رفضوه ملكا .. «رويترز» تنشر الأسباب الحقيقية لـ«مذبحة الأمراء»

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2253
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

رسالة مقتضبة.. كانت هذه أول إشارة تنذر بأن هناك حدثاً جللاً وشيكاً سيقع. فقد تم إبلاغ نزلاء فندق «ريتز كارلتون» الرياض في يوم السبت الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني بهذا الاعتذار: «بسبب حجز مفاجئ من السلطات المحلية يتطلب رفع مستوى الإجراءات الأمنية لن نتمكن من استضافة نزلاء.. لحين استئناف العمليات الطبيعية».

كانت حملة التطهير قد بدأت بالفعل. فخلال ساعات جمعت قوات الأمن العشرات من مجتمع الصفوة في عالم السياسة والأعمال في المملكة العربية السعودية أغلبهم في العاصمة ومدينة جدة الساحلية. ومن بين من اعتقلوا 11 أميراً، إضافة إلى وزراء ورجال أعمال أثرياء.

بعض هؤلاء تلقوا دعوة لحضور اجتماعات، حيث احتُجزوا خلالها، في حين قُبض على آخرين في منازلهم ونقلوا جواً للرياض أو إلى فندق ريتز الذي تحول لمركز احتجاز مؤقت.

وقال مصدر مطلع لرويترز إن المحتجزين سُمح لهم بإجراء اتصال هاتفي واحد مقتضب بمنازلهم.

وأضاف: «لم يُسمح لهم بتلقي اتصالات هاتفية وبقوا تحت حراسة أمنية مشددة. لم يتمكن أحد من الدخول أو الخروج.. من الواضح أنه تم الاستعداد جيداً لذلك».

وأمر ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» (32 عاماً) بتنفيذ الحملة. وعلى الرغم من أنه رسمياً لا يزال ولياً لعهد والده الملك سلمان فهو يحكم فعلياً البلاد في الوقت الراهن، وقال إنه يعتزم تحويل المملكة إلى دولة حديثة.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، وفي محاولة لتعزيز سلطاته، قرر تطهير مجتمع الصفوة في البلاد وبينهم أفراد من الأسرة الملكية وسط اتهامات بتلقي رشى والمبالغة في تكلفة المشروعات.

ولم يتسن الاتصال بالمحتجزين للتعليق.

وبات الاستقرار السياسي في أكبر دولة منتجة للنفط في العالم على المحك. وتعتمد قدرة ولي العهد على الحكم دون تحد لسلطته على نجاح حملة التطهير.

ويعتقد وليّ العهد أنه إذا لم يتم إحداث تغييرات في البلاد فإن الاقتصاد سينزلق إلى أزمة قد تثير اضطرابات تهدد الأسرة الملكية وتضعف موقف السعودية في صراعها الإقليمي مع إيران.

 

عصا الفساد

قال المصدر المطلع على الأحداث إن الأمير «محمد» قرر اتخاذ إجراءات ضد أفراد من الأسرة عندما أدرك أن هناك من أقاربه مَنْ يُعارض تنصيبه ملكاً أكثر مما كان يظن.

وأضاف المصدر: «كان مضمون الرسالة أن على المترددين في تأييدهم أن يحذروا.. الفكرة كلها وراء حملة مكافحة الفساد كانت تستهدف العائلة. أما الباقون فكانوا لتزيين الموقف».

وقال الملك «سلمان» في الأمر الملكي الذي صدر عن الحملة أنها جاءت رداً على «استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلّبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة».

وقالت مصادر مطلعة إن الاتهامات وُجّهت بناءً على أدلة جمعها جهاز المخابرات.

ويرفض داعمو الحكومة السعودية أي إشارات على أن الحملة تهدف بالأساس للقضاء على الخصوم السياسيين. ولم يعلق البلاط الملكي على هذه القصة.

والأمير «متعب بن عبدالله» من بين المحتجزين في الوقت الراهن في «ريتز كارلتون»، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي المُقال وابن عم الأمير «محمد».

كان الأمير «متعب» في منزله الريفي بالرياض حين دُعي للاجتماع بوليّ العهد. ودعوة كهذه أمر مُعتاد بالنسبة لمسؤول كبير ولا تثير أي شكوك.

وقال مصدر آخر له صلات ببعض المحتجزين: «ذهب إلى الاجتماع ولم يعد بعدها».

وضمت قائمة المحتجزين الأمير «الوليد بن طلال»، رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة للاستثمارات، وهو أيضاً ابن عم الأمير «محمد بن سلمان»، وكذلك الأمير «تركي بن عبدالله» الحاكم السابق لمنطقة الرياض ونجل العاهل الراحل للبلاد الملك «عبدالله».

وقال بعض المراقبين إن التوترات ظهرت جلية في لقاءات الأسرة الحاكمة خلال الصيف. وقال مصدر مطلع إن الأمير «محمد بن سلمان» كان يعرف أن بعض الأمراء أصحاب النفوذ ومنهم متعب مستاءون من صعوده.

وأكد الأمير «محمد» صراحة في مقابلات أنه سيحقق في الفساد بالمملكة، وأنه لن يتردد في ملاحقة أي مسؤولين كبار.

كانت الأداة لتحقيق ذلك لجنة لمكافحة الفساد شكلها الملك «سلمان» وأعلن عنها في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني. ووضع العاهل السعودي وليّ العهد على رأس اللجنة لمنحه مزيداً من النفوذ بجانب قائمة الصلاحيات العديدة التي حظي بها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

وقال النائب العام السعودي، الخميس، إن السلطات استجوبت 208 أشخاص في تحقيق بشأن الفساد وإن 100 مليار دولار على الأقل قد أسيئ استخدامها.

وأوضح رئيس اللجنة أن المحققين يجمعون الأدلة منذ ثلاثة أعوام.

وبإعلان الحرب على الفساد يجمع ولي العهد بين قضية شعبية وإزاحة عقبة أمام صعوده إلى العرش.

يقول «جمال خاشقجي»، المستشار السابق للأمير «تركي الفيصل» مسؤول المخابرات في الفترة بين عامي 1979 و2001: «الأمير محمد بن سلمان استخدم عصى الفساد التي يمكن أن تطال أياً منهم».

وأضاف قائلاً: «لأول مرة نرى نحن السعوديون أمراء يخضعون للمحاكمة بسبب فسادهم».

لكن «خاشقجي» الذي يعيش في الولايات المتحدة قال إن الأمير «محمد بن سلمان» ينتقي في حملة التطهير.

وأوضح: «أعتقد أن الأمير محمد بن سلمان رجل وطني يحب بلده ويريدها أن تكون الأقوى، لكن مشكلته هي أنه يريد أن يحكم بمفرده».

 

الحاكم الفعلي

عُين الأمير محمد وزيراً للدفاع في 2015 عندما أصبح والده «سلمان» ملكاً للبلاد، وفي يونيو/حزيران اختاره الملك ولياً للعهد بعد عزل ابن عمه الأكبر «محمد بن نايف» القائد المخضرم لجهاز الأمن.

وقبلت الأسرة الحاكمة ذلك، وبحلول سبتمبر/أيلول شن ولي العهد الجديد حملة على مفكرين ورجال دين يعارضونه ووضعوا في السجن.

وتستهدف عمليات الاحتجاز الأخيرة مساعدته في دفع الإصلاحات التي تؤذن بأكبر تحول منذ عهد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحالية في الثلاثينيات من القرن الماضي.

واستقرت المملكة على توافق قوي بين الأسرة الحاكمة ورجال الدين الذين يتبعون المنهج الوهابي ويطبقون تفسيراً متشدداً للإسلام.

ووعدت الأسرة الحاكمة بتوفير حياة مريحة للسعوديين ومنحهم نصيباً من الثروة النفطية. وفي المقابل يتعهد المواطنون باتباع القواعد الدينية والاجتماعية الصارمة.

وتوفي الملك «عبدالعزيز آل سعود» عام 1953، ومنذ ذلك الحين يحكم السعودية ملك ومن خلفه مجموعة من الأمراء لا يملك أي منهم القوة الكافية لفرض إرادته على غيره من الأمراء.

وتتخذ القرارات في أغلبها بالتوافق، ويعني هذا الترتيب أن أي تغيير سياسي أو اجتماعي يكون بطيئاً، لكنه حافظ في نفس الوقت على استقرار المملكة.

لكن بالإجراءات التي تضعه في مكانة الملك المؤسس فإن الأمير الشاب ينسف أركان نظام كانت تتآكل تحت وطأة نمو عدد السكان وتراجع إيرادات النفط.

وتغير التوافق ليحل محله ما يصفه نقاد بحكم الفرد الواحد الذي يعارضه بعض الأمراء رغم عجزهم عن إعلان ذلك صراحة.

على مدى العقود القليلة الماضية، كان إلى جوار كل ملك سعودي واحد أو اثنان من إخوته أو أبنائه أو أبناء إخوته يقدمون المشورة ويشاركون في الحكم. لكن الأمير «محمد» لم يعين أياً من إخوته أو أقارب آخرين من الدرجة الأولى في مناصب كبيرة. وهو يعتمد بدلاً من ذلك على فريق من المستشارين، وهم بالأساس سعوديون رغم أن بعضهم تدربوا في الولايات المتحدة أو بريطانيا.

ولا يزال الملك «سلمان» (82 عاماً) صاحب القول الفصل في كل شيء. لكنه فوّض الأمير «محمد» في إدارة شؤون البلاد العسكرية والأمنية والاقتصادية والخارجية والاجتماعية.

وثمة تكهنات منذ شهور بأن العاهل السعودي سيتنازل قريباً عن العرش لابنه، وهو ما نفاه مسؤولون من الديوان الملكي.

وحتى عمر وليّ العهد لافت للنظر أيضاً. فآخر ثلاثة ملوك للبلاد اعتلوا العرش في سن 61 و80 و79 عاماً. ويتولى الأمير محمد المسؤولية فعلياً وعمره 32 عاماً.

 

لا ضمانات للنجاح

يقول الأمير «محمد» إنه يطرح عقداً اجتماعياً جديداً: دولة أفضل أداء من البيروقراطية الجامدة في الماضي، وفرص للترفيه واقتصاد يوفر وظائف قابلة للاستمرار بغض النظر عما يحدث بأسواق النفط.

وأعلن في سبتمبر/أيلول أنه سيسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة. وقبل نحو ثلاثة أسابيع، خلال مؤتمر للمستثمرين في فندق «ريتز كارلتون» نفسه الذي يؤوي حالياً أهداف حملة التطهير، كشف عن خطة لإنشاء مدينة متطورة بتكلفة 500 مليار دولار يمكن فيها الاختلاط بين الجنسين ويتجاوز عدد الروبوتات عدد البشر.

ووضع ولي العهد أيضاً مخططاً لإنهاء اعتماد المملكة على النفط ووقف اعتماد رعاياها على الدعم والوظائف الحكومية. ويأتي في قلب تلك الخطط الإدراج العام لشركة النفط الوطنية أرامكو والمزمع في العام القادم.

ولا توجد ضمانات بنجاح الطموح السياسي للأمير «محمد».

فحتى بعض المعجبين به يتساءلون عما إذا كان نفوذه يتجاوز حدود قبضته. ونهجه القائم على التغيير من القمة وعدم تساهله مع أي معارضة يمكن أن ينفر المستثمرين الذين يريدون ضمانات بشأن سيادة القانون والأمن. وبدون دعم قوي من المستثمرين، سيجد الأمير صعوبة لتلبية طموح الشباب السعودي.

وينتاب المستثمرين القلق أيضاً بسبب الحرب في اليمن والنزاع مع قطر فضلاً عن تنامي التوتر مع إيران.

بيد أن ما يمكن أن يساعد الأمير أنه، سيراً على نهج الملك المؤسس، يرى أهمية إقامة روابط خاصة مع الولايات المتحدة.

وخلال زيارة إلى المملكة في مايو/أيار، حث الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» الرياض على قيادة تحالف مناهض لإيران ومحاولتها إقامة محور شيعي عبر العراق وسوريا ولبنان.

بعد ذلك بقليل قطعت السعودية والإمارات علاقاتهما الدبلوماسية والتجارية مع قطر، متهمين الدوحة بدعم إيران وجماعات إرهابية. وعبر ترامب عن الدعم لهما في ذلك.

وبعد حملة التطهير السعودية في مطلع الأسبوع الماضي، عبر «ترامب» من خلال «تويتر» عن الدعم أيضاً قائلاً إن بعض المحتجزين «كانوا (يستنزفون) بلدهم لسنوات».

وقال مصدر مطلع مقرّب من الأسرة المالكة إن من المستبعد أن يرد الحرس الوطني بقوة على إعفاء الأمير «متعب». وقال إنه لم تحدث أي مقاومة بوزارة الداخلية لإبعاد الأمير «محمد بن نايف» وإن الحرس الوطني لن يختلف عنها.

 

المصدر | رويترز