معركة السعودية الخاسرة.. كيف انتهت هيمنتها على سوق النفط؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2611
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد
تعد زيارة العاهل السعودي الملك «سلمان» المستمرة لآسيا، والتي يأمل من خلالها في جذب الاستثمارات اليابانية والصينية إلى السعودية، دليلا آخر على مدى التزام هذا البلد بإصلاح اقتصاده. هذه الرحلة، إلى جانب مجموعة من التعديلات المالية في الداخل مثل الطرح العام الأولي الوشيك لشركة أرامكو السعودية، تؤكد اعتراف المملكة بحاجتها للهروب من الاعتماد على النفط و إدراكها لنتيجة السياسات الفاشلة في العامين الماضيين والتي أجبرت الرياض على قبول حقيقة أن أيامها في السيطرة أسواق النفط قد ولت.
كانت استراتيجية السعودية خلال المعركة هي زيادة الإنتاج على أمل أن ذلك من شأنه أن يقوض اثنين من المنتجين الآخرين: إيران والولايات المتحدة. وكانت إيران قد تمتعت دائما بقدرة كامنة على انتزاع السيطرة على السوق من السعودية، ولكن العقوبات الدولية منعتها من القيام بذلك.
وبعد الاتفاق النووي ومع تطور صناعة النفط في الولايات المتحدة، وجدت السعودية أمامها تحديا جديدا. فبحلول عام 2015، وبعد عشر سنوات من الابتكارات التكنولوجية، بما في ذلك استخدام اختبار الزلازل اللاسلكية والتشغيل الآلي من مختلف المهام فقد ادعت الولايات المتحدة أنها أخذت عباءة زعامة الإنتاج العالمي من السعودية.
وفي مواجهة تآكل حصتها في السوق، رفضت الرياض خفض إنتاج النفط. وبدلا من ذلك اختارت زيادة الإنتاج للحفاظ على مستويات الإمدادات العالمية العالية وحماية حصتها السوقية. وبهذا راهنت الرياض على أنها يمكنها التعايش مع انخفاض الأسعار مع أكثر من نصف تريليون دولار في احتياطيات النقد الأجنبي، في حين أن المنافسين مثل الولايات المتحدة وإيران سيواجهون الكثير من الضغط المالي الذي سيفرض عليهم الانسحاب من السباق. وكان هذا الاختلاف ملحوظا في الاستراتيجية السعودية السابقة، والتي عادة ما كانت تفضل قطع الإنتاج لتنظيم العرض وإبقاء الأسعار مرتفعة.
كانت حرب الإنتاج مكلفة. فقد أضر هبوط الأسعار بالمالية السعودية حيث انخفضت احتياطيات السعودية بين عامي 2014 و 2016 من 746 مليار دولار إلى 536 مليار دولار وهذه الوتيرة من شأنها أن تفرغ تماما خزائن المملكة في نصف عقد. وإضافة لما نتج عن الانخفاض في عائدات النفط، فقد تكبدت الرياض التكاليف المترتبة على الحرب في اليمن مع نظام سخي لا يفرض الكثير من الضرائب والرسوم.و لذلك لم يفاجأ أحد عندما أعلنت الرياض وقف حرب النفط في العام الماضي، واتفقت مع أعضاء أوبك لخفض الإنتاج.
ربما يكون الإفراط في الإنتاج السعودي يستحق ذلك إذا كان لديه القدرة على إخراج إيران أو الولايات المتحدة. ولكن بدلا من ذلك، كانت السعودية هي الضحية الرئيسية. ونظرا لمدى شدة العقوبات على إيران لم تستطع إيران الاستفادة من صادرات النفط، بصرف النظر عن الأسعار. وعلى الرغم من الخسائر من انخفاض الأسعار على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، واصل هؤلاء المنتجون عملهم عبر الميزة التنافسية لتكنولوجيا الاستخراج. وإذا كان هناك أي شيء مهم، فإن الضغط المتولد من انخفاض الأسعار دفع منتجي الولايات المتحدة إلى التركيز باهتمام أكثر على خفض التكاليف، والتشغيل الآلي، وزيادة الكفاءة العامة لخفض سعر التعادل.
قام الخبراء في الولايات المتحدة بتطوير تقنيات جديدة لكي يستطيع منتجو الولايات المتحدة الحصول على مزيد من النفط من العمليات في الخارج. وحول هؤلاء الخبراء هذه التكنولوجيا مؤخرا إلى الداخل وأصبحت الولايات المتحدة واحدة من مراكز الابتكار التكنولوجي في الحفر الأفقي والاستخراج.
و لم يحالف الحظ السعوديين. فالنمو يتباطأ ونسبة الدين مقارنة بالناتج الاقتصادي آخذة في الازدياد. لهذه الأسباب، ولارتفاع الاقتراض، فقد خفضت مؤشرات كل من ( فيتش، ستاندرد أند بورز، وموديز ) التصنيف الائتماني للبلاد في عام 2016. ونتيجة لصعوباتها المالية، سعت السعودية بعد ذلك لدعم اقتصادها بطرق مختلفة. وكان أحد هذه الإجراءات غير المسبوقة هو طرح 5% من أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام وهو ما سيحدث في العام المقبل، ومن المرجح أن يكون أكبر اكتتاب في التاريخ.
وفي رحلته إلى آسيا، يسعى الملك «سلمان» لجذب المستثمرين للاكتتاب العام. وحاليا تتنافس بورصة هونج كونج لاستضافة هذا الحدث. ونظرا لارتباط هونغ كونغ، بالأسواق الصينية، فإن ذلك سيكون بمثابة جسر بين أرامكو السعودية و المستثمرين الصينيين.
إن الإصلاحات المالية السعودية في الداخل لم يسبق لها مثيل وهي تشمل زيادة الضرائب غير المباشرة ورسوم التأشيرة للوافدين، وخفض الدعم عن منتجات المياه والطاقة، والحد من عدد مشاريع الأشغال العامة في قطاعات النقل والسكن والرعاية الصحية. وربما نجد أن الأمر الأكثر خيالية بين كل شيء، هو قيام السعودية بتبديل التقويم القمري الإسلامي المكون من 354 يوما إلى التقويم الغربي الميلادي 365 يوما ، والسماح للحكومة بزيادة 11 أيام عمل للموظفين دون زيادة في الرواتب السنوية.
وحتى قبل أن تتدهور أسعار النفط لم تكن السعودية على علم أنه في المستقبل القريب سيكون هناك حاجة للحصول على نظام مالي جديد وأنها ستكون مضطرة لتنويع الاقتصاد. هذا هو السبب في أنها دفعت بسرعة لتطوير القطاعات غير النفطية الجديدة، مثل الطاقة المتجددة و الزراعة والألبان. حتى وقت قريب، كانت السعودية تتحرك بوتيرة بطيئة، ولكن ما أظهرته حرب النفط هو أن التغيير البطيء لم يعد خيارا.
المصدر | فورين أفيرز