لماذا ستسمح الولايات المتحدة للسعودية ببناء مفاعلات نووية على الرغم من خطورتها؟
ذي هيل
ترجمة وتحرير نون بوست
كتب فيكتور جيلينسكي، عضو سابق في اللجنة التنظيمية النووية. هنري سوكولسكي، مبعوث سابق لسياسة منع الانتشار النووي بوزارة الدفاع الأمريكي.
يعتبر الحصول على المزيد من التكنولوجيا النووية آخر ما تحتاجه منطقة الشرق الأوسط. ولكن، يبدو أن زمرة من "خبراء" واشنطن، التي اجتمعت مؤخرا لتباحث مسألة تتعلق بالأساس حول المملكة العربية السعودية، والتي تحظى بتأييد واهتمام إدارة ترامب، تقول خلاف ذلك. وخلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، زار وزير الطاقة الأمريكي، ريك بيري، المملكة العربية السعودية، حيث تقوم وزارة الخارجية الأمريكية باتخاذ خطوات للتوقيع على اتفاق المظلة النووية الأمريكية السعودية، الذي يقضي به قانون الولايات المتحدة كمبدأ أولي لبيع مفاعلات الطاقة النووية للسعودية.
من ناحية أخرى، يتمثل الأمر الأسوأ في أن البيت الأبيض يشير إلى أنه لن يصر على قبول المملكة العربية السعودية "للمعيار الذهبي"، نظرا لأنها وعدت بعدم إعادة معالجة الوقود المشع لاستخراج البلوتونيوم أو تخصيب اليورانيوم، التي تُعدّ من الأنشطة التي تفتح الباب أمام الاستحواذ السريع على الأسلحة النووية. ومن شأن هذا الاتفاق أن يقوض بشدة سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الانتشار النووي.
تجدر الإشارة إلى أن الاتفاق الذي أبرمناه سنة 2009 مع جارة السعودية، الإمارات العربية المتحدة، يتضمن المعيار الذهبي، الذي من المحتمل أن تتحرر منه إذا لم نُدرجه ونُطبقه في اتفاقات التعاون النووي اللاحقة في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، يعتقد الأشخاص المؤيدين لإبرام مثل هذه الصفقة أن المملكة العربية مختلفةٌ عن بقية الدول، فضلا عن أنهم يرون أنه إذا رفضت الولايات المتحدة بيع مثل هذه الأجهزة للمملكة، فإن روسيا والصين ستفعلان ذلك دون أدنى شك.
في الواقع، من أهم الذرائع التي كانوا يتعللون بها أنه يجب أن "نحافظ على قيادة الولايات المتحدة" لمجال تكنولوجيا الطاقة النووية لكي تكون قادرة على التأثير على قواعد التصدير الدولية. وبعبارة أخرى، يجب أن نتساهل في الإجراءات مع السعودية من أجل منع الدول الأخرى من اغتنام هذه الفرصة. ويبدو أن احتمال الاستفادة من المال السعودي يطغى على جميع المخاوف المتعلقة بالانتشار النووي.
على الرغم من كل الأحاديث الطنانة حول إحياء الصناعة النووية في الولايات المتحدة، التي ستقوم بتوفير الآلاف من فرص العمل، فإنه ليس من المرجح أن يؤدي إبرام اتفاق توافقي مع المملكة العربية السعودية إلى إبرام صفقة مبيعات لمفاعلات الطاقة الأمريكية. وإذا كان البيت الأبيض يريد تعزيز تكنولوجيا شركة ويستنغهاوس، فإن هذه الشركة أصبحت في الوقت الراهن شركة يابانية.
بناء على ذلك، ستنطوي أي عملية بيع على استخدام حد أدنى من المكونات المصنعة في الولايات المتحدة، ما سيساهم في توفير عدد قليل من فرص العمل في الولايات المتحدة. ولكن هذا الاحتمال غير مرجح ولا سيما في ظل الوضع الحالي لشركة ويستنغهاوس.
يمكننا أن نتوقع من إدارة ترامب أن تحاول تهدئة مخاوف الكونغرس بشأن التساهل في التعامل مع للسعوديين في هذا الشأن، مؤكدة أن الرياض ليس لديها نية لمتابعة التخصيب
بسبب سوء الإدارة الفادحة لمشروعي البناء النوويين الأمريكيين الوحيدين، اضطرت ويستنغهاوس إلى إعلان إفلاسها. وبدلا من ذلك، من المؤكد أن السعوديين سيتحولون إلى المقاولين الكوريين الذين تمكنت فرق البناء الخاصة بهم من إرساء مشروع ناجح مكون من أربعة مفاعلات في الإمارات العربية المتحدة.
في الحقيقة، يريد السعوديون إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة نظرا لأن شركات التكنولوجيا الكورية تحتوي على عناصر أمريكية، لذلك سيكون من المحرج بالنسبة للكوريين إبرام صفقة دون أخذ موافقة الولايات المتحدة. أما من الناحية الواقعية، إذا كنا سنعمد إلى التراخي في تطبيق بعض القواعد، فسوف نُضعف من قيمة معاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية، ومن المرجح أن ينتهي بنا المطاف فارغي الوفاض.
مما لا شك فيه، لن تكون هذه الاتفاقية الأولى من نوعها، حيث تملك حكومتنا تاريخا طويلا في إرضاء العملاء المحتملين باتفاقات نووية مختلفة، خوفا من أن تتحول إلى شركاء آخرين. خير مثال على ذلك الهند، فقد أضفى جورج دبليو بوش الشرعية على عملية تسلح الهند الصارمة المخالفة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، من خلال الادعاء بأننا سنحصل على عشرات المليارات من مبيعات المفاعلات والآلاف من فرص العمل. ولكن بعد عقد من الزمن لم نجنِ أي أرباح تذكر.
إلى جانب الهند، توجد تجارب أخرى مماثلة. فعلى الرغم من أن الاتفاق حول تكنولوجيا الطاقة النووية المستعملة لأغراض مدنية بين الولايات المتحدة والهند كان شكليا، إلا أنه كانت له آثار واضحة في مجال الأسلحة. وقد هنّأ بوش نفسه على الإستراتيجية المضادة التي اتبعها من أجل منع الصين من التسلح نوويا.
في حالة السعودية، أشار البيت الأبيض مرة أخرى إلى حاجة البلاد للمفاعلات لتوفير الطاقة الكهربائية، ولكن من الواضح أن الدافع الرئيسي للسعودية للحصول على التكنولوجيا النووية يتمثل في تطوير الأسلحة النووية الاحتياطية ضد إيران، التي من المحتمل أنها مسلحة نوويا. ومرة أخرى، يبدو أن هناك توافقا بين خبراء واشنطن المؤيدين لتصدير الأسلحة النووية، وهي مجموعة رفيعة المستوى من الضباط المتقاعدين ومسؤولي الدفاع السابقين، الذين يعتقدون أن امتلاك السعودية للنووي أمر جيد، إلا أنه في الواقع خطوة خطيرة.
من هذا المنطلق، يمكننا أن نتوقع من إدارة ترامب أن تحاول تهدئة مخاوف الكونغرس بشأن التساهل في التعامل مع للسعوديين في هذا الشأن، مؤكدة أن الرياض ليس لديها نية لمتابعة التخصيب، ولكن من المحتمل أنها قد قدمت ضمانات خاصة لها، بتعلة أن السعوديين من الحكام المعتزين بنفوذهم ولا يمكن أن تتوقع منهم أن يتنازلوا عن أمر يرونه من حقهم.
لكن، إذا تركنا للسعوديين خيار إثراء اليورانيوم، فيمكننا أن نتأكد من أنهم سوف يتخذونه. ومن شأن هذا الاحتمال أن يبدد فرضية أن الرئيس ترامب يمكن أن يفي بوعده بإبرام صفقة "أفضل" من أوباما، التي من شأنها أن تضع حدا لبرنامج تخصيب إيران لليورانيوم.
يبدو أن احتمال الاستفادة من المال السعودي يطغى على جميع المخاوف المتعلقة بالانتشار النووي.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن نتذكر أيضا أن الحكومات الوطنية متعاقبة، ما يعني أن تلك التي تحل محل الأخرى ترث مفاعلات نووية مهمة. وعندما كانت إيران من البلدان الصديقة، بعنا للشاه 23 مفاعلا من صنع شركة ويستنغهاوس، آملين أن تكون في أيدي الحكومة الإيرانية الحالية، بما في ذلك مرافق الوقود. واليوم، يجب أن نكون حذرين في افتراضاتنا حول مستقبل مملكة ذات حكم مطلق، والتي على الرغم من محاولاتها المعلنة لتحديث البلاد لا زالت تعتمد نظام حكم عفا عليه الزمن في القرن الواحد والعشرون.
في الواقع، لا زالت حكومتنا تتبع سياسة دولية قديمة في مجال الطاقة، يسيطر عليها "خطاب الذرات" من أجل السلام الذي استمر لعقود من الزمن، والذي يتعلق بالحاجة إلى استخدام الطاقة النووية في أجزاء من العالم مازالت متعطشة للطاقة. وتعد الطاقة النووية، التي كانت تعتبر فيما مضى مفتاحا لتحديث المجتمعات، مجرد وسيلة مكلفة جدا لإنتاج الكهرباء، ذات مزايا بيئية مقارنة بالوقود الأحفوري. ولكن، ينجر عن استخدامها ظهور الكثير من قضايا السلامة والأمن المقلقة، التي دفعت العديد من البلدان المتقدمة إلى التخلي عنها.
في المقابل، يؤكد أنصار البرنامج السعودي للطاقة النووية طبيعة دوافعهم التي تنحصر في تحقيق السلام والازدهار في الشرق الأوسط. وسيتم اختبار حسن نيتهم إذا كانوا سيدعمون، كما فعلوا مع دولة الإمارات العربية المتحدة، تطبيق "المعيار الذهبي" للتصدير النووي، الذي ينبغي أن يُطبق على جميع صادرات الطاقة النووية المستخدمة لأغراض مدنية.
المصدر: ذي هيل