الهروب من السعودية.. حلم يراود الغاضبين من البطش

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1508
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سلطت جريمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده في إسطنبول التركية (أكتوبر 2018)، والمقيم بالولايات المتحدة، والكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الأضواء على أوضاع المملكة الداخلية، خصوصاً مسألة حقوق الإنسان.

ونبَّه اغتيال خاشقجي، الذي نفذه فريق أمني يعمل لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى التضييق على الحريات، داخل المملكة، ومصادرة أموال التجار ورجال الأعمال.

ومنذ تولي بن سلمان ولاية العهد في 21 يونيو 2017، تحدثت تقارير دولية عن أن البلاد شهدت صعوداً لوتيرة عمليات الاعتقال والقمع، لم يَسلم منها حتى أبناء الأسرة الحاكمة، الذين وفَّرت لهم الدولة الحصانة منذ تأسيسها.

القمع والبطش والاعتقال دفعت جميعها شرائح واسعة من السعوديين إلى البحث عن سبل للهروب من المملكة، وطلب اللجوء في البلدان الأوروبية والأمريكية.

وما يدل على أن الأمر ليس أمراً عرضياً، بل ظاهرة تستفحل مع مرور الأيام، هو تكليف البلاط الملكي جهاتٍ مختصةً إجراء دراسة عن الأمر.

وكشف الكاتب السعودي أحمد العمران لصحيفة "فايننشال تايمز"، نقلاً عن مَصدرين مطَّلعين على الأمر، لم يسمهما، أن الدراسة قدَّرت أن عدد السعوديين الذين سيطلبون اللجوء السياسي في الخارج سيبلغ نحو 50 ألف شخص بحلول عام 2030.

 


قمع لم يستثنِ أحداً
وتشير الأرقام التي نشرتها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، إلى أن 755 سعودياً فرُّوا من بلادهم وتقدَّموا بطلبات للحصول على اللجوء في بلدان أخرى عام 2017، مبيناً أن أكثر دول المقصد كانت الولايات المتحدة وكندا وألمانيا.

سعد الفقيه، المعارض السعودي البارز، رئيس "الحركة الإسلامية للإصلاح"، اعتبر أن مصادرة الحريات، وسجن النشطاء، والتضييق على حرية التعبير، والاستحواذ على أموال التجار والمستثمرين، من أهم العوامل التي تدفع السعوديين إلى الهروب من بلادهم.

وقال الفقيه لـ"الخليج أونلاين": إن "سياسة بن سلمان استعْدَت واستفزَّت كل فئات الشعب السعودي، إذ لا توجد شريحة داخل المجتمع اليوم إلا وهي في حالة غضب وغليان، فهو لم يعد يحترم لا شيخ دين، ولا زعيم قبيلة، ولا أعضاء العائلة الحاكمة، ولا أبناء العوائل الأصيلة في البلد، ولا التجار ولا الأعيان ولا المثقفين ولا الأكاديميين".

وأضاف الفقيه: "الاستبداد والطغيان اللذان تعيشهما المملكة متعلقان بشخصيته المريضة المتعطشة إلى السلطة، فالشيء الوحيد المهم بالنسبة له هو رسوخ قدمه في الحكم، وهو مستعد لفعل أي شيء لتحقيق هذه الغاية، وسحق أي أحد يقف بطريقه".

وتابع: "تلك الإجراءات تجعل الأذى يصيب الجميع، وباتت العلاقة مع السلطة مبنيَّة على العداوة والتوجس، حتى الذين هم بمنأى عن الاحتكاك بالسلطة يشعرون بأنهم في خطر".

فئات تبحث عن سبل للهروب
وأوضح أن المجتمع السعودي توجد به ثلاث فئات تبحث عن سبل للهروب من المملكة: الأولى هي الفئة السياسية التي لها توجهات خاصة لا تتفق مع سياسة بن سلمان، حتى الفئة التي كانت تعترض ضمن الهامش الذي كان مسموحاً به في العهود السابقة.

ويشير إلى أن النظام السعودي قمعي قبل بن سلمان، ويتم ذلك في إطار سياسة تراعي الموازنات الدينية والقبلية والاجتماعية، لكن في عهده أُغلقت كل الأبواب، وأصبح الاعتقال نصيب كل من لا يؤيد حتى لو اتخذ من الصمت ملاذاً.

وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "أما الفئة الثانية فهي التجار والمستثمرون، الذين ما عادوا يشعرون بالأمان في البلد، بعد ملاحقة أصحاب رؤوس الأموال وابتزازهم. والفئة الثالثة تتكون مِن كل مَن له طموح أو توجُّه مستقبلي يمكن أن يتقاطع أو يتعارض مع توجهات النظام، فهناك شعور عام بأن الدور آتٍ على الجميع ما دامت عيون السُّلطة ترصد حتى الأنفاس".

واستدرك بالقول: "هذه الفئات لم تكن تفكر قبل ذلك في الهروب إلى خارج المملكة، فالسياسي كان يظنُّ أنه قادر على التعايش مع النظام في ظل هامش مراعاة الموازنات".

وذكر أن المستثمر لم يكن يدور بخلده أنه يتعرض للتنمر والملاحقة ومصادرة الأموال، حتى لو خسر أمواله فهو في مأمن من السجن والاعتقال والملاحقة.

احتقان سيؤدي إلى ثورة
فئة الشباب السعودي هي الأخرى تمر بظروف اجتماعية حرجة؛ وتجلى ذلك بوضوح في أغسطس من العام الماضي، حين أعلن 20 طالباً سعودياً يدرسون في كندا عن رغبتهم في اللجوء السياسي.

إعلان الشباب جاء على أثر خلاف سياسي بين الرياض وأوتاوا؛ بعد إعلان الأخيرة عن قلقها إزاء اعتقال نشطاء المجتمع المدني وحقوق المرأة في السعودية؛ وهو ما دفع المملكة إلى مطالبة رعاياها بمغادرة الأراضي الكندية، لكن الطلاب العشرين فضَّلوا التمرد على أوامر قيادتهم، وإن كان ثمن ذلك النفي الاختياري عن الوطن والبعد عن الأهل.

وأعرب رئيس "الحركة الإسلامية للإصلاح" عن اعتقاده أن ثورة ضد نظام الحُكم تستعر نارها تحت الرماد وتنتظر فرصة للانفجار.

وقال بهذا الخصوص لـ"الخليج أونلاين": "الوضع بالسعودية قابل للانفجار في أي لحظة، وأتوقع بهذا الخصوص حدوث أحد أمرين: الأول أن تتصاعد الأحداث الإقليمية بأن تشتعل حرب مع إيران، وتتضاعف الخسائر في حرب اليمن، ويجتاح الحوثيون ديسان ونجران، عندها ستنهار السلطة، التي ستفقد مصداقيتها وتوفر أمام الشعب الغطاء الذي سيؤدي إلى ثورة عارمة".

أما الاحتمال الثاني الذي سيسبب الانفجار، من وجهة نظر "الفقيه"، فهو "تحوُّل الغضب والاحتقان الداخلي إلى ثورة، وفي حال حدثت فلن تكون سلمية على غرار ثورات الربيع العربي، بل ستكون مسلحة، لسبب بسيط هو أن كل القوى الحية في المجتمع، القادرة على قيادة التحرك السلمي، قُمعت وغُيِّبت بين سجن وتهجير، فشعبنا مسلَّح ويؤمن بانتزاع حقه ممن ظلمه بالقوة".

يشار إلى أن السعودية شهدت كبرى عمليات الاعتقال خارج إطار القانون، في نوفمبر 2017، حين قاد بن سلمان حملة واسعة النطاق تحت عنوان "مكافحة الفساد".

واحتُجز في الحملة عشرات الشخصيات السعودية النافذة، مثل الأمير الملياردير الوليد بن طلال، والأمير متعب بن عبد الله، ووزير المالية السابق إبراهيم العساف، حيث تمت تسويات مالية مع بعضهم، وأُطلِق سراحهم، في حين أحيل آخرون -وهم الأقلية- إلى النيابة العامة.

وتحدثت تقارير غربية عن أن الحملة محاولة لتحييد بن سلمان المنافسين السياسيين، خصوصاً أن بعضهم كالأمير متعب بن عبد الله، كان يعتبر آخر العناصر الموجودة من فريق الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

وكشفت صحيفة "واشنطن بوست"، يوم 11 يناير 2019، نقلاً عن مصادر سعودية وأمريكية، لم تسمها لكن وصفتها بالمطلعة، أنَّ بن سلمان يواصل الدفع قدماً بحملة قمع المعارضين.

وأكدت المصادر أن بن سلمان يواصل أسلوب حُكمه الاستبدادي، والحملة القاسية التي يشنها بحق المعارضين، بدلاً من تغيير سلوكه المندفع، أو إظهار إشارات تفيد بأنه تعلَّم الدرس من تداعيات قتل خاشقجي، كما كانت تأمل الإدارة الأمريكية.

ونقلت الصحيفة عن مصدر أمريكي، التقى ولي العهد السعودي، قوله: إن الأخير "يشعر في الداخل بثقة كبيرة، وبأنه يسيطر على زمام الأمور"، موضحاً أنه "ما دامت قاعدة بن سلمان بأمان، فإنه متأكد من أن لا شيء بإمكانه أن يلحق الأذى به".