التايمز: أمراء منهمكون خلف أبواب القصر المذهب لإنقاذ المملكة.. هل يستجيب العاهل السعودي لإلحاح عشرات الأمراء ويبعد ولي العهد؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1846
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 خلف الأبواب المُذهَّبة المُغلَقة للقصر الملكي، ينهمك أمراء المملكة العربية السعودية في محادثات أزمة حول كيفية إنقاذ النظام الملكي والبلاد من الخزي العالمي الذي ألحقته بهم حادثة قتل جمال خاشقجي في إسطنبول.
صحيفة التايمز″ البريطانية أشارت في تقرير لها إلى أنَّ العائلة المالكة، المُنزوية التي تخلَّى عنها شركاؤها التجاريون وشلَّتها الإدانة العالمية اللاذعة، تبحث عن وسيلةٍ تَحفظ ماء الوجه لتُخرِجها من أسوأ أزمةٍ سياسيةٍ تمرّ بها المملكة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، التي كان أغلب مرتكبيها مواطنين سعوديين.
ينظر دبلوماسيون غربيون كبار إلى عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز وهو الأخ الشقيق الوحيد على قيد الحياة للملك سلمان، المفاجئة إلى السعودية، باعتبارها علامةً على أنَّ العائلة المالكة السعودية قد تكون الآن بصدد محاولة تقليم أجنحة ولي العهد العنيد والحاكم الفعلي للبلاد الأمير محمد بن سلمان. وترى الصحيفة البريطانية أن الملك سلمان قد يضطر، تحت إلحاح عشرات كبار الأمراء الذين همَّشهم وأرهبهم محمد بن سلمان (33 عاماً)، على التراجع عن حُكم الرجل الواحد والقبول بقيادة أكثر تقليدية وجماعية للبلاد. كان الأمير أحمد، الذي شغل منصب وزير داخلية السعودية لفترةٍ وجيزة قبل أن يعزله محمد بن سلمان، يعيش في لندن، وأجَّل مراراً عودته إلى موطنه خوفاً من أن يضعه ولي العهد تحت الإقامة الجبرية، إذ لم يتردد ولي العهد من قبل في إقصاء خصومه من أفراد العائلة الملكية الممتدة.
وعبَّر الأمير أحمد صراحةً عن رغبته في أن يُوقِف محمد بن سلمان حربه في اليمن، التي تُسفِر عن أضرار جسيمة تَلحق بصورة السعودية فيما يقف ملايين اليمنيين على حافة الموت جوعاً. ونفى الأمير أحمد أنَّه يقصِد بذلك توجيه أي انتقادٍ لمحمد بن سلمان، لكن بصفته العضو الوحيد المتبقي من السديريين السبعة على قيد الحياة، وهُم أبناء الملك عبد العزيز مؤسس المملكة السعودية من زوجته المفضلة حصّة بنت أحمد السديري، فإنَّ له وزنه داخل العائلة.
عادى ولي العهد السعودي عدداً كبيراً من أفراد العائلة المالكة، ويقول الدبلوماسيين أنَّه أوجد تحالفاً مُعارِضاً قوياً. وكان احتجازه لعددٍ من أغنى الأمراء السعوديين في فندق الريتز كارلتون العام الفائت خطوة غير مسبوقة أهانت الأمراء وخلَّفت لدى أولئك الذين اضطر بعضهم لدفع مبالغ كبرى من المال مقابل إطلاق سراحهم، ومن بينهم الأمير الثري الوليد بن طلال، سخطاً موغلاً.
وتُفيد تقارير بأنَّ العديد من أولئك الذين رفضوا الدفع قد اعتُقِلوا. تعرَّض الآخرون الذين اعترضوا طريق محمد بن سلمان هم أيضاً للاعتقال أو التهديد. ومن بين هؤلاء ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف، وهو أحد أبناء إخوة الملك سلمان وكان قد شغل منصب وزير الداخلية السعودي والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء. عُزِل بن نايف من سلم خلافة العرش في شهر يونيو/حزيران العام الماضي. أحد الأمراء الآخرين الذين لديهم سببٌ وجيه للشعور بالامتعاض هوَ أصغر أبناء الملك الراحل عبد العزيز بن سعود، الأمير مقرن، الذي كان رئيساً للاستخبارات العامة السعودية وعيَّنه الملك السابق، عبد الله، ولياً لولي العهد. وعندما تولَّى الملك سلمان السلطة، ترقَّى مقرن لمنصب ولي العهد، لكنَّه انتُزِع منه بعد أربعة أشهر لا غير في أبريل/نيسان عام 2015.
ويُعَد الأمير مقرن رجلاً فطِناً حاصلاً على تعليمٍ جيد، لكن يُعيق توليه الحُكم في نظر بعض السعوديين أنَّ أمه ليست من أصول سعودية. وأحد الرجال الذين قد تكون آراؤه حاسمة هوَ الأمير تركي الفيصل، الأمير اللَبِق والسفير الأسبق للسعودية لدى الولايات المتحدة، والذي ترأس الاستخبارات العامة السعودية لنحو 20 عاماً وحاول شخصياً إقناع أسامة بن لادن بالعودة للبلاد. يوجد الأمير تركي الآن في أميركا، وأصرَّ مؤخراً في مقابلةٍ مع صحيفة The Washington Post الأميركية على أنَّ ولي العهد، الذي يحظى بشعبية كبيرة في البلاد، كلما وُجِّهَت له انتقادات أكثر، ازدادت شعبيته في السعودية أكثر. شَغَل شقيق الأمير تركي، سعود الفيصل، منصب وزير الخارجية السعودي طوال 40 عاماً حتى وفاته عام 2015. سيكون الأمير تركي، المعروف لدى الغرب، ممتناً كثيراً للفوضى التي سبَّبها طيش ولي العهد، وقد يكون صوتاً قوياً يدعو للاعتدال، هذا في حال كانت لديه الحرية للحديث. وكان خاشقجي مستشاره المقرَّب لسنواتٍ عدة، ما يجعله بطبيعة الحال محل ريبة في نظر محمد بن سلمان.
السؤال الرئيسي هُنا هوَ ما إن كان الملك سلمان لا يزال يتمتع بما يكفي من السلطة للسيطرة على ابنه. إذ أفادت تقارير بأنَّه يعاني من الخرف ولا يكون دوماً في حالٍ لائق للتركيز على القضايا. وتؤكد الصحيفة البريطانية أن ولي العهد يفرض حراسة مشددة على مَن يُمكنه الوصول إلى والده. وجرى تناقُل شائعات منذ بضعة أشهر، نفاها المسؤولون السعوديون، بأنَّ ولي العهد منع والدته نفسها من رؤية الملك خوفاً من أنَّها قد تعيق تكديس السلطة في يد ابنها.
ويقول الدبلوماسيون الغربيون إنَّه من المستبعد أن يعزل الملك سلمان ابنه من ولاية العهد، لأنَّ ذلك سيكون ضربةً قوية تُفقدهم ماء وجوههم. وقال دبلوماسي بريطاني ذو خبرةٍ كبيرة بالشأن السعودي: «لا يزال محمد بن سلمان يحظى بشعبيةٍ كبيرة لدى الكثير من السعوديين الشباب. لذا فإنَّ ما قد تحاول العائلة فعله هو أن تضع حداً لسلطته، لا أن تنزعها منه».
وترى الصحيفة البريطانية أن هناك عاملاً آخر يُعقِّد هذا الوضع أكثر هو ما أسمته رغبة تركيا، وهي دولةٌ عضو بحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنافسة لدودة للسعودية على النفوذ في العالم الإسلامي، في استغلال جريمة قتل خاشقجي لخدمة مصالحها، إذ يذهب بعض محللين إلى احتمالية استعداد تركيا لحجب بعض الأدلةٍ الخاصة بجريمة قتل خاشقجي -وعلى أية صلاتٍ تورِّط محمد بن سلمان- إذا ما كانت السعودية مستعدة للاستثمار في تركيا. لكنَّها مع ذلك لعبةٌ محفوفة بالمخاطر.
وكما يشير كريس دويل، رئيس مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني: «إذا ما ظل محمد بن سلمان في السلطة، فإنَّه لن ينسى محاولة الرئيس التركي أردوغان الإضرار به. وسيُكِنّ هذه الضغينة طويلاً». ومع ذلك، فإنَّ الخيارات المُتاحة أمام العائلة المالكة السعودية للتعامل مع أزمة ولي العهد الذي لُطِّخَت سُمعته -والذي ربما لا يزال زمام المبادرة بيده- محدودة للغاية.