هل مصر بحاجةٍ إلى تدشين أكبر قاعدةٍ عسكرية في الشّرق الأوسط وأفريقيا؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2315
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وما هي الفقرة التي غابت عن خِطاب الرّئيس السيسي في حفل التّدشين؟ ولماذا اقتصر الحُضور على الحُلفاء الخليجيين الأربعة فقط إلى جانب الجِنرال حفتر؟
تُواجه مصر كبلد، وليس كنظام فقط، مُجموعةً من الأخطار ذات الطّابع الاستراتيجي من مُعظم الجِهات، من الجُنوب حيث سد النهضة الأثيوبي الذّي يُهدّد حياة أكثر من مليون أسرة في مصادر رِزقها، وفي الغرب حيث حالة الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار التي تجتاح ليبيا، ومن الشّرق حيث تتفاقم ظاهرة الإرهاب في صحراء سيناء، ولا ننسى، ولن ننسى مُطلقًا، الخطر الإسرائيلي الذي يُشكّل تهديدًا وجوديًا لمصر وأمنها واستقرارها.
في ظِل هذه التهديدات وغيرها، افتتح الرّئيس المِصري عبد الفتاح السيسي يوم أمس قاعدة محمد نجيب العَسكرية في مُحافظة مرسى مطروح شمال غرب البلاد، التي تُوصف بأنّها أضخم قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط والقارة الأفريقيّة، وسيكون من أبرز مهامها حِماية المُؤسّسات والتجمّعات السكّانية، وحُقول البترول، والمنشآت الاقتصادية الاستراتيجية، والأهم من كل ذلك محطّة الضبعة النّووية المُخطّط إقامتها في المنطقة في السّنوات المُقبلة.
كان لافتًا أنّ حُضور حفل التّدشين لهذه القاعدة اقتصر على حُلفاء الرئيس السيسي الخُلص فقط، مثل الجنرال اللّيبي خليفة حفتر، والشّيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، والأمير خالد الفيصل، أمير مكّة المُكرّمة، ومُستشار العاهل السعودي، والشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد البحرين، وهذا الحُضور يَعكس الأولويات الأساسية للحُكومة المِصرية في ليبيا غربًا، ودول الخليج شرقًا.
أي تعزيز للقُدرات العَسكرية المِصرية يَصب في مصلحة الأمّة العَربية وأمنها واستقرارها، لأن هذه القاعدة التي حملت اسم اللواء محمد نجيب، قائد الثورة المصرية عام 1952، هي لمصر، ولمُؤسّستها العسكرية التي خاضت أربع حُروب ضد العدو الإسرائيلي، تمامًا مثل قناة السويس، والسّد العالي، فالحُكّام يأتون ويَذهبون، وتبقى هذه المُؤسّسات للشعب المِصري، وسندًا للأمّتين العربية والإسلامية، أمّا زبد اتفاقات كامب ديفيد وكل إفرازاته فستذهب جفاءً.
لا نُجادل مُطلقًا في أن مصر تمر حاليًا بظُروفٍ صعبة، اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، ولكن المُؤسّسة العسكرية المِصرية التي ما زالت تقوم عقيدتها الاستراتيجية على مفهوم صارم بأن إسرائيل واحتلالها للأراضي العربية ومُقدّساتها، ما زالت هي العدو، والخطر الأكبر على مصر، تُشكّل الضمانة والرّهان الحقيقي للخُروج من كل هذه الأزمات، والعودة بالبلاد إلى المُصالحة الوطنية، والمسار الديمقراطي، والدّولة المدنية، إن آجلًا أو عاجلًا، لتعود بعدها إلى ثكناتها، ودورها الطّبيعي في الحِفاظ على البلاد، والتصدّي للأخطار التي يُمكن أن تُهدّدها.
لدينا في هذه الصحيفة “رأي اليوم” تحفّظات عديدة على الكثير من السّياسات الحاليّة المُتّبعة في مصر، وعلى رأسها استفحال الفساد، وتراجع الحُريّات الدّيمقراطية والتّعبيرية إلى حُدودها الدّنيا، ونَجزم بأنّ المَخرج الوحيد من أزمات مصر، هو المُراجعة والحِوار، ووضع حد لسياسة الإقصاء والتهميش، وإعادة تصويب البوصلة في اتجاه الخطر الحقيقي على مصر والمَنطقة كلها، وهو الاحتلال الإسرائيلي.
شعرنا بألمٍ شديد عندما لم يتضمّن الخِطاب الذي ألقاه الرئيس السيسي بمُناسبة افتتاح هذه القاعدة العسكرية، من أي إشارة إلى العربدة الإسرائيلية في القُدس المُحتلّة، والاعتداء على المُصلّين، ووضع بوابّات إلكترونيّة في مداخل المسجد الأقصى، وإعادة احتلال الاحتلال، في إطار مُخطّط لتهويد المدينة المُقدّسة، وإسقاط الهويّة الإسلامية والعربيّة عن مُقدّساتها.
ونشعر بحُزن أكبر أن الشعب المصري الأصيل الذي قدّم آلاف الشهداء في حُروب الكرامة والعزّة والسيادة لهذه الأمّة، وانتصارًا للحق، وإسلامية المسجد الأقصى وعُروبته، لم يُسمح له، بالنّزول إلى الميادين والشّوارع بمئات الآلاف للتعبير عن مشاعره الوطنية الصّادقة والمُتجذّرة، تُجاه هذه المُمارسات العدوانية الإسرائيلية، والمُتضامنة مع الذين يُدافعون عن الأقصى بدمائهم وأرواحهم.
الإسرائيليون هم الذين وقفوا ويَقفون خلف بناء سد النهضة على النيل الأزرق لحِرمان مصر من 56 مليار متر مكعب من حصّتها من المياه، وتقليص كميّة الكهرباء التي تُضيء مصر كلها من السد العالي ومُولّداته، والإسرائيليون هم الذّين يُخطّطون لإقامة قناة بن غوريون التي ستمتد من خليج العقبة إلى البحر المتوسط، لتدمير قناة السويس التي تحتل المرتبة الثانية في سُلّم عوائد الخزينة المصرية.
من حَق الشعب المصري وقيادته ومؤسسته العسكرية الاحتفال بتدشين قاعدة محمد نجيب العسكرية، فهي مُلك لمصر وشعبها، والأمّة العربية كلها، ولكن من حقّنا أيضًا أن نُعيد التذكير بمصادر الخطر الحقيقيّة والاستراتيجية التي تستهدف مصر ودورها الرّيادي والقيادي في المنطقة بأسرها.
الخطر الأكبر والحقيقي لمصر يأتي من الشّرق وبالتّحديد من الإسرائيليين، والتاريخ حافلٌ بالأمثلة، وكما نتمنّى أن تكون أكبر قاعدة عسكرية مصرية في الشّمال الشرقي أيضًا، أو جنبًا إلى جنب مع قاعدة محمد نجيب في الشّمال الغربي، ولعلّ هذه الأمنية مُترسّخة في أذهان القيادة المصرية ومؤسّستها العَسكرية، أو هكذا نأمل، فلا بُد من توجيه البُوصلة في الاتجاه الصحيح، أو هكذا نعتقد.
“رأي اليوم”