لماذا نرى في طرد المُطبّع “السعودي” من القدس المُحتلّة ظاهرة إيجابيّة ونُبرئ أهلنا في أرض الحرمين من “خطيئته”؟ وما هي الرسالة التي أراد أهل الرباط المُدافعين عن الأقصى إيصالها للمُطبّعين العرب الذين يَرون في دولة الاحتلال صديقًا؟
ما تعرّض له الناشط السعودي الذي زار الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة تلبيةً لدعوةٍ من وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، إلى جانب خمسة مُدوّنين آخرين يُقال أنّ أحدهم من العِراق، ما تعرّض له من هجمات لفظيّة، وبصَق وركَل من بعض أهالي القُدس المحتلّة أثناء تِجواله في أزقّتها، والانتشار الواسع، وغير المَسبوق لهذه الواقعة على وسائل التواصل الاجتماعي، يعكِس سخطًا شعبيًّا عربيًّا وإسلاميًّا واسعًا على المُطبّعين العرب الذين يقَعون في المِصيدة الدعائيّة الإسرائيليّة التي تُوظّفهم، وزياراتهم، في مَساعيها لخلق فِتنة، وتزوير الحقائق، وتحسين الوجه الدمويّ البشِع لدولة الاحتِلال.
بدايةً لا بُد من التّأكيد أن ما يُسمّى بالناشط محمد بن سعود، وبغض النّظر عن كونه مُقتنعًا بخطوته هذه، إنّه ضحيّة لسياسات حُكومة بلاده التي استخدمته، مِثلما استخدمت غيره، ككبشِ فداء، لتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيليّ، وتطويع الرأي العام السعوديّ، وتهيئته لهذه الخُطوة، ونقل دولة الاحتلال من خانةِ العدو إلى خانة الصّديق، ودون أيّ اعتبار لمُبادرة السلام العربيّة، وبُنودها، التي هِي في الأساس مُبادرة سعوديّة.
لا يستطيع “النّاشط” المذكور الإقدام على هذه الخطوة، أيّ تلبية الدعوة الإسرائيليّة، دون أخذ مُوافقة حُكومته، وربّما تشجيعها له أيضًا، ويكفي الإشارة، إلى أنّ “تغريدة” واحدة على “التويتر” أو وسائط التواصل الاجتماعي الأُخرى، تُعارض بعض سياسات هذه الحُكومة، ولو بلُطفٍ شديد، يُمكن أن تُؤدّي بصاحِبها إلى قضاء 15 عامًا خلف القُضبان.
من المُؤكّد أنّ هُناك شريحة في المُجتمع السعودي الذي ينتمي إليه هذا الناشط، تُؤيّد فِعلته هذه، أيّ التّطبيع مع دولة الاحتلال، سواء بإيعاز من الحُكومة، أو لقناعةٍ شخصيّةٍ، يتواصل بعضهم مع المَسؤولين الدعائيين الإسرائيليين، أبرزهم أفخاي أدرعي، الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، الذي يتباهى بأنّ آلاف العرب يُتابعون حسابه على التويتر، خاصّةً من الجزيرة العربيّة (بلغ عدد مُتابعيه 260 ألفًا)، كما أنّ عددًا من محطّات التّلفزة العربيّة تفتح شاشاتها له، لأخْذ رأيه بين الحِين والآخر، لكنّ الحقيقة التي يجِب التّأكيد عليها دائمًا أنّ الغالبيّة السّاحقة من الشعب السعودي، والشّعوب الخليجيّة الأُخرى، التي نعرِفها جيّدًا، تُعارض التطبيع، وتُقاومه، ومُستعدّةٌ للتطوّع للقِتال، والاستشهاد، من أجل الدفاع عن الحُقوق الإسلاميّة والعربيّة المشروعة في كُل فِلسطين المُحتلّة، وتحرير المُقدّسات من نير الاحتلال، وهذا المُطبّع يُحاول الإساءة إلى هذه الشّريحة من الشّرفاء من الأشقّاء الخليجيين، ولكن هيهات.
من المُؤسف أنّ هذه الزيارات التّطبيعيّة للأماكن المُقدّسة، في العاصمة الفِلسطينيّة الأبديّة، تمّت بمُباركة وتشجيع السلطة الفِلسطينيّة، والرئيس محمود عبّاس شخصيًّا، عندما خرج علينا بمقولة “إنّ زيارة السّجين لا يعني دعم السجّان” الأمر الذي فتح الباب على مِصراعيه لزيارة مسؤولين عرب إلى القدس المحتلّة، بينهم وزراء خارجيّة، بل والأكثر من ذلك إقامة علاقات دبلوماسيّة مع السّلطة كغطاءٍ لفتح سفارات، أو مكاتب دبلوماسيّة، أو تجاريّة في تل أبيب.
الظاهرة الإيجابيّة التي يُمكن التوقّف عندها بعد مُشاهدة عدّة “فيديوهات” للنّاشط السعودي، وهو يتعرّض للشّتائم، والبَصق، من قبَل بعض الأطفال، وأهالي المدينة المُقدّسة، ومُطالبته بالصّلاة في الكنيست، لأنّ المسجد الأقصى ليس المكان الذي يجب أن يُدنّسه المُطبّعون من أمثاله، هذه الظاهرة تتمثّل في سُقوط سياسة السّلطة الفِلسطينيّة المُؤيّدة للتّطبيع وهذه الزيارات التبريريّة التي لا يُمكن أن تتم إلا بمُباركة سلطات الاحتلال، والحُكومات العربيّة التي باتت تعتمدها صديقًا وحليفًا، اعتقادًا منها أنّ الرأي العام العربي تغيّر واستسلَم ورفَع الرّايات البيضاء.
طرد هذا الناشط السعودي، الذي تحدّى مشاعر المَقدسيين، ومُعظم العرب والمُسلمين، بارتدائه الزي العربي، والتجوّل في مدينتهم مُجاهرًا بخطيئته التطبيعيّة، وقناعته الداعمة للاحتلال، والمُتغنّية بالإعجاب بالإسرائيليين، طرده بالطّريقة التي تابعنا وقائعها صوتًا وصورة، قد يعني بداية مرحلة التصدّي بقُوّةٍ وشراسةٍ لكُل المُطبّعين من أمثاله الذين يتجرّأون على هذه الخُطوة، وتوجيه رسالة قويّة إلى حُكوماتهم بأنّ هؤلاء لن يكونوا موضِع ترحيب، وربّما الضّرب بالأحذية، والبَصق في وجوههم، ووجوه من يُرافقونهم ويُوفّرون الحماية لهم، سواء كانوا من رجال السلطة أو جُنود الاحتلال.
وربّما يُفيد التّذكير، وفي هذه العُجالة أنّ أوّل من تعرّض للضّرب بالأحذية في المسجد الأقصى هو السيد أحمد ماهر، وزير خارجيّة الرئيس حسني مبارك، عندما ذهب إلى هُناك للصّلاة متحدّيًا مشاعر الجماهير الغاضبة.
عندما يزور هذا “المُطبّع” السعودي المسجد الأقصى، وهو يتغنّى بدولة الاحتلال، وسلميّتها، ويُعبّر عن إعجابه بها وإنجازاتها، في وقتٍ تهدم فيه الجرّافات الإسرائيليّة مِئة منزل لأهل الرباط المُدافعين عن المُقدّسات بدمائهم وأرواحهم، وتقذف بأكثر من 750 مُواطنًا إلى العراء، وتُفجّر جمائم الأطفال، وتخنِق بعضهم لأنُهم تجرّأوا على التظاهر للمُطالبة بحُقوقهم، ورفض تهويد مدينتهم، ورفع الظّلم عنهم، فإنّ هذا استفزاز يستحقّ عدم السّكوت إزائه، والرّد عليه بكُل الطّرق الحضاريّة السلميّة المَشروعة.
ليت هذا المُطبّع وأمثاله اقتدى بالشّرفاء العرب، والسعوديين خاصّةً، من أبناء جِلدته الذين يرفضون التطبيع، ومُصافحة المسؤولين الإسرائيليين المُلطّخة أيديهم بدماء الأطفال في فِلسطين، ولبنان، وسورية، ومِصر، والأردن، والسودان، ومُعظم الدول العربيّة، وما أكثرهم في بلاد الحرمين.
ليته اقتَدى بصُقور المُنتخب الجزائري الأبطال الذين ضربوا مثلًا في الشّجاعة والوطنيّة والتمسّك بالقِيم العربيّة والإسلاميّة، عندما رفعوا علم فِلسطين، وتغنّوا بشِعارات تحريرها، وأهدوا فوزهم ببطولة إفريقيا إلى أشقّائهم المُرابطين في فِلسطين المحتلّة، عشيّة بِدء زيارته للأراضي المُحتلّة.
هذا المُطبّع وأمثاله مجرُد سحابة عابرة، وذرّة غبار بسيطة، على أحذية الشّرفاء المُجنّدين من أجل نُصرة حُقوق أهل الرباط في فِلسطين المحتلّة، وشُهدائهم الذين ضحّوا بدمائهم وأرواحهم دفاعًا عن كرامة أُمّتهم وعزّتها.
لعلّ هؤلاء من المُطبٍعين، ومن يقِفون خلفهم، قد تسبّبوا دون أن يقصدون بإحياء الصّحوة، وتعليق الجرس لتحذير “هوامير” التّطبيع الحقيقيين من الوزراء والمَسؤولين الذين كانوا يستعدّون لشَد الرّحال إلى القدس المحتلّة، وفتح فارات فيها، وللِقاء نُظرائهم الإسرائيليين، وقد يأتِي الخير من باطِن الشّر.. واللُه أعلم.