طائرة حكومية تقل السفير السعودي الى عدن في مهمة لإعادة اعمار اليمن وسط حملة ضغوط دولية ببسبب تدخلها في الحرب مع الحوثيين
عدن – (أ ف ب) – تنطلق الطائرة الحكومية السعودية التي تقل السفير السعودي محمد آل جابر متجهة الى عدن، في إطار مهمة تندرج، بحسب ما يقول السفير لصحافيين يرافقونه، في مهمة إعادة اعمار البلد الذي يمزّقه نزاع مسلح تشكّل المملكة أحد أطرافه الرئيسية.
وتتعرّض السعودية الى انتقادات من دول ومنظمات حقوقية بسبب تدخلها في حرب اليمن على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة المعترف بها دوليا في معاركها مع الحوثيين، بينما يواجه أفقر دول شبه الجزيرة العربية خطر المجاعة في ظل انهيار العملة المحلية وتراجع الاقتصاد بشكل عام.
وقتل آلاف المدنيين في البلد الفقير بسبب النزاع، وعدد كبير منهم عن طريق الخطأ في غارات جوية نفذها التحالف. وسلطت قضية خاشقجي الضوء أكثر على حرب اليمن.
لكن السفير آل جابر يقول إنه يصبّ تركيزه على مهمة رئيسية، هي إعادة إعمار البلد الذي دمرت مؤسساته بسبب المعارك والصراعات.
ويضيف السفير الذي عيّن في منصبه في 2014 قبيل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، إن اعمار اليمن “لا يمكن أن ينتظر قبول الحوثيين بإجراء محادثات سلام”.
وأعلن مبعوث الأمم المتّحدة إلى اليمن مارتن غريفيث الأربعاء أنّه سيعمل على إجراء مفاوضات جديدة بين أطراف النزاع في اليمن في غضون شهر، بعدما فشلت محاولة اولى في أيلول/سبتمبر الماضي لعقد مشاورات غير مباشرة في جنيف بسبب غياب الحوثيين.
وتحدث آل جابر الى الصحافيين على متن الطائرة في طريقه إلى عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها، للإشراف على وصول ناقلة نفط سعودية تحمل أول شحنة وقود كجزء من منحة شهرية خصّصتها الرياض لمساعدة محطات إنتاج الكهرباء في اليمن.
وبينما كان مساعدوه يقدّمون الحلوى والتمور والقهوة العربية، عدّد السفير مشاريع مموّلة من المملكة قال إنّها بمثابة “حقن” للمساعدة في مسألة توفير الكهرباء، وفي قطاعي التربية والصحة.
وأوضح السفير المقيم في الرياض “هدفنا في اليمن ليس السيطرة عليه”، رافضا المقارنة بين الحملة العسكرية السعودية والعمليات الأميركية في العراق. وتابع “إنّها حرب الضرورة، وليست خيارا”.
– مقتل خاشقجي –
وتقول الرياض إن معظم الاتهامات التي تحمّلها مسؤولية مقتل مدنيين وتدهور الأوضاع، مبالغ بها.
لكن حتى الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي للسعودية والتي تدعمها في حرب اليمن عبر إعادة تزويد طائراتها بالوقود جوا وبيعها أسلحة، دعت الثلاثاء إلى إنهاء هذه الحرب وعقد مفاوضات سياسية في غضون شهر، مطالبة خصوصا بوقف الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية “في كل المناطق المأهولة”.
وعقّدت قضية مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في الثاني من تشرين الاول/اكتوبر، وضع السعودية.
وقالت الرياض بداية إن الصحافي الذي كان يكتب مقالات ينتقد فيها سياسات ولي العهد الامير محمد بن سلمان في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، قتل في اشتباك بالأيدي، قبل أن تعود وتؤكد ما أعلنه المحققون الأتراك وهو أن خاشقجي قتل بنية مسبقة.
وتقول الباحثة في جامعة أكسفورد إليزابيث كيندال إن قضية خاشقجي “سلّطت الأضواء على اليمن كونها تلقي شكوكا على الروايات السعودية”.
وأضافت “إذا كذبت السعودية بشأن مصير خاشقجي، أقلّه في البداية، فإن ردودها حول الفظائع في اليمن تصبح موضع شك أيضا”.
ورأى آل جابر أن استغلال قضية خاشقجي لانتقاد جهود المملكة في اليمن، أمر غير منصف.
وقال إن صور الأطفال الذين يعانون من المجاعة والتي انتشرت في وسائل الاعلام العالمية “تفطر قلبي”، لكنه أكّد أن السعودية ليست وحدها مسؤولة عن ذلك.
وذكر ان الحوثيين المدعومين من إيران متعنّتون، متهّما إياهم بإحباط جهود الامم المتحدة لإعادة إطلاق محادثات السلام.
ويؤكد الخبير بشؤون اليمن في معهد المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية آدم بارون أن آل جابر، الدبلوماسي المخضرم، سعى باستمرار إلى إبراز مشاريع التنمية المموّلة من السعودية، في ما بدا محاولة “لتغيير الخطاب السائد حول اليمن”.
– “انقاذ من الانهيار” –
في عدن، يرافق حراس مدجّجون بالأسلحة السفير في سيارته المصفّحة، وخلفهم مسلّحون في سيارات رباعية الدفع تسير في شوارع تنتشر فيها دبابات وآليات عسكرية ونقاط تفتيش.
وشكا مصرفيّون يمنيّون ورجال أعمال وممثّلون عن المجتمع المدني في اجتماع في مكتب رئيس الوزراء معين عبد الملك، وفي حضور السفير السعودي، من الفساد والبطالة في ظل إغلاق متاجر واختلال منظومة العمل الحكومي.
ودوّن آل جابر ملاحظات، واعدا بالعمل على إحراز تقدم في هذه المجالات.
وقال “نحن هنا لدعم اليمنيين (…) حتى تكون هناك دولة تعمل”.
وتوجّه في وقت لاحق الى القصر الرئاسي، واجتمع مع مسؤولين حكوميين، وهم يتناولون القات، في غياب الرئيس عبد ربه منصور هادي المقيم في الرياض بعيدا عن المجمّع الذي يضم مجموعة مباني مطلّة على بحر العرب.
وقال حاكم المصرف المركزي محمد زمام الذي شارك في الاجتماع مع السفير إن “اليمن يدار بحكومتين، ولكن بعملة واحدة، واقتصاد واحد”، ولذا “هناك حاجة لجهود سلام توحّد السلطتين”.
وعرض لمراسل فرانس برس على هاتفه مستندا مصرفيا لوديعة سعودية بـ200 مليون دولار تهدف الى دعم الريال، قائلا إن بعض رجال الأعمال ظلّوا يشكّكون في قدرات الحكومة، حتى أظهر لهم هذا المستند.
وكانت الكهرباء مقطوعة حتى عن المجمّع الرئاسي لساعات يوميا قبل وصول شحنة الوقود السعودية، بحسب زمام.
وقال المسؤول الحكومي إن السلطة المعترف بها دوليا تحاول إنقاذ اليمن “من الانهيار”.
لكن آل جابر شدّد على أن الدعم السعودي لا يعني شيكا على بياض، موضحا “أموالنا ليست للفاسدين، بل للشعب اليمني”.