ما الذي يعنيه الارتفاع الأخير في أسعار النفط؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
يزيح الارتفاع الأخير في أسعار النفط إلى ما فوق 71 دولارا للبرميل، لعقود "مزيج برنت" القياسي العالمي، بعض الضغوط عن "أوبك" وشركائها من خارج أوبك، بينما يفكر التحالف الفضفاض لمنتجي النفط بقيادة السعودية وروسيا في خطوته التالية.
ويعكس ارتفاع الأسعار المستوى العالي من الانضباط من قبل غالبية المنتجين الـ 24 الذين وقعوا على اتفاق عام 2018 لخفض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2019.
وعلى الرغم من أن خفض الإنتاج قد أدى إلى وجود سوق أكثر توازنا، إلا أن زعيم "أوبك"، السعودية، لا تزال ترغب في رؤية انخفاض أعمق في المخزونات العالمية، قبل أن تقرر ما إذا كانت ستخفف قيود الإنتاج في الاجتماع المقبل لمجموعة "أوبك بلس"، في يونيو/حزيران.
وحتى ذلك الحين، ستبقى أوبك وحلفاؤها من خارج أوبك في هذا النمط من التماسك، بينما يراقبون التداعيات المحتملة من عدة اتجاهات. وربما كان احتمال حدوث المزيد من الاضطرابات في ليبيا، بسبب النزاع الحالي، قد أبقى الأسواق في حالة ترقب، وكذلك حال الوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور في فنزويلا. وبالنسبة لمحللي أوبك، يتسبب غموض الرؤية المستقبلية حول مصير النفط الإيراني في ضبابية الطريق إلى الأمام.
ويبقى العامل الأكثر أهمية غير المرتبط بمنظمة أوبك هو النفط الصخري الأمريكي، الذي يستمر إنتاجه في النمو، وإن كان بوتيرة أقل قليلا من المتوقع في نهاية عام 2018.
وتشير أحدث توقعات لإدارة معلومات الطاقة إلى وصول متوسط إنتاج النفط الأمريكي إلى 12.4 مليون برميل يوميا في عام 2019، و13.1 مليون برميل يوميا في عام 2020. وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة كانت تنتج ما يزيد قليلا عن 5 ملايين برميل في اليوم قبل عقد من الزمان، ولم تكن تصدر أي برميل، فقد أحبط التطور السريع في إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة أوبك، وأحبط الجهود التي بذلتها المجموعة لاستنزاف العرض الزائد من السوق، ورفع الأسعار إلى مستويات من شأنها الحفاظ على التوازن المالي داخل بلدان المجموعة.
ويفيد سعر خام برنت الواقع في حدود 70 إلى 71 دولارا للبرميل مئات المنتجين للنفط الأمريكي الخفيف. ويشمل ذلك الآن شركات النفط الكبرى التي دخلت المعركة لاستخراج النفط الأمريكي الخفيف من الرواسب الصخرية.
امتثال إجباري
وامتثل أعضاء "أوبك" الـ 14، باستثناء الأعضاء الذين لديهم إعفاءات، وشركائهم الـ 11 غير الأعضاء في منظمة أوبك، عموما باتفاقية خفض الإنتاج. وأبدت "أوبك" في تقريرها الشهري الأخير أن أوبك والدول غير الأعضاء في أوبك حسنت من التزامها بضوابط تقليص الإنتاج في فبراير/شباط إلى ما يقرب من 90%، صعودا من 83% في يناير/كانون الثاني.
وكانت بعض الانخفاضات في الإنتاج غير إرادية، حيث تضرر الإنتاج الفنزويلي بسبب انقطاع التيار الكهربائي والعقوبات التي منعت شركة النفط الحكومية الرئيسية من تشغيل مصانعها وكذلك تراجع الإنتاج الإيراني بفعل العقوبات، والليبي جراء استمرار النشاط العسكري، كما تراجع الإنتاج في ظل عدم اليقين الذي صاحب تنحي الرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة".
وكانت النتيجة حدوث تحول في هيكل سوق مزيج برنت والذي أصبح الآن في حالة تراجع. ومع ذلك، لا يزال نفط غرب تكساس في حالة تأرجح، مما يعكس الحجم الكبير للنفط الذي لا يزال يتدفق في الولايات المتحدة، على الرغم من وجود علامات على التراجع هناك أيضا.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ النظر إلى تحركات الأسعار صعودا أو هبوطا في الوقت الراهن لتقييم المواقف المستقبلية لدول أوبك. فبعد كل شيء، يعد بيع كميات أقل من النفط بأسعار أعلى نتيجة يمكن الترحيب بها، ولكن فقدان حصة السوق ليس كذلك، خاصة في ظل عدم اليقين بشأن الطلب على الوقود الأحفوري في كوكب يتحول إلى اللون الأخضر.
وسوف تجتمع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لمجموعة "أوبك بلس" في جدة، بالمملكة، في 19 مايو/أيار. وكان من المقرر أن تعقد "أوبك بلس" اجتماعا في فيينا في أبريل/نيسان لتحديد مسار العمل للنصف الثاني من العام، لكنها قررت في اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة في مارس/آذار، في باكو، بأذربيجان، تأجيل الاجتماع الوزاري المقبل. وسوف تجتمع المجموعة في مقر "أوبك" في يونيو/حزيران، وهو الوقت الذي يتوقع فيه الوزراء أن تكون الأمور أكثر وضوحا بشأن الأوضاع مع إيران وفنزويلا، وكلاهما عضو في أوبك واقع تحت العقوبات الأمريكية.
وسيعتمد قرار "أوبك بلس" على تقييم ما إذا كان هناك ما يكفي من النفط لتعويض خسارة الخام الإيراني في حالة استمرار الولايات المتحدة في نيتها المعلنة المتمثلة في دفع الصادرات الإيرانية إلى الصفر. وساعد تراجع تدفق النفط الإيراني، مع انخفاض الصادرات إلى أقل من مليون برميل في اليوم، في أبريل/نيسان، في الارتفاع الحالي للأسعار. وإذا قررت الولايات المتحدة أن العرض سيكون أعلى من الطلب في النصف الثاني من العام، فقد تختار خطا أكثر صرامة ضد إيران.
روسيا أقل حماسا
في الوقت نفسه، يبدو أن روسيا فقدت بعض حماستها السابقة لاتفاقية خفض المعروض. ومن المفهوم أن وزير الطاقة الروسي "ألكساندر نوفاك"، الذي كان لاعبا أساسيا في جميع اجتماعات "أوبك بلس"، قد دعا إلى تأجيل اجتماع أبريل/نيسان.
وهناك توقعات أن توافق السعودية مع روسيا قد ينهار، على الرغم من أن المطلعين على "أوبك" يرفضون مثل هذا الحديث، ويقولون إن العلاقة بين الرياض وموسكو متعددة الأوجه، ولا تقتصر على الطاقة فقط.
ومع ذلك، لم يقدم "نوفاك" دعما كاملا لتمديد اتفاق التخفيضات حتى نهاية العام، على النحو الذي اقترحته المملكة. ولدى سؤاله في "باكو" عما إذا كانت روسيا ستدعم تمديد التخفيضات، قال "نوفاك" إنه من السابق لأوانه مناقشة الأمر، وإن أي تمديد سيتم مناقشته في الاجتماع الوزاري المقبل.
ولكن مع ارتفاع أسعار النفط بنسبة 40% مقارنو بمستويات أكتوبر/تشرين الأول 2018، ومع معاناة الاقتصاد العالمي من النزاعات التجارية، وعدم اليقين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتوترات الجيوسياسية، فهناك خطر حدوث تباطؤ في الطلب العالمي على النفط، والذي سوف يزيد من تعقيد جهود "أوبك بلس" لتحقيق الاستقرار في السوق.
وقامت "أوبك" الأسبوع الماضي بتعديل توقعاتها للطلب. وفي تقريرها لسوق النفط لشهر أبريل/نيسان، خفضت توقعاتها إلى 1.21 مليون برميل يوميا لعام 2019، من 1.24 مليون برميل يوميا في تقرير مارس/آذار. وقالت إن هذا الخفض يرجع إلى النشاط الاقتصادي الأبطأ من المتوقع مقارنة بتوقعات الشهر السابق.
وفي الوقت الحالي، تشير أسعار النفط المرتفعة، ومستويات المخزون، وهيكل السوق، إلى أن استراتيجية "أوبك بلس" تجدي. ومع ذلك، هناك شعور لدى الخبراء داخل المجموعة بأنه على منتجي النفط عدم التسرع في الشعور بالرضا، أو الاندفاع لعكس سياستهم. فلا يزال السوق ينبض بالكثير من المفاجآت.
المصدر | كات دوريان - معهد دول الخليج العربي في واشنطن