في أوّلِ حديثٍ علنيٍّ مُنذ أزمة مقتل جمال خاشقجي: وليّ العهد السعودي يعتبر قتل الصحافي “حادِثًا بَشِعًا” ويتعهّد بمُحاسَبة “المُجرمين”..
ويقول أن هُنالك مُحاولات “لإحداثِ شرخٍ” في العلاقات مع أنقرة
الرياض – (أ ف ب) – وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مقتل الصحافي جمال خاشقجي بـ”الحادث البشع″، متعهّدا بتقديم “المجرمين” للعدالة، ومشددا على استمرار التعاون بين الرياض وأنقرة، في أول تصريحات علنية له حول القضية.
وقال الأمير النافذ في منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” المنعقد في الرياض تعليقا على قضية خاشقجي “الحادث مؤلم جدا لجميع السعوديين، إنه حادث بشع غير مبرر تماما”.
وشدّد على أن المملكة “تقوم باتخاذ كل الإجراءات القانونية (…) والعمل مع الحكومة التركية للوصول الى النتائج وتقديم المجرمين للمحاكمة”، مضيفا “العدالة في الأخير ستظهر”.
وتابع أن هناك محاولات ل”إحداث شرخ” في العلاقات مع أنقرة، لكنه شدّد على أنهم “لن يستطيعوا عمل ذلك”، من دون أن يحدد من هي الجهات الساعية الى ذلك.
وبعد 17 يوماً من الإنكار، أكّدت الرياض السبت أنّ خاشقجي قُتل من طريق الخطأ في قنصليتها خلال “شجار” مع عناصر أتوا للتفاوض معه حول عودته الى المملكة، مشدّدة على أن ولي العهد لم يكن على علم بما حصل. وشّككت دول ومنظمات عدة في الرواية السعودية.
وكان خاشقجي يكتب مقالات في صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية ينتقد فيها سياسات ولي العهد الذي يتولى مناصب قيادية عدة في المملكة.
وتحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في منتدى الرياض الاقتصادي الأربعاء، في أول تصريحات علنية له منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول قبل ثلاثة أسابيع في قضية أدخلت المملكة الساعية لجذب الاستثمارات في أزمة دولية.
ولم يتضح ما إذا كان ولي العهد سيتطرق لهذه القضية، لكن تصريحاته المرتقبة تأتي غداة بدء واشنطن إجراءات إلغاء تأشيرات الدخول للسعوديين المتورطين في هذه القضية، ومطالبة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بمعاقبة “الذين أعطوا الأوامر” بقتل الصحافي.
وكان ولي العهد النافذ (33 عاما) تناول القضية بشكل مقتضب في مقابلة مع وكالة “بلومبرغ” بعيد الاعلان عن فقدان أثر خاشقجي في الثاني من تشرين الأول/اكتوبر الماضي، لكنه لم يتحدث علنا عن القضية.
وقال منظمو منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” المنعقد في الرياض أن ولي العهد سيشارك في إحدى جلسات اليوم الثاني. وكُتب في تغريدة على حساب المؤتمر على تويتر “يزداد اليوم حماسةً وتميّزًا حيث سيترأس صاحب السمو الملكي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان قائمة المتّحدثين”.
وقالت وسائل إعلام سعودية بينها موقع “سبق” الإلكتروني أن ولي العهد سيعلن خلال الجلسة عن “صفقة” كبيرة.
وتسعى المملكة من خلال استضافة المنتدى الذي أطلق عليه اسم “دافوس في الصحراء” تيمنا بمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي، للعام الثاني، إلى استقطاب استثمارات جديدة.
لكن قضية الصحافي السعودي تطغى على أعمال المنتدى الذي يستمر حتى الخميس. وأعلنت شخصيات سياسية واقتصادية وإعلامية عديدة مقاطعته على خلفية قضية خاشقجي.
– ابتسامات وصور –
وبعد 17 يوماً من الإنكار، أكّدت الرياض السبت أنّ خاشقجي قُتل من طريق الخطأ في قنصليتها خلال “شجار” مع عناصر أتوا للتفاوض مع الصحافي حول عودته الى المملكة، مشدّدة أن ولي العهد لم يكن على علم بما حصل. وشّككت دول ومنظمات عدة في الرواية السعودية.
وحضر ولي العهد جانبا من أعمال المؤتمر الثلاثاء. وظهر مبتسما، والتقط الصور مع الحاضرين الذين صفّقوا واقفين لدى دخوله القاعة الفخمة في فندق “ريتز كارلتون”.
ويبذل المنظمون جهودا كبيرة لإبراز المنتدى على أنه مؤتمر استثماري ناجح، والتأكيد على أن أعماله وأهدافه لم تتأثّر بتداعيات قضية الصحافي. فأُعلن عن اتفاقات ومذكرات تفاهم بين الرياض وشركات عالمية بأكثر من 50 مليار دولار، وأضيف متحدثون الى قوائم المشاركين في الجلسات، معظمهم قادة دول عربية وإفريقية حليفة للرياض.
ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة اللذين من المرجح أن يحضرا الجلسة نفسها مع ولي العهد، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي حضر جانبا من المؤتمر الثلاثاء الى جانب الامير محمد، لكنه لم يتحدث رغم أن اسمه كان مدرجا على لائحة المتحدثين.
واكتفى العاهل الأردني بالجلوس في القاعة الى جانب ولي العهد لنحو 15 دقيقة، قبل أن يغادرا معا يرافقهما الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال الذي كان احتجز لثلاثة أشهر العام الماضي مع أمراء آخرين في الفندق نفسه، على خلفية قضايا فساد في إطار حملة قادها ولي العهد. وخرج بعد تسوية دفع بموجبها ملايين الدولارات، بحسب تقارير صحافية.
– “أسوأ عملية تستر” –
ورغم محاولات المنظمين إبعاد المؤتمر عن تجاذبات قضية خاشقجي، أقرّ وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح في المنتدى بأن السعودية “تمر.. في أزمة”.
وكان خاشقجي يكتب مقالات في صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية ينتقد فيها سياسات ولي العهد الذي يتولى مناصب قيادية عدة في المملكة. وعاش الصحافي في الولايات المتحدة منذ 2017 خوفا من تعرضه للتوقيف في بلده في مرحلة شهدت اعتقال عشرات رجال الدين والكتّاب والأمراء والسياسيين والناشطات في حقوق المرأة.
وخلال مشاركته في النسخة الاولى للمنتدى العام الماضي، تعهد الأمير محمد بالانفتاح والقضاء على التشدّّد في المملكة المحافظة، مطلقا حملة تغييرات اجتماعية شملت السماح للنساء بقيادة السيارات.
ويرى محللون أن قضية خاشقجي أضرّت بصورة ولي العهد كإصلاحي، وتسببت بأزمة علاقات عامة كبرى بالنسبة للسعودية الساعية الى تنويع اقتصادها المرتهن للنفط عبر جذب الاستثمارات الدولية.
ومساء الثلاثاء، دان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما وصفه بأنه “أسوأ عملية تستر” في جريمة قتل الصحافي، معتبرا أنها “إخفاق تام”.
وذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت أن واشنطن ستبدأ إجراءات إلغاء تأشيرات دخول 21 سعوديا يشتبه بتورطهم في الجريمة، وتأشيراتهم إما ستلغى أو لن يكونوا مؤهلين للحصول على تأشيرات في المستقبل.
وبحسب السلطات الأميركية، ينتمي هؤلاء الى “أجهزة المخابرات والقصر الملكي ووزارة الخارجية ووزارات سعودية أخرى”.
وكانت المملكة أعلنت توقيف 18 سعوديا على ذمة القضية، وتعهدّت بمحاسبة “المقصّر كائنا من كان” في مقتل خاشقجي.
وجاء ذلك بعد وقت قصير من مطالبة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بمحاسبة “كل الذين لعبوا دورا (في العملية)، من المنفذين الى الذين أعطوا الأوامر” بقتل الصحافي الذي لم يتم العثور على جثته بعد.