مأدبة إفطار السفير السعودي لدى الأردن: «سيجارة» أم رسالة تصعيد في العلاقة البلدين؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2209
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بسام البدارين
عمان – «القدس العربي»: احتار من حضر من الضيوف الأردنيين مأدبة إفطار خاصة بالسفير السعودي في المملكة في مطلع شهر رمضان المبارك بتحصيل إجابة سريعة على سؤال صغير لكنه مثير: أهي مجرد سيجارة أم رسالة؟
السؤال الصغير هنا له ما يبرره؛ فبمجرد إعلان أذان المغرب في إحدى قاعات أفخم فنادق عمان، استأذن السفير المضيف، وهو الأمير خالد بن فيصل، ابن شقيقة الملك سلمان بن عبد العزيز، كبارَ ضيوفه على الطاولة الرئيسية – بعد تناول كوب المياه وحبة التمر- بالمغادرة لحظات لتدخين سيجارة.
طبعاً لم يعترض أي من الضيوف. لكن على الطاولة الرئيسية كان الضيف الأردني الأبرز هو الأمير هاشم بن الحسين، كبير الأمناء في القصر الملكي.

الرياض تصر على التعامل مع المملكة كـ «جغرافيا وقبائل»
غادر السفير الأمير على الشرفة المجاورة وتناول أكثر من سيجارة واحدة وسط دهشة الضيوف وحيرتهم وجلوسهم بصمت لفترة زمنية تتجاوز عمر تدخين سيجارة واحدة دون أن تبرز الخطوة اللاحقة في أصول الضيافة، وهي دعوة الضيوف لصلاة المغرب أو الانتقال لبوفيه الطعام الفخم الموجود.
في كل حال، لم تعترض أي شخصية أردنية على السلوك الناتج عن سيجارة السفير الأمير. لكن أجواء عدم الارتياح كانت ظاهرة حتى على رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، وهو صديق للسفير، تسامر معه في الرياض أربع ليال على الأقل بذريعة انتظار موعد لوفد من أعيان الأردن مع العاهل السعودي.
حتى ضيوف من خارج المواقع الرسمية الأردنية لاحظوا أن سيجارة السفير السعودي لم تكن في موقعها تماماً مع وجود أحد أبرز الأمراء الأردنيين والعشرات من الضيوف، الأمر الذي أثار التساؤل فعلاً في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الأردنية السعودية طرازاً من كل أنواع المطبات في هذه المرحلة.
اعتبر بعض الضيوف أن السفير السعودي كان خشناً على الأقل وهو يغادر ضيوفه دون أن يدعوهم إلى الإفطار أو يشاركهم في الصلاة قبل تلك السيجارة التي اعتبرها البعض رسالة وليست مجرد سيجارة، خصوصاً وأن الذاكرة السعودية المنقولة تحتفظ بما تسميه ملاحظات سلبية من بعض كبار الضيوف الجالسين على مائدة السفير.
بصرف النظر عن أي قراءة مبالغ فيها لحادثة تلك السيجارة وما حصل في مأدبة الإفطار السعودية الأميرية، يمكن القول بأن قراءة بعض مضامين ودلالات تلك المناسبة تنطوي فعلاً على ملاحظات ورسائل ليس من السهل إسقاطها من حسابات التحليل. فوجود كبير الأمناء حصرياً كان بحد ذاته رسالة ودّ ومصافحة تجاه الشقيق الأكبر. لكن يبدو أن القنوات السعودية مغلقة تماماً في وجه رسائل الود الأردنية.
وبما أن المأدبة أقامها سفير لوحظ بوضوح أن حضور وزارة الخارجية الأردنية في المناسبة نفسها اقتصر على الأمين العام للوزارة زيد اللوزي، وعندما يتعلق الأمر بأركان السلطة التشريعية في الأردن حضر رئيس الأعيان وغابت رئاسة النواب، حيث الرئيس عاطف طراونة متهم سعودياً وعملياً بأنه خطط لإحراج رئيس مجلس الشورى السعودي، لا بل أحرجه علناً في خطاب رد عليه ضد التطبيع مع إسرائيل في النسخة الأخيرة من اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي، التي استضافها الطراونة في العاصمة عمان.
موقف طراونة هنا كان صدى لصوت المؤسسة الأردنية الذي يعترض عملياً على أي تطبيع وتقارب بين السعودية وإسرائيل قبل إقامة دولة فلسطينية، وقد نقل هذا الرأي بوضوح عن المرجعيات الأردنية، ويقال إن الوزير السعودي عادل الجبير سمعه مباشرة في القصر الملكي عندما شارك في اللقاء السداسي العربي في البحر الميت. الأهم في القراءة الأكثر عمقاً لتركيبة ضيوف السفير الأمير هو تلك الرسائل التي رجحت وجود تفاضل عددي كان واضحاً للغاية من ممثلي ومشايخ ووجهاء محافظات جنوب الأردن، وهي نفسها المحافظات التي تشكل جغرافيا على تماس مع السعودية.
قد تكون تلك فقط، في حال افتراض سوء النية السياسي، أخطر الملاحظات خصوصاً أن واحداً من إشكالات العقل السياسي الأردني عندما يتعلق الأمر بالسعي النبيل لفهم الاتجاه السعودي هي تلك التي تتعلق بإصرار الشقيق الأكبر على التعامل مع الأردن باعتباره «مجرد جغرافيا وظيفية» وليست دولة لها حسابات ومصالح. طبعاً، لا يتحدث الأردني عن ذلك حتى وإن شعر به، حرصاً على تجنب المزيد من التأزيم.
وطبعاً، لمس حتى رئيس أعيان الأردن تلك النغمة من كبار المسؤولين السعوديين، خصوصاً وأن الملك سلمان شخصياً – عندما استقبل وفد الاعيان الأردني- خاطب أعضاء الوفد برقة وحنان، لكن بصيغة تتحدث عن قبائلهم وعشائرهم وليس عن مؤسسة الدولة الأردنية. في مقايسات السفير السعودي الأمير قد تنطوي مثل هذه الملاحظات على شطط في التحليل أو سوء نية.
لكن هذه الملاحظات تتراكم في مساحة ضيقة سياسياً، تبدأ من طبيعة الخطاب الذي سمعه أعيان الأردن عن إعاقة الاستثمار السعودي في عمان، وتمر بالتخاطب مع الأردنيين حسب بنيتهم القبلية، ولا تنتهي فقط عند حادثة تلك السيجارة.