الأزمة الخليجيّة تَنتقل سياسيًّا وإعلاميًّا بقوّةٍ إلى لندن..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1466
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مُؤتمر للمُعارضة القطريّة.. ودَعوة لحِراكٍ احتجاجيٍّ في السعوديّة.. ومُبارزة بين “الجزيرة” و”العربية” على التغطيّة كلٌّ لأسبابه.. لماذا كان نجاح التحرّكين مَحدودًا هذهِ المرّة؟ وما هي توقعاتنا للتطوّرات المُقبلة على الصّعيد نَفسه؟
انعكست الأزمة الخليجيّة بشكلٍ جليٍّ في أروقة العاصمة البريطانيّة لندن في الأسبوع الماضي، حيث انخرطت أطراف هذهِ الأزمة في “صِراعِ مُعارضاتٍ” سياسيّة من خلال دعمها لتحرّكين غير مَسبوقين، الأول تنظيم مُؤتمرٍ لـ”المُعارضة القَطرية” جرى اتهام المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بالوقوف خَلفه، والثاني الدّعوة لانطلاق احتجاجاتٍ صاخبةٍ داخل المملكة العربية السعودية للمُطالبة بإصلاحاتٍ سياسيّةٍ معيشيّةً، أشارت أصابع الاتهام لدولة قطر.
هاتان الخُطوتان لم تنجحا في تحقيق أهدافهما كُليًّا، فحُضور مُؤتمر المُعارضة القَطري الذي طالب بضَرورة “تغيير النّظام الدّاعم للإرهاب”، وسمّى الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني حاكمًا بديلاً، لم يَكن بالشّكل المأمول بالنّسبة إلى مُنظّميه، وإن شاركت فيه شخصيّاتٍ بريطانيّةٍ مُهمّةٍ مثل اللورد بادي اشداون، زعيم حزب الأحرار الأسبق، وجيمس روبين، المُتحدّث السابق باسم إدارة كلينتون، أمّا الدّعوة إلى الحِراك في داخل السعودية للاحتجاج على السياسات التي تتبعها الحُكومة، فلم تَجد الاستجابة المَطلوبة في الدّاخل السعودي على غِرار دعواتٍ سابقةٍ مُماثلة.
لا يَجد المَرء أيّ صُعوبةٍ لمَعرفة الجِهات التي تَقف خَلف هاتين الخُطوتين، فكان لافتًا أن قناة “العربية” السعودية، ونظيرتها “سكاي نيوز العربية” التي تُموّلها دولة الإمارات، قدّما تغطيةً مُباشرةً لاجتماع المُعارضة القطريّة، وخُطب المُتحدثين فيه، بينما تبنّت قناة “الجزيرة” الدّعوة للحِراك الاجتماعي داخل المملكة بطريقةٍ أو بأُخرى، ونَشرت العديد من التقارير عنها.
عدم تحقيق هذين التحرّكين أهدافهما كاملةً يعود إلى أنهما انعقدا خارج بلديهما، وفي مدينة لندن، ممّا يَعني غِياب الديمقراطيّة والحريّات في البلدين اللّذين انطلقا من أجل استهدافهما، أي قطر والمملكة العربية السعودية، ونُضيف إلى ذلك، أن البلدين يلتقيان على أرضيّة واحدة، وهي استخدام القبضة الحديديّة ضد المُعارضين فيها.
فدولة قطر، حسب أنباءٍ تردّدت في اليومين الماضيين سَحبت الجنسية من أحد أبرز شُيوخ قبيلة بني مرة، وحوالي عشرين من المُقرّبين منه، لأنه عبّر عن مُعارضته للأسرة الحاكمة فيها، وأعرب عن دعمه وتأييده للمَوقف السعودي المُحاصر لها، أي لدولة قطر، ودَعمه للأمير البديل الشيخ عبد الله آل ثاني.
أمّا المملكة العربية السعوديّة فأجّرت حَملة اعتقالات مُكثّفة شَمِلت أكثر من عشرين شخصيّةٍ، بينهم الشيخان سلمان العودة وعوض القرني، والاقتصادي عصام الزامل، والأمير عبد العزيز بن فهد الذي قيل أنه وُضع تحت الإقامة الجبريّة، ونساء وشُعراء وأكاديميون، وسبب الاعتقال في مُعظم الحالات، وقوفهم على الحِياد في الأزمة مع قطر، أو أظهروا تعاطفًا “تويتريًّا” معها.
وإذا كانت الخُطوتان، أي المُعارضة القطريّة، والدّعوة للحِراك الاحتجاجي السعودي، لم تُحقّقا أهدافهما السياسيّة بشكلٍ كبير، فإنهما أثارا ضجّةً إعلاميّةً لا بأس بها داخل الجزيرة العربية بالدّرجة الأولى، وفي العالم الغربي بالدّرجة الثانية، ويَكفي الإشارة إلى أن مجلة “الإيكونوميست” البريطانيّة الرّصينة نَشرت تقريرًا عن المُؤتمر القَطري المُعارض، ربّما للمرّة الأولى في تاريخها، بينما نَشرت صحيفة “نيويورك تايمز″ الأمريكيّة تقريرًا عن حَملة ضد المُعارضين في السعودية، واعتبرتها أحد أبرز أدوات الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، للوصول إلى العرش.
أن يُحذّر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مُفتي المملكة العربية السعودية المُجتمع السعودي ممّا أسماه بالدّعوات المَشبوهة التي تُحرّضهم ضد حُكومتهم، مُؤكّدًا أنها دعوات مُضلّلة وجاهلة وحاقدة، فهذا يعني أن هذهِ الدّعوات تُشكّل قلقًا للسلطتين السياسيّة والدينيّة في المملكة، ويُمكن قَول الشيء نَفسه عن مُؤتمر المُعارضة القَطرية بالنّسبة إلى حُكومة الدوحة أيضًا.
ربّما يكون من الخطأ الكبير التّقليل من أهميّة هذين التحرّكين للمُعارضتين السعودية والقطرية مهما تواضعت إنجازاتهما، أو حتى فَشلهما في عُيون البعض، فطالما أن الأزمة الخليجيّة مُستمرّة، ستكون هُناك تحرّكات مُماثلة، ربّما أكثر حدّةً وأفضل تنظيمًا، بالنّظر إلى وجود الكثير من المال لدى الدّول الدّاعمة لهما، وضَخامة رَغباتهما الانتقاميّة والثأريّة، والأهم من كل ذلك، غِياب الديمقراطيّة والحُريّات وتَعاظم انتهاكات حُقوق الإنسان في البلدين.
الأزمة الخليجيّة خَرجت من إطار المحليّة، وبدأت تَكبر وتتضخّم مثل كُرة الثّلج، يومًا بعد يوم طالما ظلّت الحُلول السياسيّة بعيدة المنال في ظِل تصاعد التحريض الإعلامي وغِياب الوساطات النّاجعة، وتَمسّك كل أطرافها بمَواقفها.
عَرفنا كيف كانت المِئة يوم الأولى من عُمر هذهِ الأزمة، ولكنّنا لا نَعرف كيف سَتكون المِئة يوم الثانية، والتطوّرات التي ستَحدث فيها وخلالها، وكل ما نَعرفه، أو نستطيع أم نتكهّن به، أن مُؤتمر المُعارضة القطريّة في لندن لن يكون الأول والأخير، وأننا سنُتابع، وربّما نَكتب عن دعواتٍ أُخرى لحِراكٍ شَعبيٍّ احتجاجيٍّ في المملكة طالما استمرت الأزمة على حالها.. والله أعلم.
“رأي اليوم”