هَل وَضعَت قِمّة التّعاون الخليجيّ الأخيرَة “حجَر الأسَاس” لحِلف “النِّاتو” العَربيّ السُّنيّ؟
ولِماذا تَمْ اختِيار جِنرال سعوديّ للقِيادَة العَسكريّة الخليجيّة المُوحَّدة؟ وهَل سيَتِم إخراج قَطر مِن “المجلس” بالطَّريقةِ نَفسِها التي تَم استِبعادُها مِن تَحالُفِ حَربِ اليَمن؟
المُؤتَمر الصحافيّ الذي عقَده السيد عادل الجبير وزير الخارجيّة السعوديّ، وما ورَد فيه مِن تَصريحاتٍ مُهِمَّةٍ كانَ أهَم بمَراحِل مِن البيان الخِتاميّ “الإنشائيّ” لقِمّة مجلس التعاون التي انعَقدت لساعاتٍ في الرّياض يوم أمس الأحد، خاصَّةً الفَقَرة التي كَشَف فيها عَن مُحادثاتٍ تَجرِي حاليًّا بين دول المَجلِس ومِصر والأُردن مع أمريكا للتَّوصُّل إلى تَرتيباتٍ أمنيّةٍ جَديدةٍ في المِنطَقة، بهَدفِ مُواجَهة العُدوان الخارجيّ، أيّ إيران.
إنّها المَرُّة الأُولى التي يَكشِف فيها السيد الجبير عن هَذهِ المُحادَثات وبهذا الوُضوح، ويتحدَّث بصَراحةٍ عن إقامَةِ حِلف “ناتو” عربيّ سنيّ جَرى اختيار اسم “ميسا” له، (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجيّ)، وكذلِك تعيين قائِد سعودي (الفريق الركن عيد بن عواض الشلوي) للقِيادة العسكريّة الخليجيّة المُوحَّدة.
لا نَعرِف ما إذا كانت دولة قطر التي مِن المُفتَرض أنّها ما زالت “عُضوًا” في هذا المجلس ستَكون عُضوًا أيضًا في “النّاتو” العربيّ الذي قد يُعَلن في واشنطن مطلع العام المِيلاديّ الجَديد أثناء مؤتمر قمّة يترأسها دونالد ترامب، فمِن الواضِح أنّ جميع هَذهِ التَّرتيبات جَرى إقرارُها في غِياب قيادَتها، وللتَّأكيد بأنّه “غير مُرحَّبٍ” بِها في المَنظومَتين القديمة (مجلس التعاون) أو الجديدة الناتو العربيّ السنيّ، ورُبّما هذا ما يُفَسِّر غضْبَة السيد أحمد الرميحي مدير المكتب الإعلاميّ في الخارجيّة القطريّة في تَغريداتِه على “التويتر” انتَقد فيها تَجاهُل الاجتماع الأخير للقِمّة لأزمة “حِصار قطر” وسُبَل مُعالجَتها، ولا نَفهَم كيفَ غاب عنه، أي السيد الرميحي، أن هُناك مَن هو على قِمّة هَذهِ القِمّة، لا يُريد حلّها بَل زِيادَتها حِدَّةً وتَصعيدًا.
اللَّافِت أنّه لم يَصدُر أي تصريح عن قادَة المجلس عن هذه الأزَمَة، والاستِثناء الوحيد انعكس في تفَقُّد الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت العَلم القطريّ، وتَلمُّسه في مَكان القمّة، الأمر الذي قُوبِل بتَرحيبٍ كَبيرٍ مِن إعلاميين قطريين، ولكن تَلمُّس العلَم، والتَّحَسُّر على غِياب أصحابه عَن القِمّة شَيء، وتَجاهُل الأزَمَة كُلِّيًّا، وبشَكلٍ مُتَعمَّدٍ، وإسقاطها مِن جَدولِ الأعمال مِن قِبَل المُضيف شَيءٌ آخَرٌ مُختَلفٌ كُلِّيًّا.
السُّؤال الآن هو حَول ما إذا كان تهيئة الأسباب لعدم حُضور أمير دولة قطر لهَذهِ القمّة، بسبب تَغريدِها خارج السِّرب الخليجيّ، وإقامَتها علاقاتً وثيقةً مَع إيران وحزب الله، وقَبلُهما تركيا، وفتْحها قنوات حِوار سريّة مع سورية، كُل هذا جاءَ لاستِبعادِها مِن الحِلف الجَديد، وتَمهيدًا لإخْراجِها مِن مجلس التعاون الخليجيّ نَفْسِه؟
وهُناك سُؤالٌ آخَرٌ فَرعيٌّ وهو هَل مِن المُمكِن أن تقبل دولة قطر، في ظِل خلافِها المُتفاقِم مع مُقاطِعيها الثَّلاثة في مجلس التعاون، بقُبولِ قائِدٍ سُعوديٍّ للقِيادة العسكريّة المُوحَّدة لدول الخليج، وهِي التي أعلَنَت انسِحابها مِن مُنظَّمَة الدول المُصَدِّرة للنِّفط “أوبِك” احتِجاجًا على الهَيمنةِ السعوديّةِ عَليها؟
لا نَمْلُك إجاباتً على هَذين السُّؤالين، ولكنّنا رُبّما نعود إلى “سابِقةٍ” مُهِمَّةٍ يُمكِن أن تكون مُؤشِّرًا لِما يُمكِن أن يَحدُث مُستَقبلًا، وهِي إخراجُ قطر مِن التَّحالُف العَربيّ الذي يخوض الحَرب في اليمن، وتقوده كُل مِن السعوديّة والإمارات قبل عامٍ ونِصف العام تقريبًا، وبالتَّحديد مُنذ بِداية الأزَمَة الخليجيّة، فمِثْلَما أخْرَجَت السعوديّة والإمارات قطر مِن هذا التحالف يُمكِن أن تُخرِجانها، أو تُجَمِّدان عُضويّتها في مجلس التعاون الخليجيّ، سواء بشَكْلٍ رَسميٍّ أو غير رَسميّ، أي بفَرضِ الأمْر الواقِع.
في قمّة الكويت العام الماضِي حضر أمير قطر وتغيّب القادَة الآخرين، وفي القِمّة الأخيرة غابَ أمير قطر وحَضَرَ الآخرون، وهذا الحُضور والغِياب يَشِي بالكَثير، ورُبّما يكون “قاعِدَة” القِمَم الخليجيّة المُقبِلة، وخاصَّةً قمّة أبو ظبي في ديسمبر المُقبِل.
مجلس التعاون الخليجي الذي تأسَّسْ قبل ثلاثين عامًا انتَهى “عُمُره الافتراضيّ” تقريبًا، ولا نَستبعِد أنّ هُناك مَجْلِسًا آخَر مُختَلِف جاري إعداد طبخته، مِن قبل الطَّبّاخ السعوديّ، وبإشرافٍ أمريكيٍّ، ولا نَعتقِد أنّه سيَكون هُناك مَكان لقطر فيه، ولا نَعرِف ما إذا كانَ هذا الإبعاد سيَكون مِن مَصلحَتِها أمْ ضِدها.. نَتْرُك الحُكم في هذا الاتِّجاه أو ذاك للأيّام المُقبِلة، وبعد مَعرِفَة التَّفاصيل أكثَر.. واللهُ أعْلَم.
“رأي اليوم”