نفي خبرين عن زيارة للرئيس الاسد ومكالمة الامير بن سلمان يعكسان حجم العزلة الاردنية
الملك عبد الله بزيارة “غامضة” لكزاخستان تزامنا مع محادثات استانة 7 وترجيح لقاءات روسية “سرّية”.. وسنوات عجاف مع الرياض بدأت في عهد بن سلمان ولا يبددها “نيوم”..
برلين- رأي اليوم- فرح مرقه
ورود خبرين يتحدث احدهما عن نية الاردن فتح قنوات مع الرئيس السوري بشار الاسد، والاخر عن مكالمة هاتفية بين ملك الاردن وولي العهد السعودي، ثم نفيهما، يمكن قراءته بوضوح بأنه مؤشّرٌ خطِرٌ في العلاقات الدولية الاردنية، وهو ما يدل فعلا على كون عمان تجد نفسها اليوم “معزولة تماما” عن الجميع.
واصدر موقع عمون الاخباري الالكتروني المعروف بيانا نفى فيه الخبرين اللذين وردا على صفحاته حول اعتزام الدكتور الطراونة زيارة الرئيس السوري من جهة، وعن تلقي عاهل الاردن مكالمة من ولي العهد السعودي بعد نشرهما بساعات، مشيرا الى ان عملية “قرصنة” تمت لصفحاته، الامر الذي يزيد من ضرورة تحليل المشهد وتوضيحه.
الخبران بطبيعة الحال ليسا متشابهين، فرسالة كل منهما مختلفة، اذ ان الاول المتعلق بنيّة- يمكن الاعتقاد انها موجودة فعلاً- لدى رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز الطراونة لزيارة دمشق وايصال رسالة للرئيس السوري بشار الاسد، يمكن وضعه ضمن نطاق “بالونات الاختبار”، والتي لا يمكن اغفال توقيتها.
فالخبر يأتي بالتزامن مع زيارة ملك الاردن عبد الله الثاني ومعه رئيس ديوانه الى كزاخستان بزيارة مفاجئة لم يعلن من تفاصيلها الا كون الملك تلقى “جائزة” من رئيس كزاخستان، الامر الذي يرجح ان عاهل الاردن ذهب الى العاصمة الكزاخية بالتزامن مع اجتماعات استانة 7 لعقد لقاءات “سرّية” على هامشها، وعلى الاغلب مع مسؤولين روس، لبحث امكانية عقد مصالحة فعلية مع النظام السوري.
من هنا، لا يبدو الخبر ملفقا على الطريقة البريئة للتلفيق والقرصنة، قدرما يعكس رغبة اردنية في استئناف العلاقات فعلا، خصوصا وعمان تراقب بـ “ضيق” استبعادها فعليا عن المشهد في الجنوب السوري لصالح الاسرائيليين الذين تربطها بهم اليوم علاقة متوترة بعد قتل اردنيين على يد جندي اسرائيلي في العاصمة الاردنية.
الاسرائيليون اليوم يفاوضون في المشهد السوري، ويهددون بحرب ثم يتفاوضون مع الروس على شكل الجنوب السوري، وحول ايجاد منطقة عازلة يمنع على ايران وحزب الله تخطيها، كما يدعمون فصائل على حدودهم كما اكد مسؤولون اسرائيليون لعرب، بينما عمان تماما مستبعدة عن المشهد من كل الاطراف بما فيها الامريكي والروسي اللذين ضمنا لها في البداية ادخال الجنوب ضمن مناطق خفض التصعيد.
وحكاية “معبر نصيب” وتأخير فتحه “الى اجل غير مسمى” وضع ايضا عمان في موضع لا تحسد عليه، خصوصا وقد كان الجانب الاردني من المعبر قد هيأ نفسه لاعادة فتح المعبر فعلا، الا ان الجانب السوري يؤكد ان الاصرار في عمان على الاستماع للمعارضة سيمنع المضي قدما في اجراءات استئناف العمل في المعبر.
كل هذا يضع الخبر- سواء كان برغبة حقيقية من الموقع الاخباري ذو المصداقية العالية والمقرّب من السلطات الاردنية او عبر قرصنته من جهة رسمية-، ضمن سياسة بالونات الاختبار الاردنية لمدى تقبل السوريين لمثل هذه الزيارة او حتى فكرة التقارب المباشر مع الرئيس السوري، خصوصا والحديث واسع عن زيارات اخرى يتم ترتيبها لسوريا من وفود برلمانية ونقابية.
اما الخبر الثاني، والمتعلق بالامير السعودي محمد بن سلمان، فالامر اشبه بالعتاب المبطن، لكون الامير يغيّب الاردن تماما في مواقفه وزياراته الاخيرة، وحتى وهو يعلن عن مشروعه الكبير الحالم “نيوم” ورغم ذكره ان الاردن سيكون جزءا من المشروع الا ان عمان لا تزال بلا اي معلومات عن المشروع وعن دورها فيه، ما يجعل حتى التصريح حوله مقتصر على “الترحيب الكلاسيكي”.
مع السعودية تشعر عمان انها دخلت هذا العام موسم “السنوات العجاف”، كون المنحة الخليجية انتهت، والدعم توقف، ولا احد يشاورها ولا يسألها، وهنا طبعا الامر لا يقتصر على الجارتين الشمالية والجنوبية، كما لا يقتصر على التجاهل الواضح من الغرب سواء ان كان الحديث عن الاسرائيليين او حتى الفلسطينيين الذين يتمون مصالحتهم برعاية مصر بدل عمان، ولا تعلم عنها الاخيرة الا لاحقا.
بكل الاحوال، الخبران ونفيهما يعكسان رغبة اردنية، سواء على مستوى الاعلام كانت او اعلى منه او حتى على مستوى مقرصنين، بالخروج من العزلة التي لولا الانفتاح على العراق لاطبقت على الاردنيين تماما، وهذا وحده مؤشرٌ بحاجة لاعادة تفكير طويل من جانب صناع السياسة الاردنية.