل. واليوم، يبدو أن انقسام الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية سيظل هو القاعدة، مما يعزز موقف المملكة العربية السعودية في مواجهة أوروبا. ويعزز هذا الانقسام أيضا ثقة القيادة السعودية في إمكانية التصدي بقوة لانتقادات أوروبا وغيرها من أشكال النفوذ التي تسعى دول القارة العجوز لممارستها في منطقة الخليج.

المصدر | فيصل أبو الحسن - المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية