ليس "الانقلاب" الأول.. هكذا اختصر بن سلمان طريقه إلى العرش
علي فواز
ما وصف بعملية انقلاب في السعودية من قبل"مجتهد" وبعض الإعلام الأجنبي والعربي، لا يعدو كونه حلقة في مسيرة تكاد تبلغ 90 عاماً من الحكم. هل يصبح محمد بن سلمان ملكاً بأقرب مما نتوقع بعد أن يتنازل والده عن العرش؟ هناك ما يدلّ على توجه كهذا.
صراع الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة غالباً ما كان يتوسل آليات مشابهة لإقصاء الخصوم
إذا صحّت معلومات "مجهتد" فإن الملك سلمان سيتنازل قريباً عن الحكم لابنه محمد. معلومات المغرّد السعودي الشهير والمكتوم الهوية، غالباً لا تخيب. تدلّ على ذلك تغريداته السابقة التي أثبت الأيام صحتها لاحقاً. ما يعزّز توقعه الجديد عملية حسابية في غاية البساطة.
قطع ابن سلمان بتعيينه ولياً للعهد معظم المسافة نحو العرش. بقيت أمامه خطوة واحدة. إذا انتظر وفاة أبيه وخلو المنصب الأول لتنصيبه ملكاً فإن هناك خطورة قد تحملها الأيام المقبلة على شكل مفاجآت. خطورة تتعزز على ضوء الغضب والنقمة اللذين يتملكان مجموعات من فروع الأسرة الحاكمة.
هذا الغضب كشف عنه "مجتهد" وأكدته "نيويورك تايمز". مع ذلك تتقاطع معلومات الصحيفة الأميركية مع ما ذهبت إليه المُعارِضة السعودية مضاوي الرشيد من أن هذا الغضب لن يواجه من قبل الناقمين بأي اعتراض علني.
معلومات "مجتهد"، إذا صحّت، غير بعيدة من المنطق. إذا تنازل سلمان عن الحكم لابنه وهو على قيد الحياة، فإن الأخير يقطع بذلك الطريق على أي محاولة محتملة لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. يدخل التاريخ كأصغر ملك منذ أيام جده عبدالعزيز وأول ملك من جيل الأحفاد.
من خلال هذه الخطوة يتلافى محمد بن سلمان ما حصل مع ابن عمه متعب ابن عبدالله. في أيامه الأخيرة حاول الملك عبدالله تعبيد الطريق أمام نجله متعب نحو الحكم. سيناريو مشابه لما يحدث اليوم. عيّنه والده عام 2010 قائداً للحرس الوطني، ثم حوّل الحرس الوطني الذي كان يرأسه (أي عبدالله) عندما كان ولياً للعهد إلى وزارة، وعيّن متعب على رأسها بموجب مرسوم ملكي عام 2013. بذلك ضمن لابنه نفوذاً وورقة قوية في الصراع مع أبناء أعمامه.
بدأت الحملات الترويجية لمتعب في الإعلام المحلي والغربي. رئيس الديوان الملكي وقتها، خالد التويجري، كان المهندس الحقيقي واليد اليمنى للملك عبدالله ونجله. تبع ذلك سلسلة مناقلات وعزل من المناصب.
حاول الملك عبدالله أن يلعب لعبة أخرى تعزز رصيد نجله. كان هو من استحدث منصب ولي ولي العهد للمرة الأولى. عيّن الأمير مقرن بن عبدالعزيز على رأسه. نظر المراقبون إلى إنشاء هذا المنصب على أنه تمهيد للطريق أمام متعب للوصول إلى العرش عن طريق مقرن وفقاً للسيناريو التالي: يصبح مقرن ولياً للعهد بعد وفاة عبدالله وتولي سلمان الحكم، وهذا ما حصل. يرث الحكم تلقائياً بعد سلمان ويُعيِن متعب ولياً للعهد.
لم يقدّر ذلك لمتعب. تسلّم سلمان الحكم فعين محمد بن نايف ولياً لولي العهد. أقصي مقرن ثم أقصي محمد بن نايف. بات محمد بن سلمان ولياً للعهد والرجل الأقوى من دون منازع.
قبل يومين غرّد حساب "بدون ظل" على تويتر عن قرب إعفاء متعب من الحرس الوطني كون ولي العهد الجديد لا يريده مصدر قلق له.
صراع الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة غالباً ما كان يتوسل آليات مشابهة لإقصاء الخصوم. الخلافات بين ذرية الملك المؤسس طبعت منذ البداية مسيرة الحكم. لكن آل سعود عرفوا غالباً كيف يخفون معظم صراعاتهم بين جدران القصور. ورثة عبدالعزيز يدركون جيداً أن أي صراع يتخطى الخطوط الحمراء كفيل بإغراق السفينة بقبطانها. إغراق السفينة يعني نهاية حكمهم. وهذا يعني حكماً وجود سقف لأي اعتراض مهما بلغت جذوته.
إلا أن هذه الخلاصة لم تشكل على الدوام القاعدة المتينة لنظام الحكم. ما يوصف اليوم بـ"الانقلاب" الأبيض ليس الأول من نوعه. تمّت الإطاحة سابقاً بالملك سعود بانقلاب كاد يتحوّل أحمر. الملك الثاني بعد عبدالعزيز، والأكثر شبهاً به خلقاً، تمت محاصرته في قصره. إما العزل وإما القتل، جاءت الرسالة قاطعة من إخوانه. كان العام 1964 عندما اضطر أخيراً إلى التنازل لولي عهده الأمير فيصل بن عبدالعزيز.
العام 1975: سقط الملك فيصل مضرجاً بدمائه على يد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز. قيل إن الدوافع كانت انتقاماً لموت شقيقه الأكبر خالد بن مساعد. قاد خالد تمرداً مسلحاً وحاول اقتحام مقر التلفزيون السعودي. انتهت العملية بمقتله عام 1965. من بين التفسيرات من يقول إن الملك فيصل قتل بتحريض من أميركا بسبب قطعه النفط إبان حرب 1973.
المؤامرات والصراعات داخل أروقة الحكم يقاربها عبدالرحمن منيف في ما يقرب الدهشة. الروائي المخضرم رسم قبل رحيله تاريخاً من التحوّلات في قلب الجزيرة العربية. شخصياته المرسومة بدقة تبدو أشبه باللوحات الزيتية التي تحسبها صوراً فوتوغرافية لشدة اقترابها من الواقع. في روائعه الخمس "مدن الملح" يرصد منيف نشوء الدولة، وظهور الدولة الريعية، وشخصية البدوي المتمرد، ودسائس زوجات الملوك، وتزلف رجال الدين، وحكام الشهوة، ومكر الأمراء، والمتنمقين الأجانب الباحثين عن الثروة.
كان ذلك قبل زمن الفضائح والإعلام الجديد و"مجتهد" و"ويكيليكس" بوقت طويل.
المصدر: الميادين نت