كيف تشتري المملكة العربية السعودية ولاء حلفائها؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1722
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في 23 من تشرين الأول / أكتوبر، بعد ثلاثة أيام من اعتراف المملكة العربية السعودية بأن عملاءها قتلوا الصحفي المعارض جمال خاشقجي، ترأس رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان إحدى جلسات المؤتمر الاقتصادي الذي أقيم في الرياض، الذي
انسحب منه العديد من السياسيين الغربيين والرؤساء التنفيذيين لعدة شركات أجنبية.

الجدير بالذكر أنه وفي شهر أيلول / سبتمبر، عندما زار خان المملكة العربية السعودية سعياً للحصول على الدعم للنهوض باقتصاد بلاده المتضرر، لم يحقق أيا من المطامع
التي قدم من أجلها وعاد إلى بلاده خالي الوفاض. في المقابل، وخلال الأسبوع الماضي، وفي ظل احتدام الغضب العالمي بسبب مقتل خاشقجي، اتصل ولي العهد محمد بن سلمان بخان طالباً منه حضور المؤتمر. وقد قبل خان الدعوة ولكن هذه المرة
عاد إلى بلده وفي جعبته 6 مليارات دولار، قدمتها له المملكة في شكل دعم مالي.

منذ صعود بن سلمان إلى السلطة، اتبع السعوديون سياسة خارجية ذات طابع عدواني وعسكري مكثف عدوانية، لكنهم تبنوا أيضا تكتيكا، اعتمدوه على مدى عقود، يكمن
بالأساس في استغلال ثروتهم النفطية لشراء ولاء مختلف الجهات في العالم العربي وخارجه. وفي خضم الضجة الدولية حول مقتل خاشقجي، ضغط الزعماء السعوديون بطريقة ودية على الحكومات الإسلامية، معتمدة على دعمها العلني للمملكة. ومما لا
شك فيه أن أبرز حلفاء السعودية منذ وقت طويل في الخليج العربي، أي الإمارات العربية المتحدة والبحرين أعربتا عن دعمهما للمملكة، والأمر سيان بالنسبة لعدة حكومات عربية تعتمد على المساعدات السعودية، على غرار مصر والأردن والسلطة
الفلسطينية والحكومة اليمنية المخلوعة.

بالإضافة إلى اعتماد دبلوماسية دفتر الشيكات، تسيطر السعودية على إمبراطورية إعلامية واسعة تعمل على ترسيخ سياستها الخارجية وتعمد إلى مهاجمة منتقديها

عندما اعترفت المملكة أخيراً بأن عملاءها قتلوا خاشقجي،
نوه بيان لوزارة الخارجية السعودية بتقديره "للمواقف الحكيمة للبلدان التي فضلت الانتظار إلى حين انتهاء الإجراءات والتحقيق وبيان الأدلة، وتجنب الانسياق وراء التكهنات والادعاءات التي لا أساس لها من الصحة". في الأثناء، وجه كل من الملك سلمان
وابنه محمد، رسالة واضحة مفادها أنه "بمجرد أن تنجلي هذه المحنة، لن تنسى المملكة العربية السعودية أصدقاءها وستعاقب أعداءها.

بالإضافة إلى اعتماد دبلوماسية دفتر الشيكات، تسيطر السعودية على إمبراطورية إعلامية واسعة تعمل على ترسيخ سياستها
الخارجية وتعمد إلى مهاجمة منتقديها. في الوقت ذاته، يمول القادة السعوديون عددا من المعارضين ضد السياسيين في العالم الإسلامي الذين يرفضون الانصياع لسلطة المملكة. كما ينفقون عشرات الملايين من الدولارات لاستمالة حكومات الدول الغربية،
في حين يدعمون خلايا التفكير والجامعات والمؤسسات الثقافية البارزة، بهدف مساعدتها في تشكيل صورة المملكة لدى الغرب.

وتعتمد القيادة السعودية دبلوماسية دفتر الشيكات، والتهديد بحظر التجارة والاستثمارات، ليس فقط في علاقتها بالعالمين
العربي والإسلامي. فخلال السنة الماضية، ألغى بن سلمان صفقات تجارية واقتصادية مع ألمانيا وكندا وذلك رداً على انتقادهما لممارسات السعودية، بما في ذلك الحرب التي تقودها الرياض في اليمن واعتقال ناشطين في مجال حقوق المرأة…

في الواقع،
تمسكت الدول العربية التي لم تعرب عن ولائها الصريح للمملكة بالصمت إلى حد كبير على حادثة مقتل خاشقجي، مما يؤكد خوفها من إثارة غضب الحكام السعوديين. في المقابل، كانت دول إسلامية أخرى، مثل إندونيسيا التي تجمعها علاقات قوية مع
المملكة العربية السعودية، حذرة للغاية في تعاملها مع هذه المسألة. فقد دعا رئيس إندونيسيا، التي يعيش فيها أكبر عدد من المسلمين في العالم، جوكو ويدودو، إلى إجراء تحقيق "شفاف وشامل"، مجسدا خطاب ورغبات المملكة.

تعتمد العديد من الدول
والقادة الذين أصدروا بيانات تدعم المملكة العربية السعودية، إلى حد كبير، على مساعدات الرياض

في المقابل، كان رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، صريحاً في انتقاده للرياض، حيث قال: "نحن أيضاً لدينا أشخاص لا نحبهم، لكننا لا نفكر في قتلهم".
وتجدر الإشارة إلى أن مهاتير قد قطع مع المواقف المتبعة صلب الحكومة الماليزية هذه المرة، من خلال انتقاده القادة السعوديين، نظرا لأن سلفه، نجيب عبد الرزاق، كان حليفا للمملكة ونجح في الاستفادة من سخائها. في سنة 2015، تلقى عبد الرزاق
هدية، مجهولة الدوافع، قدرها 681 مليون دولار من السعوديين حولت إلى حسابه المصرفي الشخصي. في المقابل، يعد شريك مهاتير محمد في الحكومة، أنور إبراهيم، حليفا قويا للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تكفل شخصيا بالإشراف على
مسار القضية ضد السعوديين بسبب مقتل خاشقجي.

في الحقيقة، تعتمد العديد من الدول والقادة الذين أصدروا بيانات تدعم المملكة العربية السعودية، إلى حد كبير، على مساعدات الرياض. فمن جهته، تمكن الرئيس عبد الفتاح السيسي من الحصول على
أكثر من 25 مليار دولار من المساعدات والتعهدات الاستثمارية من قبل المملكة العربية السعودية وحلفائها، منذ أن أطاح الجيش المصري بالحكومة المنتخبة شعبيا بقيادة الإخوان المسلمين سنة 2013.

في حزيران / يونيو، بعد أن اجتاحت احتجاجات
جماهيرية الأردن على خلفية الزيادات المقترحة في الضرائب، تعهدت المملكة العربية السعودية وحليفين لها بضخ مبلغ قدره 2.5 مليار دولار لدعم الاقتصاد الأردني. علاوة على ذلك، تعتمد الحكومة اليمنية على المملكة العربية السعودية، التي قادت في
آذار/ مارس 2015 تحالفًا من الدول العربية السنية في حرب ضد المتمردين الحوثيين الشيعة الذين استولوا على أكبر مدن اليمن.

في عهد الملك سلمان وابنه، سارعت المملكة إلى معاقبة الدول التي تتحدى سلطتها أو التي فشلت في اتخاذ موقف مساند
لها في صراعها الإقليمي ضد إيران، من خلال حظر المساعدات

من جهة أخرى، يوظف السعوديون سيطرتهم على الحج السنوي إلى مكة المكرمة كوسيلة أخرى لمكافأة الأصدقاء وتهميش الأعداء في العالم الإسلامي. وفي كل سنة، تحدد الحكومة
السعودية حصصاً لعدد الحجاج من دول العالم الذين يمكنهم الحصول على تأشيرات الحج، استناداً إلى النسبة المئوية للمسلمين في كل بلد. كما تخصص المملكة مجموعة تفضيلية من تأشيرات الحج للسياسيين والحلفاء الدوليين المفضلين.

في عهد
الملك سلمان وابنه، سارعت المملكة إلى معاقبة الدول التي تتحدى سلطتها أو التي فشلت في اتخاذ موقف مساند لها في صراعها الإقليمي ضد إيران، من خلال حظر المساعدات. في مطلع سنة 2016، بعد أن تجاهلت الحكومة اللبنانية إدانة
الهجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، ألغت المملكة نحو 4 مليارات دولار من المساعدات موجهة للجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية.

في خضم الأزمة الحالية، طالب بن سلمان أن يعلن رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، الذي كان
قد اعتُقل في زيارة للرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وأجبر على الاستقالة في خطاب تليفزيوني قبل أن يستأنف في النهاية مهامه على رأس منصبه، بأن يعلن ولاءه للرياض علانية. وبالتالي، كان على الحريري أن يدعم بن سلمان علانية لأن المملكة لا
تزال تتمتع بنفوذ داخل لبنان، كما أنها نصبت نفسها على أنها الحامي الرئيسي للطائفة السنية في البلاد.

خلال المؤتمر الاقتصادي هذا الأسبوع في الرياض، أهان ولي العهد، مجددا، الحريري، الذي كان جالسا بجانبه على المنصة أثناء إلقائه لكلمته. ففي
نهاية الدورة، صرح بن سلمان مازحا أن الحريري سيقضي يومين في المملكة، مضيفاً: "آمل ألا تنتشر شائعات بأنه قد خطف". على وقع ذلك، انفجر الجمهور ضاحكا وصفق بكل خنوع لولي العهد، في حين بادر الحريري بمصافحته.

عموما، يدرك الحريري،
مثل غيره من القادة العرب، أن ولي العهد (33 سنة) من المحتمل أن يتولى الحكم وذلك لعقود. لقد سلم الملك سلمان الكثير من الشؤون اليومية الخاصة بالمملكة إلى ولي العهد، الذي بات يتمتع بسلطة غير المسبوقة، على اعتباره وزير الدفاع ورئيس
المؤسسات الأمنية والعسكرية الموحدة حديثاً.

يدرك حلفاء المملكة العربية السعودية والجهات التجارية التي تتعامل معها، خطر تجاوز بن سلمان، الذي أظهر للعالم أنه يمكن أن يكون متهوراً وقاسياً. في الأثناء، تأمل الأطراف التي تصر على البقاء في ظلال
نعم ولي العهد في أنه يكافئها على ولائها، لاسيما أنه نصب نفسه ملكا ليحكم لعقود قادمة المملكة العربية السعودية.

المصدر: نيويورك تايمز