بعد التوتير السعودي ضد إيران: هل تسقط الكويت في مستنقع “الشقية الكبرى”؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1211
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

البحرين اليوم – (متابعات)
هل توشك الكويت على السقوط من الحافة الأخيرة لتلحق الشقيّة الكبرى في الخليج؟ سؤال يرى مراقبون بأنه بات مشروعاً بعد التراجعات “الخطيرة“ التي اندفعت إليها الدّولة الخليجية التي كانت – إلى وقت غير بعيد – تعتبر نموذج الديمقراطية في الخليج. وهي تراجعات لم تقتصر على الإنكفاء التدريجي عن الحجم الميسور من الديمقراطية، ولكنها امتدّت إلى سياستها الخارجيّة التي عُرفت بقدر من الاستقلاليّة عن النفوذ السعودي، حيث عُرفت بجنوحها إلى قدر لافت من “الحياد” وتخطّي خطوط الزلازل التي تعصف بالمنطقة. وهو ما يدعو البعض للتساؤل عن المدى الذي وصل إليه نفوذ “الكتلة السعودية” داخل الكويت، في ظل الحديث عن “احتياطي بشري هائل” من مزدوجي الجنسية (السعودية/ الكويتية) يستعمله حكّام آل سعود لاختراق الدولة الكويتية والتلاعب في مزاجها المعتدل.
يوم أمس، الخميس ٢٧ يوليو ٢٠١٧م، أعلنت وزارة الإعلام الكويتية بشكل مفاجيء إيقاف بث قناة “الكوت” في خطوةٍ تُذكّر بحملات الملاحقة والاضطهاد التي يتعرّض لها المغردون والمعارضون الكويتيون على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبتهم في أغلبها تتصل بإهانة “السعودية” والنظام الخليفي في البحرين. إغلاق القناة له صلة بملف القضية المعروفة بـ”خلية العبدلي”، والتي لا زال يُحاط بها الغموض والشكوك، وهو غموض يمتد إلى يوم ٢٠ يوليو ٢٠١٧م مع الإعلان عن هروب ١٦ محكوماً في القضية المذكورة، وما قيل عن تمكنهم من الخروج خارج البلاد، وتحديداً إيران، وبين الهاربين الإيراني الوحيد المتهم في القضية، والمحكوم بالإعدام، وهو عبد الرضا حيدر دهقان. هذه الحادثة تريّثت معها الحكومة الكويتية، ولكن لبعض الوقت، حيث اندفعت بعدها لتُعلن عن موقف أثار استغراب المراقبين بإعلانها خفض تمثيلها الدبلوماسي مع إيران، وهو إجراء استطاعت طهران التعاطي معه برويّة، كما العادة، وأكّدت في تصريحات بتاريخ ٢٤ يوليو ٢٠١٧م للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، بأن علاقات إيران مع الكويت “طيبة دوما”، وأوضح قاسمي بأن السفارة الايرانية في الكويت ستستمر في عملها على مستوى السفير، وأن السفير الإيراني سيبقى في الكويت.
متابعون للملف الإيراني الكويتي يضعون التوتر التصعيدي في العلاقات بين البلدين في سياق الأزمة الخليجية مع دولة قطر، والتي لم تستطع الكويت أن تُنجح وساطتها لحلّها لأسباب “بنيوية” تتعلق بعمق الأزمة من جهة وبعدم رغبة آل سعود وآل نهيان في حلحلتها من جهة أخرى، وخاصة بعد أن أخذت الأزمة مفاعيل غير مسبوقة في التراشق الإعلامي وتوسيع قطع العلاقات مع دولة خليجية وعضو في مجلس التعاون الخليجي.
لا يستبعد مراقبون في أن الرغبة السعودية الجامحة في بسط نفوذها في الخليج؛ هو ما يقف وراء توتير العلاقات بين طهران والكويت، وإشعال التوتر بينهما عبر افتعال موضوعات خلافية “ليس له وجود على الإطلاق”، ولاسيما وأن الرياض مارست ضغوطاً على الكويت للالتحاق بسياستها التصعيدية ضد إيران بعد قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية معها العام الماضي بعد إعدام آل سعود للشيخ نمر النمر واندلاع الاحتجاجات في إيران والتي طالت سفارتها في العاصمة طهران وقنصليتها في مشهد.
يضع محللون علامات استفهام عريضة أمام مسلسل التوتر التدريجي الحاصل بين الكويت وإيران، خاصة بعد قضية “العبدلي”. فالعلاقات بين البلدين تُوصف بأنها “أكثر من إيجابية”، وتأتي في المرتبة التالية بعد سلطنة عُمان من حيث وثاقة العلاقات. وقد زار وزير الخارجية الكويتي صباح خالد الصباح طهران في يناير ٢٠١٦م وسط استقبال رسمي حافل، وحمل الوزير رسالة إلى الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني تتضمن المساعي الكويتية لمعالجة التوتر بين السعودية وإيران. وسبق ذلك زيارة قام بها أمير الكويت صباح الأحمد الصباح إلى طهران في يونيو ٢٠١٤م، وهي الأولى لأمير كويتي منذ انتصار الثورة الإسلامية في العام ١٩٧٩ م، وذلك في سياق تحسين العلاقات بين البلدين. وخلال زيارته، التقى أمير الكويت بالمرشد آية الله السيد علي خامنئي، وقال بعد الزيارة بأن “السيد خامنئي مرشد لكل المنطقة”، وهي العبارة التي أثارت السعودية، وحرّكت أجهزتها الأمنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي للهجوم على الأمير الكويتي، إلا أن الأمور لم تؤثر في مجرى العلاقات وزار الرئيس روحاني الكويت في فبراير من العام ٢٠١٧م بدعوة من نظيره الكويتي.
هذا المسار من العلاقات الإيجابية كان يأخذ وضعه الطبيعي برغم قضية “العبدلي” التي يعود تاريخ الإعلان عنها إلى شهر أغسطس من العام ٢٠١٥م، ما يعزّز القول بأن هناك عناصر في عُمق الدولة بالكويت وعلى ارتباط بالسعودية؛ سارعت لاستغلال الأحداث الجارية في الخليج من أجل إشعال الحريق بين البلدين وبالاستفادة من العناصر السلفية والقبلية المتشددة في الكويت التي تدين بالولاء للسعودية أكثر من ولائها للكويت.
ومن اللافت أن هناك استماتة في إضعاف الوضع الداخلي في الكويت، وتخريب تجربتها الديمقراطية العريقة على مستوى الخليج، وذلك بنقل أوباء الاستبداد والمعالجات الأمنيّة إليها، وزيادة الرخاوة في بنيتها الاقتصادية والاجتماعيّة وإضعاف نسيجها الوطني عبر كتلة مزدوجي الجنسية التي تزيد عن ٢٠٠ ألف حالة. ولعل التفجير الإرهابيّ التي طال الكويت في يونيو ٢٠١٥م (أي قبل أقل من شهرين من الإعلان عن قضية العبدلي)، وبدعم لوجستي من عناصر جاءت من الحدود السعودية، تأتي في سياق هذا المشروع الواسع الرامي إلى إحالة الكويت إلى دائرة الدول الرخوة والقابلة للانفجار، وبما يسهُل بالتالي اختطاف قرارها وأمرها.
حتى الآن، يبدو أن المجموعة السعودية داخل النظام الكويتي ثبّتت موقعها أكثر من ذي قبل، وسيكون من غير المستبعد أن يمتد أخطبوط آل سعود إلى القرار الكويتي بالكامل في حال ترسّخت أقدام هذه المجموعة ونجحت في تسجيل اختراقات جديدة في عُمق الهيكل الحاكم في الكويت. ومن الممكن استشراف درجات هذا الاختراق بمتابعة مستوى التراجع الكويتي على صعيد الحريات العامة من جهة، وعلى صعيد سياستها الخارجية من جهة أخرى، سواء باتجاه إيران أم قطر أم عُمان، أو باتجاه السياسة النفطية ومدى القدرة أو الفشل على انتزاع حقها السيادي في حقلي الخفجي والوفرة ونزعه من الفك السعوديّ.