“وصلة هجاء” من الوزير الجبير لبرلين ومشاركة لافتة للجنرال أنور عشقي: شراء السلاح الألماني في حرب اليمن مساهمة سعودية في الاقتصاد الألماني..
والأسلحة الأمريكية أفضل ولسنا “كرة قدم”.. الأزمة تتدحرج ولا بوادر للحل
برلين- “رأي اليوم” – فرح مرقه:
يهجو رأس الدبلوماسية السعودية عادل الجبير العاصمة الألمانية بـ “وصلة من التصريحات” على مدار ايام من استضافته في مدينة ميونخ لحضور مؤتمر الأمن الدولي، فيصرّ على انتقاد الاسلحة الالمانية بصورة تقلل من قيمتها، بعد قرار حكومة المستشارة انجيلا ميركل وقف تصدير الاسلحة للتحالف المقاتل في اليمن الذي تتزعمه السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، يصرّح الوزير الجبير من منبر وكالة الانباء الالمانية بما يوحي باستمرار التصعيد الدبلوماسي وعدم إعادة السفير السعودي إلى برلين، والذي تم استدعاؤه اثر ازمة “استقالة رئيس الوزراء اللبناني”، حيث انتقد وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل في ذلك الوقت ما اسماه “روح المغامرة في الشرق الاوسط”، الامر الذي اعتبر نقداً لاذعاً لولي العهد السعودي.
وقال الجبير قبل يومين لوكالة الانباء الالمانية (د.ب.أ) إنه لا يمكن توقع عودة السفير السعودي الذي تم سحبه من برلين في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي قبل تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا، مضيفاً “يمكنني أن أقول لكم أننا لسنا سعداء بالتصريحات التي صدرت مؤخرا من الحكومة الألمانية… نريد ضمان أن السعودية لا يتم معاملتها مثل كرة القدم”.
استقالة الحريري لا تزال حاضرة..
تصريحات غابرييل التي تسببت بتفجر الأزمة الدبلوماسية لم تكن عمليّاً آخر محطات التأزيم، رغم انها بدت قاسية جداً حين اتهم السعودية خلال مؤتمر صحفي في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بشكل غير مباشر بانتهاج سياسة “المغامرة” في منطقة الشرق الأوسط، على خلفية تورط السعودية في استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي تراجع عنها لاحقا، إذ قال غابرييل في ذلك الحين: “إنه يتعين أن تكون هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا بأن روح المغامرة التي تتسع هناك منذ عدة أشهر لن تكون مقبولة ولن نسكت عنها”.
وعقب تلك التصريحات بيومين تم الإعلان عن سحب السفير السعودي من ألمانيا. وحاول غابريل التخفيف من وقع تصريحاته قبيل عيد الميلاد (الكريسماس) خلال مقابلته مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، حيث قال: “تعليقاتي عن الأزمة اللبنانية لا ينبغي اعتبارها هجوما على دولة معينة في المنطقة، ولا حتى السعودية”.
ورغم ذلك لم يتمكن غابرييل بهذه التصريحات من دفع السفير السعودي الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود للعودة إلى ألمانيا. وفي المقابل، أكد الجبير أنه يعتبر العلاقات الألمانية-السعودية “ممتازة” من الناحية المبدئية، وقال: “نحن نثمن ونقدر هذه العلاقات… لكن لدينا مشكلة مع التعليقات التي صدرت من مسؤولين ألمان ونريد التعبير بوضوح عن استيائنا من هذه التعليقات… لنرى ما سيحدث في تشكيل الحكومة (الألمانية) الجديدة… نأمل أن يكون بالإمكان إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه”.
وبينما لم يتضح بعد ما إذا كان غابرييل سيظل عضوا في الحكومة الألمانية الجديدة، إلا انه شارك كما الجبير في مؤتمر ميونخ الدولي للأمن. ولم يتم الإعلان عن لقاء بين الوزيرين على هامش المؤتمر.
الأسلحة الألمانية.. وتعالي الجبير وعشقي..
ولم تتوقف الأزمة عمليّاً بين البلدين عند تصريحات غابرييل، فبعد ذلك بنحو شهر عادت أزمة “تسليح” الشرق الاوسط كمحط جدل في العاصمة الالمانية، وذلك اثر تقرير حكومي أكد ان المانيا خلال الربع الثالث من العام الماضي (2017) أظهر زيادة كبرى في صادرات برلين من الاسلحة للرياض، حيث بلغت قيمتها في الربع الثالث من عام 2017 نحو 148 مليون يورو، بينما لم تصل قيمة هذه الصفقات في الربع ذاته من العام السابق (2016) 41 مليون يورو. على وقع التقرير المذكور والجدل حوله، اوقفت الحكومة الالمانية صادرات الاسلحة للرياض، الامر الذي علّق عليه وزير الخارجية السعودي خلال زيارته ذاتها.
فوصف وزير الخارجية عادل الجبير قرار الحكومة الألمانية القاضي بوقف تصدير الأسلحة الألمانية للأطراف الضالعة في حرب اليمن بـ”الغريب”، موضحا في المقابل أن بلاده غير معتمدة على الأسلحة الألمانية، وقال موجها حديثه إلى ألمانيا: “لا نحتاج إلى أسلحتكم. سنجدها في مكان آخر”، وجاءت تصريحات الجبير متزامنة مع تصريحات متعالية من الجنرال السعودي الشهير أنور عشقي لـ “مسائية” قناة دوتشيه فيلة العربية، عن كون السعودية كانت تدعم الاقتصاد الالماني بشرائها الاسلحة من برلين، معتبرا ان السلاح الامريكي بالنسبة له افضل من السلاح الالماني.
ردود الفعل السعودية بدت “تأزيمية” خصوصا فيما يتعلق بجانب الاسلحة، حيث كانت الحكومة الالمانية تتغاضى عن بعض الجدل حول صفقات الاسلحة، الامر الذي اسهمت الازمة الدبلوماسية بالاضافة للاوضاع الانسانية في اليمن والعلاقات التاريخية التي تجمع اليمنيين والالمان.
عامل ثالث “زاد الطين بلة” بين برلين والرياض هو بدء الازمة الخليجية، حيث انحازت المانيا للعلاقات مع قطر، التي قدّمت كل الضمانات والمعلومات لديها حول المنظمات الارهابية والجماعات المتشددة للالمان ما لم تقم به الرياض.
الائتلاف الكبير.. وغابرييل “بيضة القبان”..
وستحكم علاقة برلين اليوم مع الرياض ما عرف باتفاقات التحالف الكبير لتشكيل الحكومة بين التحالف المسيحي، بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (المتحفظ جدا في العلاقة مع السعودية والذي ينتمي اليه وزير الخارجية الحالي زيغمار غابرييل)، حيث اتفق الجانبان خلال مفاوضات تشكيل الائتلاف الحاكم المرتقب على وقف تصدير الأسلحة لكافة الدول المشاركة “بشكل مباشر” في حرب اليمن.
وتقود السعودية تحالفا من تسع دول ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية. وكان التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي اتفقا على وقف تصدير أسلحة لهذه الدول خلال محادثاتهما التمهيدية الاستطلاعية السابقة لمفاوضات تشكيل الائتلاف الحاكم. وأعلنت الحكومة الألمانية بعد ذلك في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي أنها لن تتخذ بعد الآن قرارات بتصدير أسلحة تتعارض مع هذا الاتفاق، ما يعني بوضوح أنه لن يتم بعد الآن منح تصاريح بتصدير المزيد من الأسلحة الألمانية إلى السعودية.
بكل الاحوال، وفي الوقت الذي يبدو فيه ان وزير الخارجية الالماني قد يبقى في منصبه، والذي تعتبره الرياض كواحد من عوامل تأزيم العلاقة، لا تبدو تصريحات الجبير في حال من الأحوال في صالح السعودية وعلاقتها مع الاتحاد الاوروبي، حيث المانيا تعود للقيادة بالتزامن مع الاتفاق الحكومي.
في المقابل، ورغم ان هناك من يرى ان الجبير “انتقم” للسياسة السعودية ممن “اهانوها” على الصعيد الدبلوماسي والدولي، الا ان “اشارة” المغامرة التي تحدثت عنها المانيا سابقاً تبدو أكثر ووضحاً حتى في السعودية ذاتها، حيث يظهر الملك سلمان بن عبد العزيز كمطفئ لحرائق نجله وولي عهده محمد بن سلمان، خصوصا في ملف الامراء المحتجزين، والعلاقات مع دول الجوار.