الإصلاحات الثقافية تكشف خطوط الصدع في المجتمع السعودي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1815
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 جلست "رايان" و"مها" تدخنان على الأرض، وحقائبهما المدرسية بجانبهما، تشغلان أغاني البوب عبر هواتفهما الذكية. وكانت المدرسة في دوام كامل، لكنهما كانا في المركز التجاري، ويبدو أنهما لم يهتما بإخفاء ذلك.
ولم تسعى الفتاتان للاختباء، وقد أغلقت كل منهما عباءتها بأزرار قليلة فقط، في حين كان المشهد الأعم في المركز التجاري لنساء يلبسن ملابس أكثر تحفظا مع أردية سوداء كاملة ونقاب، فيما تحمل بعضهن الأطفال الرضع وأكياس التسوق. وسار الرجال ذوو الأثواب التقليدية البيضاء دون أن يلتفتوا للفتاتين، لكنهما لفتتا انتباه رجل برازيلي يرتدي سروالا قصيرا وتملأ الوشوم يديه بالكامل، والذي توقف لمحاولة التحدث إليهما.
وقالت "مها"، البالغة من العمر 16 عاما: "يمكنني أن أفعل ما أريد. نحن في بلد حر الآن، ألا تعرف؟"
وبالنسبة للمراهقين، يكون التغيب عن المدرسة من أعمال التحدي في هذا السن غالبا، أكثر من كونه تعبيرا عن حرية تم اكتشافها حديثا. لكن في المملكة العربية السعودية هذه الأيام، فإن استعداد فتاتين لإظهار التمرد علنا يشي أيضا بدلائل على حدوث تغيير أوسع في المملكة.
وقالت "رايان"، البالغة 17 عاما: "صحيح أنني لم أفعل هذا منذ فترة، لأن الشرطة الدينية وجدتني في السابق. لكنني الآن لست قلقة بشأنهم، أو بشأن أي شخص آخر، باستثناء والدي".

التحول الكبير
وبعد مرور عامين على برنامج إصلاحي يهدف إلى فتح المجتمع الجامد على العالم الحديث، يبدو أن شكل ملابس النساء وكيفية تصرفهن يعدان أمرين غاية في الأهمية. فقد تم تعديل قوانين اللباس الصارمة للسكان المحليين، وتم التخلي عنها تماما بالنسبة للأجانب، وتم إلغاء القوانين التي تقيد تحرك النساء، وأصبحت حضانة الأطفال أكثر إنصافا، وكذلك تم تخفيف قواعد الفصل بين الرجال والنساء.
ورغم ذلك، تشير جماعات حقوق الإنسان، والنقاد في الغرب، إلى أن الإصلاحات الثقافية قد صاحبتها محاولة لا هوادة فيها لسحق المعارضة. وتم اعتقال الناشطين ورجال الدين وغيرهم من النقاد المتصورين تعسفيا. وتزعم عدد من ناشطات حقوق المرأة أنهن تعرضن للاعتداء الجنسي والتعذيب.
وفيما يتعلق بمسألة الإصلاح الثقافي، توجد علامات واضحة على التغيير. ففي العاصمة السعودية، معقل الصرامة والقمع الثقافي منذ ما يقرب من 4 عقود، تظهر الآن فرق المصارعة والفنانين العالميين والمغنين المحليين وأبطال الملاكمة والمصارعة الحرة ونجوم الاستعراضات الفنية والرياضية في رسالة تفيد بأن ما تم حظره سابقا قد أصبح الآن موضع ترحيب.
وتزين الملصقات جميع أنحاء الرياض للترويج لأول مباراة ملاكمة عالمية للوزن الثقيل في المملكة. ويبدو أن المملكة حصلت على الإلهام من جارتها قطر، التي بنت علامتها التجارية جزئيا عن طريق جذب المسابقات العالمية، بما في ذلك كأس العالم 2022 لكرة القدم.
وقد حرصت المملكة فيما يبدو على الترويج لهذا الانفتاح الجديد، حيث عقدت مؤتمرا خلال الأسبوع الماضي لمناقشة التحديات التي تواجه وسائل الإعلام، وقامت بدعوة الصحافة الدولية، بما في ذلك "الجارديان". ولم يكن اغتيال "جمال خاشقجي" الشنيع في إسطنبول قبل 14 شهرا على أيدي موظفي الدولة السعوديين مدرجا في جدول الأعمال، وكذلك القيود واسعة النطاق على حرية التعبير، وهي القيود التي جعلت المملكة منذ فترة طويلة واحدة من أكثر الأماكن غموضا وصعوبة في العالم بالنسبة للصحفيين.

خطوط الصدع
ورغم ذلك، كان التحول الثقافي، الذي بدأ بثبات منذ أواخر عام 2017، مذهلا، واحتضنته إلى حد كبير النخب الحضرية في الرياض وجدة. ولكن خارج حدود المدن، وحتى في الضواحي حولها، تسببت وتيرة التغيير في الكثير من الاستياء والغضب وحتى الشعور بالخزي.
وقالت "منيرة سلمان قورة"، التي افتتحت مقهى يدعى "باربيرا"، في إحدى ضواحي الرياض قبل 3 أعوام، واستضافت يوم الخميس منتدى لتمكين المرأة شارك فيه أكثر من 15 شخصا: "لم أكن أعتقد أني سأرى هذا في حياتي".
وأضافت: "إذا حاولت حشد مثل هذا التجمع معا في وقت سابق، لكانوا قد أغلقوا المكان. لكن الآن صار المقهى منتدى للجميع وولا يمكني أن أكون أكثر سعادة". وأضافت: "أحيانا أحصل على عميل أو آخر يشكو من الموسيقى أو الاختلاط، لكنني فقط أخبرهم أن الأمور قد تغيرت".
ولكن يبدو أن كثيرين في الرياض، وأكثر منهم في المجتمعات الأصغر في البلاد، غير راغبين في التماشي مع ما يحدث. وفي نظر بعض المراقبين، فإن المحافظين الريفيين على وجه الخصوص قد لا يقبلون أبدا التغييرات التي بدأها وريث العرش "محمد بن سلمان".
وكانت الإصلاحات الثقافية أحد أركان محاولات ولي العهد لإعادة هندسة معظم جوانب الحياة السعودية، وخصوصا الاقتصاد المتحجر، والمعارضة الشديدة لمعظم أشكال الترفيه.
وأدى هذا التغيير إلى تفكيك الصورة التقليدية للحكم في المملكة، التي قام فيها رجال الدين المتشددين بتعريف الشخصية الوطنية وفرضها. وبدلا من ذلك، تنشأ اليوم دولة بوليسية قومية عربية، يقودها "محمد بن سلمان" الذي عزز سلطته عبر قمع أي صورة للمعارضة.
وقال أحد المراقبين، الذي أمضى معظم العقدين الماضيين منغمسا في المجتمع السعودي المحافظ: "ليس هذا مجرد تغيير صعب. فبالنسبة للكثيرين، هذا أمر مخزٍ بالفعل، حيث يعتقد الكثيرون أن ما يحدث مخالف لقيم المملكة والإسلام".
وأضاف: "لكنهم لن يجرؤوا على التحدث علنا ضد ما يحدث، لأنهم رأوا الثمن الذي يدفعه من يفعل ذلك. وتوجد ثقافة خوف في السعودية الآن لم تكن موجودة قبل الإصلاحات".
ولا يزال الخوف من التآكل الثقافي قويا داخل صفوف المحافظين، ويتضخّم مع المزيد من الحفلات والمهرجانات الغربية التي يتم تنظيمها الآن من خلال الحكومة.
ورغم ذلك، بالنسبة إلى الكثير من النساء فقد تغيرت الأمور حتى داخل العائلات المحافظة حيث صار يسمح للنساء بالخروج وأحيانا بممارسة الرياضة والأنشطة.
ومع ذلك قالت "هيومن رايتس ووتش" الشهر الماضي: "إن ما يحدث في المملكة ليس إصلاحا حقيقيا، طالما أنه يحدث في ظل سجن نشطاء حقوق الإنسان وقصر حرية التعبير فقط على أولئك الذين يسيئون للمعارضين".

المصدر | مارتن شولوف - الجارديان