خريطة اليمن الجديدة: تعزيز لدور إيراني ونذير للتحالف السعودي-الإسرائيلي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1941
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

“ ليست لدينا أي نية للخروج من هنا”، قال رئيس المجلس الجنوبي المؤقت في اليمن، عيدروس الزبيدي، الذي سيطرت قواته التي تسمى “حزام الأمن” على مدينة عدن. المجلس المؤقت الذي أنشئ في 2017 على خلفية خلاف مع الرئيس عبد ربه منصور هادي يعتبر السيطرة على عدن جزءاً من عملية هدفها إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن.
أمس، تجمع آلاف المواطنين في الميدان الرئيسي في عدن لـ “مسيرة المليون” التي استهدفت إظهار تصميم مواطني جنوب اليمن على فك الاتحاد بين الجنوب والشمال الذي وقع في 1990، وإقامة اليمن الجنوبي من جديد. في البيان الذي نشرته النقابات المهنية وجمعيات المساعدة كتب: “نجتمع اليوم في عدن، عاصمة الجنوب الأبدية، وعنوان هويته (شعب الجنوب) في ميدان النصر الذي يمثل الضحايا، التراث القتالي والذاكرة الجماعية لوعي شعبنا، وكل ما يعبر عن الإخلاص والتحدي والتصميم لمعارضة كل أنواع الاستغلال والقمع والاستبداد، ومن أجل مباركة نصر الجنوب وإرادته الوطنية الحرة، ومن أجل أن نعيد لأنفسنا بلادنا المستقلة في الحدود التي اعترف بها من قبل المجتمع الدولي قبل 21 أيار 1990”.
احتلال عدن والسيطرة على المباني الحكومية وطرد القيادة رفيعة المستوى والمواجهات العنيفة التي حصدت أرواح 40 شخصاً وأدت إلى إصابة المئات، تدل على الحرب الجديدة التي تتطور في اليمن، وهذه المرة داخل القوات المعارضة لسيطرة الحوثيين على شمال ووسط الدولة، كما تدل أيضاً على الانقسام الذي تحول إلى نزاع حقيقي بين السعودية ودولة الإمارات.
للوهلة الأولى، يبدو هذا التطور الخطير نتيجة خلافات استراتيجية وفكرية بين دولة الإمارات التي تؤيد وتمول وتدرب قوات الجنوب، وبين السعودية التي تطمح إلى إعادة تأسيس دولة اليمن الموحدة بعد انتهاء حكم الحوثيين. الدولتان عضوان في التحالف الذي أقامه سلمان ملك السعودية وابنه ولي العهد محمد بن سلمان في 2015 مع مصر والبحرين والباكستان والسودان من أجل محاربة تمدد إيران في الفضاء العربي. وكان هذا هدفاً مشتركاً لهما أيدته الولايات المتحدة، إلى أن بدأ الحوثيون بقصف أهداف في الخليج الفارسي، منها موانئ وناقلات نفط، وإلى أن هددت إيران بأن أي هجوماً ضدها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ودول المنطقة سيحول السعودية وحلفاءها إلى أهداف.
في أعقاب الضربات والتهديدات قررت دولة الإمارات تغيير السياسة، وسحب القوات من اليمن وتعزيز التعاون مع إيران في مسألة تأمين الملاحة في الخليج الفارسي، وأرسلت دبي بعثات اقتصادية إلى إيران للاتفاق على إعطاء تأشيرات لرجال أعمال إيرانيين يريدون الاستثمار في الدولة – التي تغرق في أزمة اقتصادية شديدة – وفي المقابل حصلت على تعهد من الحوثيين بأن يتوقفوا عن ضرب أهداف في دولة الإمارات.
محمد بن سلمان وحاكم الإمارات محمد بن زايد نفيا وجود خلافات في الرأي بينهما، لكن زيارة بن زايد هذا الأسبوع السعودية ولقاءه الملك سلمان وابنه محمد بعد سيطرة القوات الانفصالية الجنوبية على عدن، لم ينتج عنها أي بشرى جديدة. ابن زايد أعلن بأنه وابن سلمان متفقان في رؤية الحاجة إلى سلام وحل الأزمة في اليمن. ولكنه امتنع عن دعوة قوات الانفصاليين للخروج من عدن. سيطرة قوات “حزام الأمن” للزبيدي على عدن، ربما هي النتيجة الوحيدة التي تستطيع الإمارات قطفها من الحرب في اليمن. وإذا نجحت الحركة الجنوبية في إقامة دولة مستقلة فستكون مدينة بدين جوهري لدولة الخليج الصغيرة التي أيدتها.
السعودية التي رعت حكومة هادي الذي يعيش في السعودية، اضطرت إلى التعاون مع حزب الإصلاح الديني، المتفرع عن الإخوان المسلمين، لكونه يشكل الجبهة الداخلية السياسية لهادي. بهذا، ليست الوحيدة التي وجدت نفسها في تناقض داخلي لأنها، مثل مصر، تعتبر الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، بل وتدوس على المناطق الحساسة لشريكتها الإمارات التي تحاربهم في كل جبهة وتفضل الارتباط مع المنظمات السلفية في اليمن.

تآمر السعودية
الخلافات بين الدولتين الراعيتين والانقسام في صفوف القوات اليمنية التي تحارب ضد الحوثيين تسببت -حسب أقوال الانفصاليين الجنوبيين- بأن السعودية بدأت بقصف تجمعات سكانية وقواعد لقواتهم، كما جندت لهذا الغرض مساعدة من جانب القوات الحوثية. يصعب إثبات هذا الادعاء الأخير ومجرد طرحه يشير إلى عمق عداء الانفصاليين للسعودية. في المقابل، يعتقد عدد من المحللين في اليمن أن هذا الانقسام يمكن أن يدفع نحو حل سياسي يستطيع فيه الحوثيون والانفصاليون في الجنوب التعاون إذا وافق الحوثيون على تأييد إقامة دولة مستقلة في الجنوب تتعاون مع النظام الحوثي الذي يسيطر على العاصمة صنعاء.
هذا الحل قد يمكن الحوثيين من الحصول على مدخولات من النفط، فمعظم مصادره توجد في جنوب الدولة. وهناك أفضلية واضحة تكمن في هذا الحل أيضاً لإيران، لأن السعودية ستضطر هي أيضاً إلى الخروج من اليمن، في حين أن دولة الإمارات التي ستكون الدولة الراعية للجنوب، ستكف عن محاربة نفوذ إيران في الشمال. وضع السعودية المعقد في الساحة الدولية وبالأساس في الساحة الأمريكية يمكن أن يسرع هذا الحل.
حسب التقارير غير المؤكدة، قتل في حرب اليمن 3 آلاف جندي سعودي وأصيب نحو 20 ألفاً. تكلفة الحرب قدرت بعشرات المليارات وربما أكثر. في الوقت نفسه، ضغط الكونغرس الأمريكي على تجميد بيع السلاح للسعودية، الأمر الذي رفضه ترامب في هذه الأثناء، واحتمال أن تضطر بريطانيا إلى إلغاء الصفقات مع السعودية؛ لأنه -حسب قانون بريطانيا- يجب عدم بيع سلاح يمكنه، سواء بشكل متعمد أو عرضي، المس بالمدنيين. وهناك دعوى بهذا الشأن يتم نقاشها في الوقت الحالي في المحكمة، وكل ذلك حول السعودية إلى دولة تحت التحقيق. ولكن الانسحاب من اليمن يعني اعترافاً رسمياً بالهزيمة، وهذا قد يمس بصورة دراماتيكية بمكانة ابن سلمان في السعودية ويحرض خصومه على العمل من أجل إزاحته. وهؤلاء لديهم الآن قائمة طويلة من الإخفاقات العسكرية والسياسية التي يعدّ ولي العهد هو المسؤول عنها، منها الفشل في إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، والإشكالية حول إقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري وإزاحة عمر البشير في السودان وقضية قتل الصحافي جمال الخاشقجي.
إن ضعضعة مكانة محمد بن سلمان تثير بوجه عام القلق لدى متخذي القرارات في إسرائيل ولدى أجهزة الاستخبارات، لأن هذا معناه المس المباشر بتحالف إسرائيل والسعودية ضد إيران. ولكن السجل السعودي حتى الآن في الحرب ضد إيران غير مشجع، لا لأن إخفاقات محمد بن سلمان جاءت جراء محاربته إيران، بل هو نفسه أوضح بأنه غير معني بحرب في الخليج.
السعودية مهمة من أجل تطبيق سياسة العقوبات ضد إيران، وبالأساس بسبب قدرتها على تعويض النقص العالمي في النفط الذي نتج عن الحصار على إيران، لكن هذه الفائدة يمكن أن توفرها دول كثيرة أخرى في العالم.

بين الشمال والجنوب
إن إحياء جنوب اليمن كدولة مستقلة ليس فكرة جديدة. بعد أربع سنوات على إقامتها، في العام 1994 وعلى خلفية صراعات داخلية مع النظام الموحد، أقامت قبائل الجنوب وقياداته “الجمهورية الديمقراطية اليمنية”. وبسبب الضغط الدولي، جرى حل هذه الدولة خلال فترة قصيرة وبقي الاتحاد قائماً. ولكن هذا كان اتحاد ظاهرياً، حيث عانت قبائل الجنوب من تمييز اقتصادي وسياسي، من قبل علي عبد الله صالح. لقد تم إشراكهم بشكل رمزي في الحكومة، لكن مؤيدي الرئيس هم الذين سيطروا على البرلمان. وسكان الجنوب ظلوا يقفون في آخر الطابور من أجل الحصول على الوظائف في الأجهزة الحكومية والجيش.
في عام 2011 وعند عزل صالح عن طريق مظاهرات الربيع العربي، نشأت إمكانية دمجهم بصورة أكثر معقولية. انتخاب هادي رئيساً في 2012 بعث الأمل فيأاوساط سكان الجنوب الذي اعتبروه واحداً منهم، زعيم ولد في محافظة ابيان في الجنوب وشغل مناصب رفيعة في جيش جنوب اليمن إلى أن اضطر إلى الهرب في 1986 إلى الشمال في أعقاب الحرب الأهلية التي حدثت بين الحزب الاشتراكي اليمني الذي هزم فيها جناح هادي الذي كان عضواً فيه.
بعد سنتين على ولايته كرئيس، وحد هادي نفسه في صراع سياسي شديد بسبب خطته كي يبني اليمن كدولة فيدرالية تنقسم إلى ستة أقاليم ذات حكم ذاتي. والمعارضون الأساسيون كانوا سكان الشمال، أحد المناطق الفقيرة جداً في اليمن، الذي يعيش فيه أبناء قبيلة الحوثي، الذين شنوا حرباً ضد النظام على خلفية اقتصادية حتى في عهد الرئيس السابق صالح. الآن يعتبر الحوثيون رسلاً لإيران، وبالأساس بسبب كونهم من أبناء الطائفة الزيدية، وهي الطائفة الانفصالية في التيار الشيعي الأرثوذكسي. ولكن بداية الصراع كانت ضد خطة الفيدرالية التي كانت ستعرض منطقة الشمال الفقيرة إلى ضربة اقتصادية شديدة مقابل الأقاليم الجنوبية التي يستخرج فيها النفط. اعتبر الحوثيون هذا المخطط مؤامرة سعودية وأمريكية استهدفت المس بالمناطق الضعفية في اليمن من أجل تحويلها إلى معتمدة على الحكومة وضمان دعمها لنظام هادي الذي كان يتولى توزيع الميزانيات.
عندما ذهبوا للحرب ضد النظام اليمني، نصحتهم إيران بمحاولة التوصل إلى حل متفق عليه. هل يعتبر الحوثيون حقاً رسلاً لإيران أم أنهم قبائل ذات مصالح محلية، ومستعدة للاعتماد على أي مصدر للمساعدة من أجل تحقيق طموحاتها؟ هل تحارب السعودية والإمارات في اليمن ضد الحوثيين بذريعة أنهم رسل لإيران، أم تسعيان إلى فرض هيمنتهما على اليمن؟ حتى الآن لم يتم طرح هذه الأسئلة للنقاش الحقيقي، لكن قد تحتاج قريباً إلى إجابة. في ظل غياب الحسم العسكري، وفي أعقاب انعطاف سياسة الإمارات، يبدو أن السعودية أيضاً ستحاول أن تجد لنفسها مسار انسحاب محترماً في إطار اتفاق معين سيضطرها، والولايات المتحدة أيضاً، إلى الاعتراف بمكانة الحوثيين. وإذا تلكأ اتفاق كهذا فإن الجنوب أيضاً قد يقيم إطاراً مستقلاً ذاتياً. مشكوك فيه إذا كان هناك خطة معينة في البيت الأبيض لعلاج هذا الاحتمال.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 16/8/2019